يُصادف يوم الأربعاء المقبل الحادي والعشرون من أكتوبر رمزية قومية لثورة (64) التي التفت قادتها جماهير الشعب لإسقاط حكومة عبود، وظلت تلك الذكرى تتوالى جيلاً بعد جيل حتى يومنا هذا، حيث تصادف هذه المرة الذكرى (55) لثورة أكتوبر التي تأتي في ظروف قاسية وحرجة يمر بها الشعب السوداني من معاناة اقتصادية وسياسية واجتماعية، وبتلك الذكرى يكون قد مر (55) عاماُ وما زالت الدولة السودانية جاثمة على ركبتيها وخاضعة تتعاقب عليها النخب السياسية جيلاً بعد جيل دون إحداث تغيير وواقع جديد يُعبّر عن هذا الشعب وهذه الأمة العظيمة التي خاضت ثورة ديسمبر المجيدة من أجل الحرية والسلام والعدالة، ولكنها أصبحت الآن تبحث عن الخبز والوقود من خلال اصطفاف لساعات طوال، ما دعا جماهير الشعب ولجان المقاومة وأصحاب المصلحة الحقيقيين للخروج في مليونية (21) أكتوبر تصحيحاً لمسار الثورة وإحداث واقع جديد، إلا أن هنالك من يتربص بهذه المليونية لمصالح حزبية وسياسية ضيقة وخجولة، بينما فئة أخرى تتربص بالمسيرة لإسقاط حكومة الثورة، فيما فئة خفية تتابع المشهد من بعيد تنتظر لحظة محددة لتنقض على الثورة والثوار، وبذلك تكون مليونية (21) أكتوبر قد كتبت على نفسها الفشل خلال أكثر من مشهد واستخدام بقايا النظام البائد سياسة التقليد.
أعدها: النذير دفع الله
الثورة مستمرة
انتقد تجمع المهنيين الذي يمثل الواجهة الجماهيرية لتحريك الشارع، السلطة الانتقالية، وقال إنه منذ تشكيلها والتي مر عليها أكثر من عام، إلا أن الأزمات ما زالت تتناسل كل يوم وأصبح الأداء الحكومي مضطرباً وضعيفاً لا يرتقي لمستحقات ثورة ديسمبر العظيمة، فالضائقة المعيشية ما عادت محتملة ويهدر شعبنا سحابة يومه لاهثاً خلف أبجديات حاجاته في الخبز والوقود، أما أزمة الدواء فقد استفحلت حتى أصبح الحصول على الدواء هو الاستثناء، بينما الحال نفسه على إمداد الكهرباء لمن تشملهم تغطية شبكتها القومية، أما من لا تشملهم فليس لهم عزاء.
وشدد البيان الممهور بتوقيع تجمع المهنيين على أن أطرافًا عزيزة من البلاد ما زالت تنهشها التفلتات الأمنية، حيث ظلّت بعض الأيادي التي حرمتها ثورة ديسمبر ما اكتسبته من سحت، في شرق البلاد، تذكي نار الفتنة والحزازات القبلية المصطنعة، لتصب قضية والي كسلا في نارها الزيت ثم يأتي التدخل المتأخر للقوات الأمنية متوسلًا إطلاق النار على المتظاهرين. وأوضح البيان أن الشعب ما زال في انتظار العدالة وسط تلكؤ غير مبرر في المسار القانوني حول قضية قتلة شهداء حراك ديسمبر وما قبله ومرتكبي جرائم التعذيب واغتيال المعارضين في معتقلات الإنقاذ طلقاء، أما لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة وبقية المدن فقد أصبح التمديد لعملها سمة وتطاولت بها الآجال.
وأشار البيان إلى أن الانتقالية أصبحت تمارس عمليات تخدير شعبها بمؤتمرات لجنة تفكيك التمكين التي تسللت إلى عملها التجاوزات والأخطاء، بينما يتابع شعبنا كل ذلك مستمسكاً بآماله التي أحيتها ثورة ديسمبر، وتطلعه لفجر قريب، إلا أن مجمل تصرفات السلطة الانتقالية وحاضنتها لا تبشر بجدية أو عزيمة على المراجعة أو الإصلاح، بل هي سادرة في غيّها، تتعامل مع مواقع المسؤولية كغنائم، ضاربة عرض الحائط بالكفاءة والمعايير، فامتلأت الوزارات واللجان وحكومات الولايات بمحاسيب وشلليات، مستبدلة تمكينًا بتمكين، وولاء بولاء، فساد التخبط وتداخل الصلاحيات، وبدل الإقرار بالأخطاء والتصحيح، تطمع في المزيد من المحاصصات، متجاهلة معاناة من أتوا بها وصبرهم الآخذ في النفاد، متناسين أن عزيمة ثائرات وثوار ديسمبر لا تخبو جذوتها تحت الرماد.
وأعلن التجمّع أنه لن يكون سترًا على هذا التلاعب بمسار الانتقال، فالثورة العظيمة المضمخة بالدماء تستحق تضحياتها أن تقابل بكل تفانٍ وعطاء، كاشفاً أنه سيكون داعماً لغضب الشارع والجماهير المشروعة على حصيلة أداء السلطة الانتقالية حتى الآن وحقه في الخروج والتعبير عن ضيقه بهذا الحصاد، وقال نبارك دعوات التظاهر نهار الحادي والعشرين من أكتوبر وندعو مواطنينا الثوار لأخذ مواقعهم فيها طلبًا للتقويم والاستواء على جادة مطالب شعبنا في الحرية والعدالة والسلام.
مبيناً: ليكن الخروج في الحادي والعشرين من أكتوبر، تأكيدًا بأن طريق التغيير السلمي الديمقراطي الذي مضى فيه شعبنا وارتضاه لا يرتبط بأشخاص أو حكومات، بل تتجدد فيه الدماء كلما اقتضى الحال، والسلطة الانتقالية مطالبة بتغيير ما بها قبل فوات الأوان.
تحويل المسار
من جانب آخر للمشهد، فقد دعت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عضوية حزبها والقوى الديمقراطية وجماهير الشعب السوداني للمشاركة في مليونية ٢١ أكتوبر، وقال الحزب في بيان إن المليونية احتفال بالذكرى الـ 55 لثورة أكتوبر المجيدة والمطالبة بتحقيق شعارات الثورة واستكمالها .كما دعا البيان للتوجه إلى مجلس الوزراء مع الالتزام بالسلمية ورفع المطالب التي تدعو لتشكيل لجنة تحقيق دولية لفض اعتصام القيادة العامة وتفكيك التمكين والكشف عن المفقودين.
ويرى مراقبون بأن الحزب الشيوعي يسعى بمكره لتحويل مسار المليونية من مطالب حقيقية برحيل الحكومة بسبب تردي الأوضاع المعيشية وتفاقم الأزمة الاقتصادية إلى مواكب احتفالية دون أهداف واضحة لامتصاص غضب الشارع .
فشل مسبق
مدير مركز الراصد والمحلل السياسي بروف الفاتح محجوب أوضح (للصيحة)، أن مليونية 21 أكتوبر والتي تمت الدعوة إليها من عدة جهات مختلفة تعبّر عن الفوضى وغياب الرؤى الواضحة لمستقبل السودان، مضيفًا أن أي دعوة لمسيرة واحدة من عدة جهات فإن هنالك جهة ما تريد إفراغ المسيرة والمليونية من محتواها، وأشار محجوب أن من دعوا للمسيرة كانوا غاضبين وهم من أبناء الثورة نفسها وليس من أبناء النظام البائد أو غيره، وقال محجوب إن الجهتين الأخريين تحاولان تسلق المليونية هما بواقي النظام والذين يحاولون إفراغ المسيرة من محتواها وهم جزء من الحكومة الحالية، لذلك فإن المشهد العام لمليونية 21 أكتوبر يشمل ثلاث جهات مختلفة أهمها من دعت للخروج بسبب غلاء العيش والأوضاع الاقتصادية المتردية وهؤلاء دعوا لتغيير وتصحيح المسار من داخل النظام وتغيير الحكومة بأخرى أكثر ثورية وإصلاحاً، ولكن هذه الدعوة وجدت نفسها بين دعوات النظام السابق ودعوات من يريدون إفراغ الثورة والمسيرة من محتواها بمحاولة تصحيح خجول، وأكد محجوب أن مليونية (21) أكتوبر تكون قد فشلت قبل قيامها وخروجها طالما هنالك اختلاف بين ثلاث جهات، وهو مؤشر لفشلها فضاعت المسيرة وضاعت الأهداف.
احتمالات ٢١ أكتوبر
فيما وجه خبير في مجال حقوق الإنسان ــــ رفض ذكر اسمه ــــ رسالة نصح للجهات المختصة بالدولة قائلاً: من الواضح أن السودان والعاصمة الخرطوم يعيشان أكثر لحظاتهما احتقاناً، بسبب الازمات الاقتصادية والمعيشية واتساع الهوة بين الطموحات والإمكانيات وتفشي الإحباط بين كافة المواطنين، إضافة إلى كل ذلك ما تواجهه حكومة الحرية والتغيير من حصار ومعارضة شرسة. مضيفاً: كل ذلك يشير لبعض المؤشرات أن ثمة ثلاثة كيانات لا يمكنها أن تلتقي في مسيرة واحدة دون أن يكون العنف رابعها، مبيناً أن كافة الكيانات المعارضة المتمثلة في الدولة العميقة التي ترى في يوم (٢١) أكتوبر فرصة سانحة للإجهاز على هذا النظام بالضربة القاضية، بينما السيناريو الثاني هو لجان المقاومة التي تحس بالإحباط من انحراف المشروع والتي ترى في (٢١) أكتوبر فرصة سانحة لتصحيح مسار الثورة.
أما السيناريو الثالث فهو الحزب الشيوعي وواجهاته المتعددة التي ترى في مسيرة (٢١) أكتوبر الخلاص من قفاز حكومة حمدوك، ولكن من المعروف سلفاً أن المسيرات لا تكون سلمية إلا بتوحيد الرؤى والمسارات، ومن الواضح أن مسيرة (٢١) أكتوبر أشبه بعربة تجرها أربعة خيول في اتجاهات مختلفة. هناك مجموعة غير مرئية وهي المجموعة الرابحة من انفراط الأمن والفوضى .وقال إنه من منظور حقوق الإنسان للمسيرات والتعبير السلمي إذ لابد من إخطار السلطات وتوضيح مسار التظاهرة وعدد المتظاهرين وخط سيرها وزمنها. لكل ذلك يعتبر كل كيان حزبي أو غيره مرتكبًا مخالفة في حالة عدم الالتزام بذلك .
الحركة الجماهيرية
مدير مركز الخرطوم لحقوق الإنسان دكتور أحمد المفتي قال لـ(الصيحة)، إن الحركة الجماهيرية لا تسير المسيرات احتفالاً بثورة أكتوبر في ظل بعض النخب التي يدعي بعضها أنها تهدف من المسيرات إلى تقويم مسار الثورة، وأضاف: بينما تدعي نخب أخرى أن المسيرات من أجل المناداة بسقوط الحكومة، مشدداً أنه لا يجب استخدام الجماهير لإسقاط أو تثبيت نظام أو حكومة، لأن تلك الجماهير لديها مطالبها الخاصة بها سيما وأن تلك النخب لا تسمع لصوت تلك الجماهير الجائعة التي وقفت في كل الصفوف وكأنهم صم الصخور، موضحًا أن الجماهير تخرج من أجل حقوقها الأساسية، وليس من أجل تثبيت أحد في الحكم أو إسقاط أحد.