تقرير / نجدة بشارة
يقول المفكر والمحلل السياسي الأمريكي (نعوم تشومسكي): (إن الولايات المتحدة تخشى قيام أي ديمقراطية حقيقية تعكس الرأي العام للشعوب في مناطق الربيع العربي .. خاصة مع تداعي قوى هيمنتها على العالم )..
حديث تشومسكي قد يفسر صفة التردد التي ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تنتهجها تجاه السودان منذ سقوط النظام البائد، بيد أنها أطلقت الوعود والتعهدات بشأن إمكانية دعمها الحكومة الانتقالية على الانتقال الديمقراطي السلس، لكن، وبينما يمضي الوقت، يلاحظ أن واشنطن ما زالت تمسك العصا وتضع الشروط والعراقيل أمام دعم الديمقراطية.
ما وراء الحدث
قال رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، إن العقوبات الأميركية المفروضة على السودان منذ 1993 تهدد الانتقال الديمقراطي في البلاد، عبر إبقاء السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب.
واعتبر رئيس الوزراء السوداني، أنه من غير العادل معاملة السودان كدولة منبوذة بعد مرور أكثر من عقدين على ترحيل بن لادن خارجها وإطاحة السودانيين في أبريل 2019 بنظام عمر البشير الذي استضافه.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن حمدوك قوله إن “السودانيين لم يكونوا قط إرهابيين، النظام السابق هو من فعل ذلك”، مشيراً إلى أن “عمليات الانتقال دائماً ما تكون مضطربة، فهي ليست خطيّة ولا تسير جميعها في اتجاه واحد”.
وتابع: “إبقاء السودان على القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب يهدد المسار نحو الديموقراطية، نحن معزولون عن العالم”، معتبراً أن “إزالتنا من القائمة ستغير المعطيات”.
ومؤخراً نشر موقع “بلومبيرج” الأمريكى اشتراط استمرار الحكومة الديمقراطية في السودان بإزالة اسمه عن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقال الموقع: إن على إدارة الرئيس الأمريكي دولاند ترامب رفع اسم السودان عن (البلاك لست) فورًا دون تأجيل كونه يمثل الحبل السري لاستمرار نجاح التجربة الديمقراطية، لأن استمرار القرار يقيد تماماً وصول البلاد للمساعدات الدولية والاستثمار الأجنبي، والتحويلات المالية، وهو أمر بالغ الأهمية لبقاء الحكومة الجديدة التي يقودها المدنيون والآمال في انتقال ديمقراطي في الخرطوم. ويتساءل مراقبون عن مواقف واشنطن المتناقضة التي تزيد من علامات الاستفهام حول الأهداف الحقيقية لها.. وبالمقابل هل ستؤدي أدوارها المتخاذلة إلى إجهاض الديمقراطية في السودان؟
المصالح أولاً
يرى بعض الباحثين أنه خلال قراءة الخطاب السياسي الأمريكي لنشر الديمقراطية، يمكن التعرف على ملامح الخطاب من خلال أن المصالح الأمريكية هي المحدد الأول للرؤية الأمريكية لنشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الوطن العربي.
ثانياً، إن السودان شهد تغييرات جيوسياسية كبيرة منذ سقوط نظام الإنقاذ، حتى إن الحكومة الانتقالية سعت بكل قوتها إلى رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، لكن اصطدمت مؤخراً بشرط واشنطن ورهنها التطبيع مع إسرائيل مقابل الرفع .. لكن سياسة رئيس الوزراء السوداني د. حمدوك وفهمه للسياسة الأمريكية جيداً.. وضع شروطه أيضًا مقابل التطبيع برفع اسم السودان أولاً من قائمة الإرهاب ثم استقطاب دعم للاقتصاد لمدة السنوات الثلاث الفترة الانتقالية.
ضد التحول
يرى المحلل والدبلوماسي د. عبد الرحمن أبوخريس في حديثه (للصيحة) بأن السياسة الأمريكية ضد التحول الديمقراطي منذ الديمقراطية الثالثة، حيث أجهضت بواسطة نظام الإنقاذ ومباركة الحكومة المصرية.. ثم بنت الإدارة الأمريكية على معلومات الدولة المصرية، ثم كان دعم أنظمة التمرد السابقة لذلك فإن واشنطن تخشى التحول الديمقراطي في الدول العربية والأفريقية لجهة أن النظام الديمقراطي يحقق حكومة رشيدة وأكثر حرصًا على إدارة الموارد مقارنة بالأنظمة العسكرية الشمولية التي تسمح بتمرير الأجندات الأمريكية.
إجهاض الديمقراطية
وتوقع أبوخريس أن يؤدي تسويف أمريكا وتقاعسها عن دعم السودان إلى وأد الديمقراطية في مهدها، خاصة وأن السودان يعاني الآن من أوضاع اقتصادية ضاغطة بسبب القائمة، كما أن أمريكا ومنذ حدوث الثورة لم تقدم أي دعم حقيقي أو على أرض الواقع، كما أشير إلى أن الإعلام الأمريكي عتم النشر في الثورة حتى لا يشكل رأياً عاماً داخل أمريكا يساند السودان. وأردف: نحتاج إلى جهود كبيرة لتغيير السياسة الخارجية لمواجهة أي مهددات خارجية، لأنه حتى السعودية مؤخراً بدأت ترفض استقبال الصادرات، وبالتالي فإن الضغط الاقتصادي الآن كبير.
مخاطر ومحاذير
لكن مؤخراً انتقدت صحيفة “واشنطن بوست الأمريكية” مُعارضة الديمقراطيين داخل الكونغرس على رفع اسم السودان من القائمة ووصفته بالمُضلل، وقالت “بالرغم من أنّ قلق كل من السيناتورين الديمقراطيين تشارلي اي شومر وروبرت مينديز من أن الرفع يُهدِّد تأمين العدالة لعائلات ضحايا 11 سبتمبر مبرر، إلا أنّ قلقهم مضلل عندما يتعلّق الأمر بالسودان، لأنّه في حال تم إنفاذ الصفقة، فإنه لا يزال بإمكان عائلات الضحايا مقاضاة السودان بذات القانون الذي يمكن استخدامه بناءً على قانون مُقاضاة الدول غير المُدرجة على قائمة الإرهاب، فضلاً عن أنّ جميع المحاكم التي رُفعت فيها الدعاوى أثبتت عدم وجود نتائج قانونية تربط السودان بهجمات 11 سبتمبر في جميع المحاكم الأمريكية”، وأضافت “في حال فشلت الصفقة، فإن الفُرصة المحدودة لتعويض ضحايا الهجمات الإرهابية للسفارتين الأمريكيتين بكينيا وتنزانيا ستزول وهو ما يُعرِّض الديمقراطية الوليدة في السودان للزوال”، ولفتت إلى أن ذلك لن يؤدي لنتائج مُدمِّرة للشعب السوداني فقط، بل تراجُع هائل للأمن القومي للولايات المتحدة والحرب ضد الإرهاب.
لكن إذا اعتبرنا أن الولايات المتحدة ليست معادية لإلغاء إدراج السودان في القائمة: في الواقع ، بدأ أوباما العملية في نهاية فترة رئاسته. وقبل أن تتسبب الانتفاضة في التردد، كانت إدارة ترامب قد بدأت مناقشة رفع الأسماء من القائمة كجزء من اتفاقية مكافحة الإرهاب مع الخرطوم.
وأرجع محللون تأني واشنطن في رفع اسم السودان عن قائمة الإرهاب إلى المحاذير والمخاوف التي صاحبت القرار المشابه ضد كل من كوريا الشمالية وكوبا، وقالوا: ينبغي على البيت الأبيض أن يدرك الأخطاء التي ارتكبتها إدارتا باراك أوباما وجورج دبليو بوش، اللتان كانتا حريصتين للغاية – وموثوقة للغاية – في إلغاء إدراج كوبا وكوريا الشمالية من قائمة العقوبات كما ينبغى أن يتعلم الدرس من التجربة الأمريكية مع ميانمار، حيث تمت إزالة العقوبات الاقتصادية في وقت مبكر للغاية.
فرص ودوافع
أكد الخبير والمُحلِّل السِّياسي د. ناجي علي بشير، أن توقيع اتفاق السَّلام الشامل وتأكيد مجلس الأمن الدولي بأنّ الاتفاق تاريخي، هو حافزٌ ودافعٌ للإدارة الأمريكية لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب والسعي للضغط على الأطراف غير المُوقّعة للالتحاق بالسلام، واعتبر أنّ توقيع السلام سحب الحجج الواهية التي ظلّت تُردِّدها أمريكا لحصار السودان وعدم مُساعدته بحجة الحرب، وأكد في تصريح أن السودان في أمسّ الحاجة لمن ظلّ يطلق عليهم بأصدقاء السودان لمُساعدته في تنفيذ اتفاق السَّلام الذي يحمل في تبعاته التزامات مالية كُبرى لا يستطيع السودان تحمُّلها لوحده، ورأى ناجي أنّ عدم رفع اسم السودان الآن من قائمة الإرهاب يؤكد بالفعل أن رفع اسمه مُرتبطٌ فقط بالتطبيع مع إسرائيل لدعم ترمب في الانتخابات الأمريكية، كما ذهبت بعض التسريبات الصحفية بأن مسؤولين كباراً في الإدارة الأمريكية أكّدوا لمسؤولين سودانيين أن رفع اسم السودان من القائمة سيتم في حالة واحدة فقط وهي إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.