أقرت اتفاقية السلام التي وقعت السبت بعاصمة دولة جنوب السودان جوبا بعد مخاض عسير جملة من البنود التي تضع أساساً جديداً وحداً فاصلا ونهائياً للصراعات التي شهدها السودان منذ الاستقلال وحتى الآن، ومن هم هذه البنود العودة لنظام الحكم الإقليمي بدلاً من نظام الولايات التي أقرتها اتفاقية السلام 2005 ، وكما هو معروف الأقاليم الستة التي ألغيت في بواكير حكم نظام الإنقاذ هي العاصمة القومية الخرطوم والأقليم الأوسط ويشمل ولايات النيل الأبيض وسنار والجزيرة والنيل الأزرق وعاصمته مدني، الأقليم الشمالي ويشمل ولايات نهر النيل والشمالية وعاصمته دنقلاً، وإقليم كردفان ويشمل جنوب وغرب وشمال كردفان وعاصمته الأبيض وإقليم دارفور ويشمل ولايات شمال وغرب وشرق وجنوب ووسط دارفور وعاصمته الفاشر والإقليم الشرقي والذي يشمل ولايات كسلا والقضارف وبورتسودان وعاصمته بورتسودان، هذه الأقاليم لم تكن مستقلة عن المركز فكانت تتبع إداريًا ومالياً للحكومة المركزية، والجديد هذه المرة كما صرح بذلك الأستاذ محمد حسن التعايشي عضو مجلس السيادة أن عدد الأقاليم سوف يكون ثمانية أقاليم بدل ستة بإضافة إقليم جنوب كردفان والنيل الأزرق مع تمتع هذه الإقاليم بالحكم الذاتي في إطار الدولة الواحدة وكل إقليم ينظمه دستور يجاز من الجهاز التشريعي ويقره الدستور القومي، ويحق للإقليم انتخاب الحاكم والاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة وكذلك الاستفادة من نصيب الإقليم في الناتج القومي، وأعتقد هذا النظام يشبه إلى حد بعيد نظام الحكم الفدرالي “والنظام الفدرالي هو اتحاد اختياري بين ولايات أو دول أو قوميات مختلفة دينيًا وعرقيًا مع احتفاظ كل إقليم بهويته وخصوصيته مع توفر الاستقلال الذاتي للأقاليم المكونة للاتحاد”، وبهذا يحق لكل إقليم وضع دستور وقوانين تحدد مستويات الحكم التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويحتم ذلك أن يكون منصوصاً عليه في دستور الدولة الذي يفصل ويحدد الاختصاصات والسلطات، وسلطات الأقاليم تنحصر جلها في القضايا الداخلية كتقديم الخدمات التعليمية والتنموية والنقل والصحة والنظام العام والمرافق العامة والزراعة .
نظام الحكم الفدرالي مطبق في كثير من الدول ومنها على سبيل المثال لا الحصر دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وألمانيا وأستراليا ، وبهذا يحق لنا أن نسمي السودان بعد الثورة وتوقيع اتفاقية السلام أن نسميه دولة السودان المتحدة الفدرالية، وقد مر السودان بأنماط متعددة ومختلفة ومنها قانون الحكم لسنة 1951م والذي اعتمد نظام المديريات، أما في ظل قانون الحكم الشعبي المحلي لعام 1971م ومن سمات هذا القانون هو جعل المديرية مستوى من مستويات الحكم وبشخصية اعتبارية المجلس الشعبي التنفيذي ويعين رئيس الجمهورية محافظاً للمجلس الشعبي التنفيذي وللمجلس الحق في إنشاء مجالس في المناطق والمدن والأرياف والقرى تحقيقاً لعدم مركزية السلطة ، وفي اتفاقية السلام لعام 1972م تم التوافق على قانون الحكم الذاتي للمديريات الجنوبية ثم تطور الأمر الى أن أصبحت هذه المديرات أقاليم داخل إقليم جنوب السودان الذي يتمتع بحكم ذاتي مع تكوين جاهزين تنفيذي والآخر تشريعي لوضع السياسات والتشريعات. نافلة القول إن نظام الحكم الإقليمي سوف يحقق المشاركة الشعبية الواسعة في المجالس التشريعية التي سوف تنشأ في المديريات أو المحافظات والمناطق والوحدات الإدارية في الأرياف، ويحقق مبدأ تقليل الظل الإداري ويمكن المواطنين من إدارة شؤونهم بأنفسهم، كما أن لهذا النظام إيجابيات فلديه سلبيات ونقاط ضعف سوف أتطرق لها في المقال القادم خاصة الجانب المتعلق بنقص الكادر البشري وبالتالي عدم القدرة علي تطبيق سياسات الحكم الفدرالي.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
وللحديث بقية