أين الشارع من التطبيع؟
تقرير: صلاح مختار
بات من المؤكد أن قرار التطبيع مع إسرائيل ستكون له تبعات على الحاضنة السياسية التي أعلن بعضها موقفاً رافضًا لخطوة الحكومة، وفي الوقت الذي سحب فيه حزب البعث دعمه للحكوم، أعلن حزب الأمة القومي معارضته للاتفاق، ووصل به الحال أن توعد رئيس الحزب الصادق المهدي بإسقاط الحكومة كما فعل مع نظام الإنقاذ، فيما قال عضو المجلس السيادي والقيادي بحزب البعث برفسير صديق تاور إن بضع شخصيات سمحوا لأنفسهم بحسم قضية خلافية يمكن أن تجر البلد إلى احتقانات.
إذا كانت هذه مواقف حاضنة الحكومة السياسية، فإن الشارع منقسم بين مؤيد ومتحفظ ورافض ومتخوف من التعبير عن موقف محدد، ولعل الملاحظة الكبرى هي سكوت لجان المقاومة عن التعبير عن موقف محدد، وهي القوة التي تحركها الحاضنة كلما أرادت أن تصل إلى أهدافها، وبالتالي يرى بعض المراقبين أن صمت لجان المقاومة أمر قد يفسر في خانة الموافقة على التطبيع، وتنتظر إشارة التعبير عن ذلك، بيد أن تفسيراً آخر يرى أن لجان المقاومة أصابها ما أصاب الحاضنة السياسية من انقسام، وبالتالي لا تريد التعبير عن موقف محدد قد يفقدها تعاطفًا جماهيرياً في الشارع، بالتالي السؤال الذي يطرح نفسه لمن الغلبة ستكون للشارع المؤيد أم الحاضنة الرافضة للتطبيع؟
نظرية التطبيع
قد يسأل البعض هل قرار الحكومة أن المصادقة على التطبيع مرتبط بالبرلمان هل هي خطوة ذكية؟ ربما هي خطوة يراها البعض أنها للخلف أو لتحسين الصورة لدى الشركاء الذين يهددون بإسقاط الحكومة أو رفع الدعم منها، ولكن مصادر كثيرة نوهت للصمت الذي أطبق على لسان لجان المقاومة التي تصدر بيانات من حين لآخر في قضايا الدولة، حيث أنها اكتفت بالصمت المريب، إلا أن مراقبين يرون أن الذين ينادون بالتطبيع والمؤيدين له من عامة الشعب هم المتأثرون بالأزمة الاقتصادية، وهم كثر وهؤلاء يسيرون وراء نظرية (جوع شعبك يتبعك)، وعندما يكتشف أن الأحوال الاقتصادية لم تتحسن سوف يغيرون رأيهم.
ويرى القيادي السياسي د. أسامه توفيق لـ (الصيحة)، أن المخطط إيصال الشارع إلى هذه المرحلة وهي كما يراها عندما لم يجد الشارع قيادات تلبي طموحاته أوهموا الناس بأن التطبيع سيأتي بالمن والسلوى، ولكن لأن الشارع معظمه لا يقرأ وإذا قرأ لا يفهم دهاء الساسة، وقال ميزة ذلك أننا نعيش في محيط معظمه مطبعون مع إسرائيل، ولا تجد ما تأكله، وأضاف: هؤلاء (خموا) الشعب المسكين إذا حصل تطبيع سينعكس على الدولار وهو ما لم يحصل.
ولفت توفيق للتبرعات التي أعلنت عنها إسرائيل بتوفير قمح بمبلغ (5) ملايين دولار وغير معروف مدى صلاحيته للاستخدام الآدمي بجانب ذلك المنحة الأمريكية من المواد الغذائية قال إنها منتهية الصلاحية، وقال: كل هذا هو ثمن التطبيع، محذراً من الأضرار التي تعود على المجتمع السوداني بفعل التطبيع، غير أنه قطع بأن الشعب سيفيق من هذا.
ويرى توفيق أن المعضلة في قضية التطبيع أن الحاضنة السياسية وقعت في نفس الفخ الذي حدث إبان انفصال جنوب السودان عندما قررت قوى التحالف في أسمرا تقرير مصير الجنوب في مجتمعات جاهلة، ونسبة الوعي ليس كبيراً فانفصل الجنوب و(شيّلوها) للمؤتمر الوطني المحلول. وقال إن أحزاب العروبة والشيوعي والأمة يلعبون مباراة خطيرة جداً وكأنهم برمائيون في حقيقة التطبيع يريدون أن يكونوا مع معارضة الحكومة ويعملون من داخلها، مؤكداً أن قضية التطبيع ستحرق العروبيين والقوميين ما لم يتخذوا قراراً واضحاً بالانسحاب من الحكومة، بيد أنه قال أن تكون داخل الحكومة وتعارضها في نفس الوقت فتلك مماحكة سياسية. وقال: أعتقد أن الكاسب في هذا القوى الإسلامية الوطنية، وانتقد موقف حزب الأمة من قضية التطبيع، مبيناً أن المخطط العالمي لتفتيت الدول المحيطة بإسرائيل يقوم على تقسيم المقسم وتجزئة المجزّأ وإثارة النعرات القومية والجهوية، وكرر: ما لم تتخذ الأحزاب القومية وحزب الأمة موقفاً حاسماً وواضحاً والعمل على إسقاط الحكومة سيصيبها الخزي، وقال: سيكتشف الجميع أنه ليس هناك منّ ولا سلوى، وأن الأحوال ستزداد سوءاً على ما هي عليه، والجواب يظهر من عنوانه.
مصائب قوم
ويرى الكاتب والمحلل د. أبوبكر آدم، ان المواقف المبدئية لبعض القوى السياسية التي أعلنت موقفها المعارض للتطبيع غير منسجمة مع بعض، إذا وقفنا على موقف حزب الأمة أو البعث أو الشيوعي، نجد أن منطلقاتها تختلف، وبالتالي المصائب تجمع المصابين، ولكن آدم ينظر إلى القضية من زاوية أن القضية أصبحت تتلاشى حتى عند العرب الذين حملوا السودان مسؤولية اللاءات الثلاثة، ولكن نكثوا عنه وينظرون للسودان وهو يجوع ويصاب بالأزمة ولا يتحركون إلا في إطار المصلحة، وبالتالي تجيء خطوة التطبيع في ذلك الإطار، وأكد لـ(الصيحة) أن الخطوة ستُواجَه بالكثير من الرفض سواء من الشارع أو القوى الرافضة، ولكن سيكون الحسم في ذلك التغيير الإيجابي إن حدث بالداخل، ولفت إلى وجود قوى جديدة في الخارطة السياسية الداخلية وهي الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام، وقال سيكون موقفها حاسماً في التعبير.