محمد شرف الدين يكتب : علاقات مُش تطبيع!!
لم يقف الكثيرون على تصريح النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حينما قال: “نحن دايرين علاقات مع إسرائيل مُش تطبيع” – قد يسأل سائل: ما الفرق بين الاثنين؟ أقول إنّ البون شاسعٌ بين المعنيين.. وكلاهما يَحمل من دلالات.. وإذا أمعنا التدقيق في المفهومين، نجد أنّ القائل يُريد فك الارتباط والنأي عن مفهوم “التطبيع” الذي شحنه الشاحنون بمسالب وبَاتَ وكأنّه وجهٌ آخر أو مُرادف لمعنى كلمة “الخيانة”.. فالتطبيع مصطلح مُؤدلج نفث فيه الإسلاميون وأشياعهم من العفالقة، هواجسهم ورُؤاهم تجاه إسرائيل..!
أما العلاقات الطبيعية تقوم بين الدول على أسس التعاون والمنفعة المُتبادلة.. فالدعوة إلى علاقات مع إسرائيل وليس تطبيعاً، خطوة مُتقدِّمة وتجاوز للحاضر السِّياسي، الذي ظلّ عشرات السنين يخوف الناس بإسرائيل ومن إسرائيل، واجتهدوا في تصويرها ورسمها بأنّها ماردٌ مُتربِّصٌ بالجميع، وأنّ هذه الدولة سبب كل شَئٍ يحدث في العالم حتى ما يقع من خلاف بين الزوج والزوجة.. يبحثون عن شمّاعة إسرائيل كلام – لا يهش ولا ينش –
فالهلوسة بإسرائيل وشيطنتها أضعفت هذه الفئة معنوياً وحطّمتها نفسياً، فلم يعد أمامها إلا انتهاج العُنف المُطلق في الانتقام وتسديد بعض الضَربات هُنا وهناك.. وبعد كل هذه التشنجات الثورية، آبَ رشد بعضهم وأيقنوا بأن ما ظنوا أنّها قضية.. اكتشفوا بأنّها خاسرة، ولا حَلّ أمامهم إلا الإذعان للواقع والمُصالحة مع أنفسهم.. فوقع عّرفات اتفاق أسلو المعروف.
فتوقيع عرفات في 1993، كان إيذاناً بعلاقات طبيعية مع إسرائيل، وليس تطبيعاً، فطالما أقام الفلسطينيون أصحاب – الجلد والرأس – علاقات عادية مع هذه الدولة.. فَلِمَ الاعتراض على الآخرين التطبيع ووصمهم بالخيانة..؟!
ولماذا نضع العلاقات الدولية في موازين ومقاييس تتنافى مع مصلحة شعبنا السُّوداني، شعبٌ يستحق حياةً كريمةً رخيةً، شعبٌ يستحق الاستنعام بما لديه من خيراتٍ، فطالما هُناك من يتعاون معنا في بلوغ تلك الأهداف فلا ضَيرَ من ذلك، إذن حَانَ الوقت الذي أتى مُتأخِّراً جداً – ولكن أن تأتي مُتأخِّراً خيرٌ من أن لا تأتي كما يُقال – حان الوقت لبناء علاقات قوية ومتينة مع إسرائيل.. فكل دُول الجوار لديها علاقات مع تل أبيب، فلماذا نظل نكتّف أنفسنا بخُيُوط قضية أوهن من بيت العنكبوت..؟!
كل المُعطيات الدولية والإقليمية والداخلية في السودان، تُنادي وتحثِّنا حثّاً نحو اتخاذ الخطوة التاريخية الحتمية في بناء علاقات السودان الخارجية على أُسسٍ عقلانيةٍ وليست عاطفية هلامية.. فنحن نُريد علاقات وليس تطبيعاً..!