محمد محمد خيريكتب :الماثل والذي كان مأمولاً
الفترة الانتقالية أقرب في معناها للأشهر الحُرُم. إنّها الفترة التي يتوافق فيها الجميع على مرجعية يحتكم إليها الكل وتقتضي التزاماً بين أطرافها يجعلها منزهة ومعصومة، بل ربما مقدسة لأنها هي البوابة التي سنعبر من خلالها لكل ما نتمناه.
بهذا المعنى يجب أن تصبح الفترة الوحيدة التي تمضي بلا مُعارضة لأنها لا تمثل رأي حزب واحد أو جماعة تُسيطر عليها لأنها انعقدت في الأصل على توافق وطني جامع وحدّدت أهدافها ووسائلها وآلياتها ومدة تفويضها، وطرحت برنامجاً إسعافياً للصعود بالناس من مواخير الأسفل للأعلى وصولاً لبرنامج كبير وطموح يكون النصيب الأكبر فيه للشعب.
وتكون للشعب الكلمة العليا في اختيار مَن سيحكمه وفقاً لبرنامجه الذي أعلنه للناس قبل الاقتراع.
بهذا الفهم، فالذي يُعارض حكومة الفترة الانتقالية المُتوافق عليها شعبياً بين حكومتها المدنية ذات الحاضنة السياسية الأوسع والأقوى ومُكوِّنها العسكري يكون كمن ارتكب إثماً في الأشهر الحُرُم.
سبق لي أن أشرت إلى أنّ الإسلاميين يجب أن يكونوا أقوى الجماعات السياسية دعماً للحكومة الانتقالية، لأنّها سوف تنجز على صعيد السياسة الخارجية والدولية ما عجزوا عنه خلال ثلاثين عاماً عاشتها بلادنا في عزلةٍ ممتازةٍ، وستكون شروط السلام أسهل بكثير، لأنّ الحركات المسلحة لن تكون في وضع ما يُسمى في التفاوض بـ(الطرف الآخر)، بل سيتحوّل التفاوض من سِجِالٍ بين غريمين لحوار بين شريكين وربما لا يحتاج لوسيط.
ورغم إنّني كنت على يقين كامل بأن أمريكا وبعض دول الغرب كانت حريصة على الإسلاميين أكثر من حرصهم على الحج للبكاء والاستغفار. إلا أنني توقّعت أن يجد التغيير الذي تم تجاوباً مُقدّراً يُلبِّي الشق المفاهيمي في الغرب وذلك الشق هو البناء الديمقراطي الهائل الذي تقوم عليه الدول الغربية، ومن الطبيعي أن يهلل لأيِّ تغيير في العالم يتّجه للانضمام لنموذجه، إلا أنني أجد نفسي محتاراً لتفسير البرود الغربي الذي لم يعبر عن دعم حقيقي لحكومة شعب انتقالية باتت الآن عرضة لأضعف سرعة ريح.
حين اكتمل تشكيل الحكومة، كانت الجماهير تتطلع لسلام عاجل لا يستغرق أكثر من أسبوعين، لكنه بات الآن أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، بل أصبحت أطرافه تُهاجم الحرية والتغيير وهم جزء أصيل منها، وربما تتطلع هذه الأطراف بعد شهرٍ من الآن أن تصبح بديل الحرية والتغيير ضمن برنامج فترة انتقالية جديدة مع ذات القوى العسكرية شريكة الحرية والتغيير، وربما تُحظى هذه الخطوة بمساندة إقليمية. وكان الناس يَتوقّعون أنه وبمجرد القذف بالبشير ورهطه لخارج الحلبة، فإن كل الأشياء ستتداعى، لكن الذي حدث أن الرهط تداعى والأسعار ارتفعت والأشياء هي الأشياء.
أخطر ما في الأمر أنك تحس بأن في الخباء أمراً جللاً، فهنالك صراعات مكتومة وعلنية في الحرية والتغيير مثل تلك التي عبّر عنها القيادي محمد عصمت والتي ظلّ يتبنّاها بوضوحٍ، التوم هجو ويعضدها بلونية أخرى مني أركو ولا يتحرج منها عبد الواحد.
كان المأمول أن يشبع الناس، لكنهم شبعوا بالجوع، وأن يتحرّكوا عن طريق المُواصلات بحرية، لكنهم تسمّروا واقفين، وكان المأمول أن تستقر الكهرباء لكنها تبهنست وكان وكان وكان.. فما العمل?!
كتبت هذا العمود في فبراير قبل ثمانية أشهر، وأشرت إلى إمكان أن تصبح قِوى الكفاح المُسلّح بديلاً للحرية والتغيير، وها هو المهندس صديق يوسف يؤكد ما كتبناه قبيل ما يقارب العام!!