صلاح الدين عووضة يكتب : آااه !!
وهذا اعتراف متأخر..
فقد كنا دفعة مصهورة بنار الشياطين…في فصل اسمه (غزالي)..
وكبيرنا – أو إبليسنا – هو زميلنا صديق إبراهيم..
ولكنه كان شيطاناً جميلاً؛ يجيد الغناء… والتمثيل… وكرة القدم..
وفي يوم بلغ (جِنُّه) هذا تمام كماله فغنى لنا خارج الفصل… على غير العادة..
أو غنى لنفسه ؛ فتبعناه نحن غناءً لأنفسنا على وقع غنائه..
كان أستاذ الحصة غائباً…وأدوات الغناء حاضرة ؛ الجن… والحناجر… والطبل..
ولم يكن الطبل سوى درج مكسور على جانب الممر..
وفي الممر هذا بدأ الحفل النهاري بجرأة احتار إزاءها إلى اليوم عند تذكُّرها..
وانطلق صوت إبليسنا المبدع يغني :
زاهي في زيك في وسامتك………..آااه..
ما نحنا عايشين على ابتسامتك……..آااه..
ما انت ريدنا…آااه…..ما انت ذاتنا…آااه..
ما انت نعمة ومن الله جاتنا……….آااه..
وعقب فراغه من كل مقطع تمد خلفه الشياطين مفردة (آه) صارخةً بها إعجاباً..
ولم يعكر صفو حفلنا ذاك إلا مقدم المدير صائحاً : الله… الله..
ثم يضرب كفاً بكف صارخاً (بالله انتم شبه غزالي؟!…….قال غزالي قال)..
ويواصل بغضب (انتم شبه بشار… أبو نواس…ديك الجن)..
فننفجر ضحاكين للاسم الأخير هذا كما لم نضحك طوال فترة دراستنا الثانوية..
ويضحك لضحكنا المدير… رغم إنه لا يضحك..
وتنطلق المدرسة كلها تردد هذه الأغنية حيناً ؛ فقد (جُنَّت) حتى الفصول العاقلة..
ونذهب لنبحث في بطون الكتب عن ديك الجن هذا..
فنجده شاعراً – مثل شبيهيه بشار وأبي نواس – منغمساً في حياة اللهو والطرب..
ولا يأخذ أي قضية في الحياة مأخذ الجد..
ولا يعجبه من الشعر الغنائي إلا الذي تتحرك له الغرائز… والأرجل… والأرداف..
ويغمرنا شعورٌ بظلم المدير لنا ؛ فلم نكن بكل السوء هذا..
بل حتى الأغنية التي (ضبطنا) نتغنى بها هي أغنية سامية… راقية… محترمة..
والآن لا شيء في عهدنا هذا إلا ويذكِّرني بديك الجن..
فهو عهد مجنون؛ ينشغل عن قضايانا بتوافه الأمور…. والغناء….والأفعال..
ويكفي أن إحدى أشهر مغنياته الآن (قونة) اسمها عائشة..
ومجانين يهيلون عليها الجنيهات… والصرخات… والعاهات… والآهات..
وسمية لها – اسمها عائشة أيضاً – هي إحدى أشهر الثائرات..
وتدفع بها ثوريتها هذه إلى القصر عضوة بالسيادي؛ ممثلةً للثورة…والثائرين..
فإذا بها تكاد تمثل عائشة الأخرى..
فمجانين – بوزارة الجن – يهيلون عليها نثرية مليارية كل شهر… هي ورفقائها..
وثائرٌ تمزق قميصه في لحظة جنون ثوري..
فيُعوض بوزارة يمزق من على كرسيها قلوب الناس… وبطونهم…وكرامتهم..
وكبير المجانين يبدو صديق عاقلاً قياساً إليه..
فهو يخاطب الناس – وهم في منتهى الألم – بكلام أشبه بغناء صديق هذا يومذاك..
رغم إنهم كانوا قد غنوا لمقدمه طرباً…وتفاؤلاً :
ما انت نعمة ومن الله جاتنا…..آااه..
وآاااااه !!.