الخبير الدبلوماسي السفير د. علي يوسف حول ملف التطبيع لـ(الصيحة):
الانقسام الداخلي ساعد الأمريكان على الضغط من أجل التطبيع
قرار التطبيع قد يقود إلى انشقاق على مستوى الشعب
التطبيع دفع للشرِّ الأكبر بشرٍّ أقل وللضرورة أحكام
الاعتراف بالدول حقيقي وقانوني والسياسة الإسرائيلية مرت بمراحل
سياسة التطبيع تمت برعاية ترامب وكوشنير
صفقة القرن تهدف لإعادة انتخاب ترامب فقط
التطبيع مرحلة لاحقة للاعتراف وهذه (…) أخطر مراحله
البرهان يرجّح التطبيع حرصاً على مصالح الشعب السوداني
واشنطن تمارس أقسى أنواع الابتزاز السياسي مع الخرطوم
أي اختلاف بين مكونات الحكم ستقابله كارثة سياسية أو عسكرية
الحل في خروج مليونيات ترفض أو تؤيد التطبيع قبل منتصف أكتوبر
حوار- مريم أبشر
الخبير الدبلوماسي السفير د. علي يوسف، يعد أحد السفراء الذين خبروا جيدًا العمل الدبلوماسي والعلاقات بين الدول عبر خدمته الطويلة بوزارة الخارجية.. (الصيحة) حاورته حول حديث الساعة، ملف التطبيع مع إسرائيل والضغط الأمريكي الرهيب الذي تمارسه الإدارة الأمريكية على السودان لتطبيع علاقاته مع إسرائيل مقابل رفع اسمه من الإرهاب، حيث اعتبر ذلك أقسى أنواع الابتزاز السياسي الذي تمارسه واشنطن تجاه الخرطوم وحكومة الثورة، ورأى أنه بمجرد الإطاحة بالنظام السابق الذي تسبب في وضع السودان على لائحة الإرهاب كان ينبغي أن تعمل الإدارة الأمريكية على مكافأة الثورة برفع السودان من القائمة, واعتبر أن الخلاف حول مكوني الحكومة الانتقالية العسكري والمدني يمكن أن يحسم عبر استفتاء شعبي يتمثل في المليونات الشعبية المؤيدة والمعارضة لحسم الجدل وأخذ الموقف من الشعب مباشرة، وذكر أن صفقة القرن ليست لها علاقة بالشرعية الدولية، وإنما تخص إدارة ترامب ومحاولة إحراز كسب سياسي لإعادة انتخابه، ونصح بالتروي وتغليب مصالح السودان.
وعرج يوسف بالتفصيل على تطورات الأوضاع العربية الإسرائيلية منذ قيام دولة الكيان.. الحوار يحتوي الكثير مما أدلى به السفير يوسف حول التطبيع ومآلاته على السودان.. فماذا قال؟!
* يدور جدل كثيف واختلاف في وجهات النظر السودانية حول التطبيع مع إسرائيل.. كيف تنظر للأمر؟
عند الحديث عن العلاقات بين السودان وإسرائيل، لابد أن نتذكر العلاقات بين الدول، عادة الذي يحدث هو اعتراف كل دولة بالأخرى، وهنالك نوعان من الاعتراف اعتراف حقيقي وواقعي، كأن أقول أعترف بإسرائيل كدولة موجودة ولا أنكر وجودها، واعتراف آخر قانوني وهذا يزيد عن الآخر وهو اعتراف بقانونية وجود بمعنى أن الدولة توجد بطرق مشروعة وتعتبر عضواً في الأمم المتحدة، وهذا ينطبق على أي دولة وليس إسرائيل وحدها، ويكون الاعتراف متبادلاً بين الدولتين عن طريق السفراء أو الوزراء وغيره، ويمكن أن يوقعوا اتفاقيات تعاون وتبادل للعلاقات.
* وبالنسبة لإسرائيل؟
بالنسبة لإسرائيل التطبيع مرحلة لاحقة للاعتراف، هناك عدد من الدول العربية وقعت اتفاقيات سلام واعتراف باسرائيل ولكن التطبيع مضى وتصبح العلاقات طبيعية بحركة الناس والبضائع والنقل هذا هو المفهوم الحقيقي للتطبيع.
* وكيف تقرأ السياسات العربية تجاه إسرائيل؟
السياسات العربية تجاه إسرائيل مرت بمرحلتين؛ الأولى مواجهات عسكرية عند بداية الدولة الصهيونية عام 1948م بقرار من الأمم المتحدة اعترفت فيه بإسرائيل وأعلنت وجودها في وقت رفضت فيه الدول العربية المستقلة والقيادات الفلسطينية وجود الدولة الإسرائيلية على أراضيهم وبدأت المواجهة العسكرية في شكلين: مقاومة داخلية من الفلسطينيين وحرب تقليدية واقترن ذلك بثلاث حروب 48 و67 و73 بين العرب وإسرائيل وظهرت المواجهة العسكرية، ثم تلا ذلك المرحلة الثانية وهي مرحلة المفاوضات السياسية السلمية بين إسرائيل والعرب وكانت أمريكا دائماً وسيطًا فيها باعتبارها الضامن الأساسي لأمن إسرائيل، وكل المفاوضات تمت تحت رعايتها وانتهت بتوقيع مصر على اتفاقية كامب ديفيد ثم تلتها الأردن وهما دولتان كانتا ضمن دول المواجهة مع إسرائيل، بقية الدول كانت تنظر لهذه المرحلة بحذر وكان الموقف العربي يشدد على أهمية أن تكون هنالك دولة عربية على أن تكون حدودها الأراضي التي احتلت عام 1967م وأن تكون عاصمتها القدس الشرقية، وأثبتت تلك المرحلة أن الحرب ستعقد القضية بدل حلها ومن ثم دخلت السلطة الفلسطينية حينها في مباحثات سلام إلى أن تم توقيع اتفاق أوسلو.
* وكيف تنظر للمرحلة الأخيرة كمراقب؟
المرحلة الأخيرة تمت تحت الرعاية الأمريكية وبإشراف مباشر من الرئيس الأمريكي ترامب ومستشاره كوشنير وهو الذي يقف وراء كل التحركات، وهذه المرحلة الأساس فيها هو انحياز ترامب بشكل كامل وحدثت أشياء خطيرة جداً…
* ما هي؟
إعلان ترامب أن القدس ستكون العاصمة الأبدية لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده لها وإعلانه ضم الجولان السورية أراضٍ إسرائيلية ثم إعلانه الأخير ما يسمى بصفقة القرن وهي بمثابة تجميد للقضية الفلسطينية عبر إقامة دولة هلامية وضم أراضٍ جديدة من غور الأردن لإسرائيل مع إلغاء أي شئ له علاقة بالشرعية الدولية.
* وكيف تقرأ ما يسمى بصفقة القرن؟
هى مرحلة لا علاقة لها بالشرعية الدولية، وتستند على التطبيع وتوقيع الاتفاقات ومرتبطة لحد كبير بما يجرى في أمريكا نفسها وترامب باعتباره رجل أعمال، اللوبي الصهيوني مهم بالنسبة له وبالتالي كل المواقف المؤيدة لإسرائيل تصب في صالح إعادة انتخابه مرة أخرى.
* ومن هذا المدخل يتم إدخال السودان في تقديرك؟
بالطبع، ما يحدث للسودان باعتباره واحداً من الأهداف التي وصفتها الدبلوماسية الأمريكية بأهداف التطبيع العربية, في إطار السياسة المعلنة ولا يوجد فيها أي اعتبار للحل العادل للقضية الفلسطينية، ولا توجد إشارة لملف السلام في الشرق الأوسط أو القضية، وهذا من أخطر النقاط الخاصة بالتطبيع.
* إذن، كيف يجب أن يتعامل السودان في ظل واقعه الماثل؟
يجب أن ينظر بتروٍّ وليس البحث عن مصالحنا، يجب النظر للأمر برمته.
* كيف والأوضاع الاقتصادية متعثرة جداً؟
لأنه بعد قيام الثورة وانتصارها في ابريل 2019م كان ذلك سببًا كافياً لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب لأن الوضع الذي كان قائماً ومرتبطاً بالإرهاب ودعم القضية الفلسطينية وتبني المواقف المتطرفة قد زال وانتهى نظام الإنقاذ، وجاء نظام جديد يمضي لتحقيق الديمقراطية ودولة القانون واحترام حقوق الإنسان والسلام، ومعالجة أسباب التنمية غير المتوزانة، ولكن كانت المشكلة أن التغيير واجه أزمة اقتصادية ضاغطة بدأت في أواخر العهد السابق واستمرت حتى هذه اللحظة، وهناك الكثير من القضايا التي تهدده كدولة رغم كل الإنجازات والتحركات للخروج من هذا النفق لكن الضغط الأمريكي من خلال عدم إزالة السودان من قائمة الإرهاب قفل كل أبواب الدعم سواء من المنظمات أو الدول، هناك ضغط أمريكي واضح بدعم إزالة السودان من قائمة الإرهاب بصورة فورية والسبب الرئيسي هو أن الإدارة الأمريكية تريد الضغط الاقتصادي على السودان وربط ذلك بالتطبيع وساعد على ذلك انقسام السودانيين وتباين مواقفهم بين معارض ومؤيد للتطبيع من أجل إخراجه من النفق الاقتصادي، فيما يرفض الآخرون لمواقف مبدئية وأن هذا التطبيع لن يعود على السودان بخير.
* الآن هنالك خلاف ووضع ضاغط، كيف يكون المخرج؟
الخلاف توسع بصورة أكبر بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بامبيو، كان يعتقد أنه سيعلن التطبيع ولأن الحكومة الانتقالية أعلنت مسبقًا موقفًا بأنها لا تملك التفويض أصبح هنالك موقف من حكومة حمدوك بالاعتراض مقابل موقف الشق العسكري الذي يرى أن السودان إذا لم يقم بإزالة اسمه من قائمة الإرهاب سيتعرض لضغط قوي من أمريكا ومصالحها في العالم وسيدفع الثمن الشعب السوداني، ورئيس المجلس السيادي يرجح التطبيع حرصًا على مصالح الشعب السوداني وللخروج من الأزمة الاقتصادية.
* إذن هو ابتزاز سياسي؟
نعم.. هذا أقسى أنواع الابتزاز السياسي، لأن واشنطن ربطت الرفع بالتطبيع مع إسرائيل وهو موقف مخزٍ من دولة تدعي أنها راعية للديمقراطية وحقوق الإنسان وحرمت الشعب السوداني من فرصة رفع اسمه من الإرهاب وإزاحة هذه الأزمة التي كان السبب فيها وضع سابق عن كاهله، ينطوي على قدر كبير من الظلم والتناقض من دولة ترفع شعارات وإدارة تخدم المصالح الإسرائيلية.
* لماذا كل هذا الانحياز للقضية الفلسطينية والشعب السوداني طحنته الأسعار, ألم يكن في الإمكان خدمة القضية الفلسطينية عبر السلام؟
عدد كبير من دول العالم يقف إلى جانب القضية الفلسطينية عربية وأفريقية وآسيوية والشعب الفلسطيني هو الوحيد الذي سلبت أراضيه ومارس واحدة من أقوى وأشجع حركات التحرر لكن سيطرة الصهيونية على أمريكا وأوروبا جعلته الشعب الوحيد الذي لم يستطع أن ينجز استقلاله، وأصبح خاضعاً للممارسات القمعية وهضم حقوقه بشكل مستمر.
* هل يمكن أن تتحقق دولته عبر صفقة القرن؟
صفقة القرن تتحدث عن دولتين لكنها ستكون دولة هلامية للفلسطينيين وليست ذات أهمية.
* ولكن هل الوضع الاقتصادي السوداني يحتمل التأخير في اتخاذ القرار بشأن التطبيع؟
إذا حدث توافق بين الرؤية العسكرية والحاضنة ووضعوا المصلحة الحالية للشعب السوداني باعتبار أن خنق الإدارة الأمريكية للسودان ستكون نتائجه خطيرة جداً.
* إذن لابد من مخرج؟
بالطبع، عبر توافق الطرفين واتخاذ القرار عبر التشاور مع القوى السياسية وحركات الكفاح القادمة مع السلام, فإذا رأت هذه القوى الحاكمة أن من مصلحة السودان أن يطبع علاقاته ويرضخ للضغوط الأمريكية ويكون مقابل ذلك التزام أمريكي، وأي اختلاف بين مكونات الحكم في السودان ستقابله كارثة سياسية أو عسكرية.
* ألا يوجد حل آخر إذا استمر الخلاف؟
ممكن عبر استفتاء شعبي عاجل يتمثل في خروج مليونيات قبل منتصف أكتوبر ترفض أو مؤيدة وبالتالي تلتزم الحكومة بقرار الشعب، ولكن نخشى أن يقود قرار التطبيع إلى انشقاق حتى على مستوى الشعب نفسه وهذه ظاهرة ستكون خطيرة، ما أريد قوله يجب أن تكون الحكومة شفافة وتتحدث بوضوح مع شعبها ما هي الخطوات التي اتخذتها بشأن التطبيع، وكما يقال للضرورة أحكام دفع الشر الأكبر بشرٍّ أقل في حال اتخذ قرار التطبيع.