تصدير إناث الإبل.. صراع الجبابرة
خبير: النظام المخلوع سمح بتصدير إناث الإبل لبعض النافذين فقط
المجلس العسكري يوقف التصدير ومجلس الوزراء يسمح بشروط
طعن ضد قرار الثروة الحيوانية ولجنة للنظر في القرار
رئيس اتحاد سباق الهجن: الطعن في القرار غير موفق ولا ينسجم مع مصلحة السودان
دراسة للجمارك: مراعاة تصدير الإناث بنسبة لا تتجاوز 25% وبصفات جينية محددة.
ورقة: إبل الهجن تصدر إلى مصر على زعم أنها إبل لحم فيعاد تصديرها من هناك إلى دول الخليج.
تحقيق / محيي الدين شجر
ظلت قضية صادر إناث الإبل تشغل بال المهتمين في السودان منذ عهد بعيد، وانقسم المتعاملون في الإبل تجارة ورعاية وسباقاً ما بين مؤيدين لتصديرها وبين رافضين. ولقد أثار قرار وزارة الصناعة والثروة السمكية مؤخراً بالسماح بتصدير إناث الإبل ردود فعل واسعة خاصة بعد السماح فعليًا بتصديرها ليتقدم أحد المهتمين ببلاغ ضد القرار.. يا ترى ما هو الطرف الذي على صواب، وهل فعلًا تصدير إناث الإبل يضر بالثروة الحيوانية السودانية؟
(الصيحة) غاصت في موضوع صادر إناث الإبل وخرجت بالحصيلة التالية:
النظام البائد
ذكر خبير الثروة الحيوانية الدكتور أسامة علي محيي الدين لـ (الصيحة)، أن الحكومات السودانية ظلت ملتزمة بحظر تصدير إناث الماشية إلى الخارج، إلى أن جاءت حقبة نظام الإنقاذ المخلوع ليبدأ في إصدار قرارات لتصدير الإناث ليستفيد من القرار بعض النافذين لا المنتجين الحقيقيين، حين صدر قرار وزارة الثروة للعام 2003 بتاريخ 7/10/2003، الذي تقرر بموجبه تصدير إناث الإبل بنسبة (30%) بعد استخراج شهادة صحية من السلطات البيطرية وتصديق من وزارة الثروة الحيوانية وفق الضوابط الآتية: أن تكون أنثى الإبل غير منتجة لعيب خلقي، أن تكون أنثى الإبل كبيرة في السن
يظهر عليها عيب في الضرع أو الأجزاء التناسلية، يظهر عليها أي عيب يتسبب في عدم إنتاجها
وقال إن القرار تضمن فقرة سمحت (للوزير الحق في إصدار أي تصديقات استثنائية لتصدير الإناث لأي من الجهات وبالشروط والضوابط التي يراها مناسبة.
ثم تلى ذلك صدور قرار مجلس الوزراء بالرقم (219) لسنة 2008 بتاريخ 19/ 6/ والذي بموجبه تم فك الحظر عن تصدير إناث الماشية وفق ضوابط معينة وبنفس الاستثناءات السابقة، مما نتج عنه أن أصبحت تراخيص تصدير إناث الحيوانات تباع بالسوق دون أي تصنيف، وأخيراً صدر قرار مجلس الوزراء بالرقم لسنة 2017 والذي لم يختلف عن القرار (219) لسنة 2008، ووفق ذات الضوابط والاستثناءات التي أفسدت القرارات السابقة.
وقال إن السلطات المسؤولة كانت تبرر بأنه لا خوف على سلالات الماشية السودانية، لأن الجينات الوراثيه تنتقل عبر الذكور.
صوت واحد
وفي حقبة النظام المخلوع، وفي عام 2017 تحديدًا كان البرلمان قد وافق بفارق صوت واحد على تصديرها ليواجه قراره بموجة من الانتقادات، حيث حرّك 50 من مصدري الماشية الحية دعوى بالمحكمة الدستورية ضد الحكومة ووزارة الثروة الحيوانية لسماحها بتصدير إناث الأنعام للخارج واعتبروه إهداراً لموارد البلاد ويؤدي لضياع السلالات الجيدة من الأنعام التي يمتاز بها القطيع السوداني.
وأكد وزير الثروة الحيوانية، بشاره جمعة أرو وقتها أن السماح بتصدير إناث الإبل يتم وفق ضوابط منها أن تكون كبيرة في السن، وغير منتجة، وبها عيوب خلقية في الضرع والجهاز التناسلي.
وقال أرو إن القرار صدر بناءً على تقرير فني من لجنة خبراء وعلماء شكلها مجلس الوزراء أوصت بتصدير الإناث وفقاً للضوابط المذكورة، مشيراً إلى أن الوزارة نفذت القرار بطريقة متوازنة للحفاظ على الثروة الحيوانية وفقاً لضوابط تحكم صادرات الإناث.
وحينها رفض النائب البرلماني السابق أبو القاسم برطم، مبررات الوزير واعتبر تصدير الإناث الحية “خيانة عظمى” للوطن .
اعتراضات واستجابة
نتيجة للاعتراضات العنيفة على سماح البرلمان بتصدير إناث الإبل، استجاب المجلس العسكري الانتقالي بعد توليه سد الحكم وقام بإلغاء القرار في يوليو 2019.
وقال أحمد حمور مدير الوكالة الوطنية لتأمين وتمويل الصادرات عقب قرار المجلس العسكري، إن القرار الذي أصدره المجلس العسكري بخصوص صادر المواشي له آثار إيجابية، وكشف عن تجاوزات نتجت من صادر إناث الإبل، وأشار إلى أن القرار يحافظ على القطيع القومي والاقتصاد السوداني ويحمي الثروة الحيوانية.
وأضاف أن المصدرين ظلوا يطعنون في القرار السابق الذي تم بموجبه تصدير أعداد من الإناث وقدموا طعناً في المحكمة الدستورية/ واستبشر خيراً بقرار العسكري لأنه يحارب ممارسات خاصة بتهريب صادرات الثروة الحيوانية، مشيراً إلى نشاط بعض النافذين في صادر إناث الإبل الهجن، كاشفاً بأنهم تسببوا في إهدار الثروة الحيوانية، ونوه إلى أن القرار يستهدف الجوكية والسماسرة والسجلات الوهمية التي أهدرت كثيراً من العائدات التي كانت ترفد خزينة الدولة .
السماح بالتصدير
غير أن وزارة الثروة الحيوانية والسمكية قبل شهر، كشفت عن السماح بتصدير إناث الإبل، وقالت إن القرار جاء عبر لجنة فنية شكلت برئاسة الوكيل بتفويض من مجلس الوزراء، حيث قررت استئناف صادر الهجن وفق مواصفات محددة، وقال مدير الإدارة العامة للمحاجر بالوزارة في تصريح له، إن خطة صادر الهجن تشمل ثلاث رحلات شهرياً بحوالي مائة رأس، وذكر أن أحد شروط التصدير إجراء فحص للإناث للتأكد من الحمل، واعتبر أن ما يتردد من حديث بتصدير إناث حوامل غير صحيح.
وأوضح أن الخطوة تحقق مكاسب مادية لدعم حصائل الثروة الحيوانية، لافتاً إلى أن رأس الهجن من الإناث يحقق عائداً حوالي 15 ألف دولار مقابل عشرة 10 آلاف دولار للرأس من الذكور، وأشار إلى أن الوزارة ستُخضِع التجرية للتقييم بعد مرور ثلاثة أشهر.
طعن في قرار التصدير
وبعد بدء عمليات التصدير ونقل شحنتين للإمارات العربية المتحدة، تقدم المقرر السابق لشُعبة مُصدِّري الماشية خالد وافي، بطعن ضد القرار بل طالب بإقالة وزير الثروة الحيوانية والسمكية المكلف ومدير إدارة المحاجر وإحالتهما لنيابة الفساد، على خلفية تصدير إناث الإبل المُنتجة للإمارات، وقال إن القرار فيه مُخالفة واضحة لقرار رئيس مجلس السيادة بمنع صادر الإناث وحرك المُقرِّر السابق لشُعبة الماشية الحَيّة خالد علي محمد خير “وافي”، إجراءات دعوى بلاغ لدى النائب العام ضد وزارة الثروة الحيوانية .
لجنة أخرى للنظر في قرار التصدير
على خلفية اعتراض (خالد وافي)، كشف وزير الثروة الحيوانية والسمكية المكلف عادل فرح لـ” سودان تربيون ” تشكيل لجنة من مجلس الوزراء ووزارات التجارة والصناعة وبنك السودان المركزي وإدارات الضرائب والجمارك إلى جانب ممثلي اتحاد الهجن للنظر في صادر إناث الإبل إلى الإمارات.”
وأضاف “نحن صدرنا بناء على تقرير لجنة وتوصيات مجلس الوزراء.”
وقال إنهم فى انتظار تقرير اللجنة التي كونها مجلس الوزراء والمعنية ببحث مشكلات صادر الثروة الحيوانية بعد طوافها على كافة مواقع إنتاج الثروة الحيوانية والموانئ الخاصة بالصادر.
ولمعرفة رأي المهتمين بسباق الهجن، التقت (الصيحة) بعثمان محمد المبارك رئيس اللجنة المنظمة لسباقات الهجن، حيث قال إنه مع قرار تصدير إناث الإبل الذي أصدرته وزارة الثروة الحيوانية مؤخراً، ووذكر أنه يتفق معها تماماً فيما يتعلق بالشروط التي وضعتها، وأضاف أن قرارها بفحص الحمل هو قرار مهم، وقال إنهم كانوا ينتظرون قرار السماح بتصدير إناث الإبل منذ فترة طويلة لأن فيه فائدة كبيرة للسودان ويشجع المنتجين للعمل وزيادة الإنتاج، وأوضح أن الصادر في السابق كان يتم من قبل نافذين دون الآخرين، وأوضح أنه يعلم أن الجينات أكثر في الذكور لا الإناث، وقال إن الصومال تتمتع بسلالات جيدة من الإبل، وإذا لم يصدر السودان إناث الإبل يمكن أن يلجأ التجار إليها وتضيع على السودان فرصة لا تعوض، وقال إن الطعن في القرار غير موفق ولا ينسجم مع مصلحة السودان والمنتجين، وطالب بأن ينفتح السودان ويتعامل مع الدول الراغبة، وعلق قائلاً: يجب النظر بعقلانية وتجرد، ولتكن مصلحة السودان هي العليا بدلاً من الحديث عن الثروة القومية المهدرة بلا أدلة قاطعة.
بدوره وافقه إيهاب بشير النور نائب رئيس اللجنة المنظمة لسباقات الهجن، مساندًا قرار تصدير إناث الإبل بشروط أن تكون كبيرة في السن وغير قادرة على الحمل، وذكر لـ (الصيحة)، أن إناث الهجن تباع في دول الخليج وبالذات في دولة الإمارات العربية المتحدة بأسعار كبيرة، وقال إن السودان يتميز بالإبل الحرة والتي قال إن لها شهادات مثل شهادات بحث الأراضي، واضاف بالأمس اشترى إماراتي إبلاً حرة بمبلغ 80 ألف درهم وباعها بمجرد وصوله الإمارات بمبلغ 800 ألف درهم .
إبل الهجن
وأشارت ورقة تحت عنوان “اقتصاديات تربية وإنتاج الإبل في السودان” أعدها كل من الدكتور حسن محمد نور، والدكتور هادية عثمان إدريس عام 2006 تحصلت الصيحة على صورة منها، أشارت إلى أن تسعير إبل الهجن يتم بعد إجراء السباق وتحديد ترتيب الفوز كما يحدث في قرية مستورة في ضاحية كسلا بشرق السودان أو بناء على السمعة المكتسبة لإبل الهجن لدى بعض المربين فى المناطق المشهورة بتربية هذا النوع من الإبل، وعادة تكون أسعارها عالية جداً والمشترون هم هواة سباق الهجن.
وأضافت الورقة أن الهجن إما أن يتم تصديرها مباشرة إلى المملكة السعودية ودول الخليج العربى الأخرى، أو غير مباشر إلى مصر على زعم أنها إبل لحم فيُعاد تصديرها من هناك إلى دول الخليج.
وأشارت ألى أن الطلب على هجن السباق وارتفاع أسعارها مؤشر واعد للعمل على تهجين وتوليد وتربية إبل السباق كنشاط متخصص، علماً بأن هذه الرياضة أصبحت صناعة جاذبة للباحثين عن الترويح.
في أبريل عام 2013 أعدت الجمارك السودانية دراسة أسباب زيادة تهريب الإبل في السودان، حيث قالت الدراسة حول تصدير الإناث:
ــ في فترة من الفترات تم الترويج لثقافة التخلص من إناث الإبل، بدعوى أن نسبة الإناث قد زادت في القطيع السوداني، وأنها أصبحت تؤثر على المراعي، ولكن الفرضية التي تحدثت عن زيادة إناث الإبل فرضية خاطئة، لأنه من الطبيعي أن تكون نسبة الإناث في الإبل كبيرة، ونجد نسبة التكاثر في شرق السودان تقارب 70% ونسبة التكاثر قد تحدث كل عامين أو ثلاثة أعوام، ونسبة نفوق المواليد أيضاً عالية، وعدد الولادات للناقة محدود لا يتعدى الستة ولادات، لهذا يجب أن يكون عدد الإناث كبيراً للمحافظة على القطيع، وهذه النسبة عالية حتى في الصومال حيث تصل إلى 75%، ونحن بوصفنا مصدرين يجب تصدير الإناث، ولكن طالبنا بنسبة معينة لا تتعدى 25%، وأساساً هناك نسبة متفق عليها بـتصدير الإناث تحت إشراف طبي بيطري عالٍ، وذلك بتصدير إناث تحمل صفات جينية معينة كأن تحمل جينات الصبر أو إنتاج اللحوم والألبان، أو أن تحمل صفات جمالية يطلبها السوق السعودي، وهذه تباع بأسعار عالية، الأمر الذي يتطلب مزارع بها مراكز بحثية وخبرات.
– تهريب الإبل السودانية عبر الحدود:-
ــ التهريب الآن قلَّ كثيراً في المناطق الغربية للظروف الأمنية، لكن هناك تهريب للإناث في شرق السودان، كما توجد إبل مهربة من الدول الحدودية إلى مصر، الأمر الذي سبب مشكلات صحية قد تضر بالإنتاج المحلي.
وأوصت الدراسة على:-
1/العمل على تسهيل الإجراءات لتقليل ظاهرة التهريب مع مراعاة تصدير الإناث بنسبة لا تتجاوز 25% وبصفات جينية محددة.
2/مراقبة الحدود وذلك باستخدام الأطواف التمشيطية وزرع المصادر في أوساط المهربين وتحفيز القوة القابضة.
3/العمل على تشديد عقوبة التهريب للحد من الظاهرة خصوصاً لو كانت إناث الإبل هي المهربة.
4/حسب المعلومات في المحطات الجمركية بأن هناك إناث إبل قابلة للإنتاج يتم تصديرها.
لذلك يجب العمل على رقابة عدم تصدير الإناث المنتجة وتكوين لجنة من أصحاب الإبل ومندوب الثروة الحيوانية ومندوب الجمارك.
5/ عمل إحصاءات دقيقة(شق البند 01061300) تقوم بتفصيل الإبل كالأتي (ذبيح, ذكور هج , إناث هجن, ذكور ,إناث منتجة, إناث غير منتجة.
6/ الاهتمام بالتقارير الإحصائية للمضبوطات خصوصاً الولايات والعمل على الاهتمام والتسجيل أول بأول في برنامج المخالفات.
7/ تثقيف المصدرين وأصحاب العمل عن المخاطر من تصدير إناث الإبل المنتجة ومع توعيتهم وتثقيفهم عن إجراءات تصدير الإبل.
8/ استخراج مؤشرات وتقارير شهرية من إدارة الإحصاء والمعلومات وإدارة التقارير عن مضبوطات الإبل والأعداد المصدرة ورفعها لجهات الاختصاص حتى تساعدهم في اتخاذ القرارات الإدارية المناسبة.
9/ تدريب وتأهيل مصدري الماشية بكيفية الإجراءات السليمة إذ أن أغلبية أصحاب أو مصدري الماشية على جهل تام بالإجراءات.