تقرير- عبد الله عبد الرحيم
على خلفية من أنّ السر في إجراء مساعٍ للتطبيع مع إسرائيل إنتهاكٌ لحقوق الشعب السوداني، وأنّ في الأصل أن يتم الموضوع بشفافية تامة، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الذي تمت إقالته أمس حيدر بدوي صادق في لقاء مع الجزيرة مباشر، إنّ على البرهان مصارحة الشعب السوداني بشأن العلاقة مع إسرائيل. وقال بدوي إنّ إقالته من منصبه ليست مُزعجة له، وإنه يعمل في ظل ثورة وإن تصريحاته بالأمس جاءت في إطار السلام، وإنه كان يتحدّث في إطار الثورة، ودعا إلى ضرورة أن تكون الحكومة التي جاءت بها الثورة صريحة وواضحة في تعاطيها مع الشعب، وقال بدوي إن البرهان إلتقى نتنياهو سابقاً، وإنه صدرت أمس تصريحات من مسؤول إسرائيلي بخصوص مفاوضات تجرى بين السودان وإسرائيل، لم يتم نفيها أو تأكيدها من جانب الحكومة، وقال إنّ الشعب يُريد أن يعرف ماذا يَدور في هذا الشأن، ودعا لضرورة الحوار لمعرفة رأي الشعب في هذا النوع من العلاقات وما إذا كانت تخدم مصلحة الشعب، وقال إنّه يجب إجراء حوارٍ شعبي لمعرفة رأي السودانيين بشأن العلاقة مع إسرائيل.
أصداء إسرائيل
ولم تصدق الحكومة الإسرائيلية جرأة الناطق الرسمي باسم الخارجية، فالتقطت القفاز وقامت بالإعلان عن هذه الخطوة، بل والترحيب بها على حين. ورحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتصريحات المنسوبة للخارجية السودانية التي تؤكد وجود اتصالات مُتبادلة وتتطلّع للسلام مع إسرائيل، وقال نتنياهو إن التصريحات تعكس القرار الشجاع الذي اتخذه رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان والذي دعا للعمل على تعزيز العلاقات بين البلدين، مضيفاً أن إسرائيل والسودان والمنطقة بأسرها ستربح من اتفاقية السلام ومن شأنها أن تبني مستقبلاً أفضل لجميع شعوب المنطقة، وأكّد أنّ إسرائيل ستقوم بكُلِّ ما يلزم من أجل تطبيق هذه الرؤية على أرض الواقع. ونقلت القناة الـ12 العبرية الأربعاء، عن الوزير كوهين قوله: “على عكس تصريحات وزير الخارجية السوداني، هُناك اتّصالات مع السودان، والاتّفاق معها ضمن أجندة العمل”. وبحسب القناة، أضاف وزير الاستخبارات كوهين، أنّ “الاتفاق مع السودان، سيشمل إعادة المُتسلِّلين من إسرائيل إلى السودان”، ولفتت القناة إلى أن تصريحات الوزير كوهين، تتناقض مع تصريحات وزير الخارجية السوداني، الذي أنكر أمس وجود أي اتصالات بين السودان و”إسرائيل”، وأشارت القناة إلى أن الناطق باسم وزارة الخارجية السودانية، قال أمس: “نتطلع لاتفاق سلام مع إسرائيل”، وهناك اتصالات متبادلة بيننا.
اتصالات سابقة
وفي فبراير الماضي، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كَشَفَ عن فريق إسرائيلي سيضع خلال أيّامٍ خُطة لتوسيع رقعة التّعاوُن مع السودان بهدف إحلال التطبيع مع الخرطوم، استكمالاً للقاء التاريخي الذي جَمَعَهُ ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، فيما أكّد البرهان في وَقتٍ سَابقٍ عن تكوين لجنة مُصغّرة لمُواصلة بحث الأمر.
لجان التطبيع
ما كَشفته الأطراف السودانية والإسرائيلية حول تشكيل لجان مُصَغّرة من الطرفين لتقنين عملية التطبيع، فتح الباب أمام تساؤلات جديرة بالطرح والإجابة عليها، يضع أمر التطبيع أو ترميم العلاقات بين البلدين على الهواء الطَلق وليس في الغُرف المُغلقة كَمَا دأبت على ذلك بعض الحكومات خوفاً من ردة الفعل.. ولكن إعلان السفير بوزارة الخارجية والناطق الرسمي حيدر بدوي صادق بكشف هذه الخطوات، ومن أنّها تسير وعلى وشك أن تكتمل مع الجانب الإسرائيلي يضع العَربة أمام الحصان، لجهة أن كثيرين في السودان، منها بعض القوى السياسية لها مواقف من عملية التطبيع مع اسرائيل، بل وتعتبره خيانة عظمى، بينما يراه البعض الآخر أنه خطوة في الاتجاه الصحيح تحت مناظير كثيرة قد تكون مُقنعة وقد تجد بعض النقد من جانب آخر، وبين هذه الأجواء التي تريد أن يتم الشغل في الهواء الطلق والأخرى التي ترى أن الأمر يتطلب الكتمان، هل قاربت لجان التطبيع التي تمّ تكوينها بين البلدين وضع العلاقة الجديدة على الطريق الصّحيح ومتى ستّتضح الرؤية للشعب الذي وَاجَه الأمر بردود مُختلفة؟
بلع الجُرعة
إنّ أمر التطبيع الذي تبحثه اللجنة المُصغّرة الإسرائيلية مع نظيرتها السودانية وفق ما يراه السفير الرشيد أبو شامة، يجب أن يشمل أولاً تحقيق مصلحة كُبرى في مجال علاقاتنا الخارجية واستغلالها في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والتعجيل في ذلك، مُشترطاً عدم تجاوُز ذلك للتمثيل الدبلوماسي بين البلدين، وقال أبو شامة لـ(الصيحة) إنّ هناك دولاً عربية الآن لها علاقات مع إسرائيل ولكن ليس لها تبادُل دبلوماسي أو سفارات داخل إسرائيل وليس لها إعلان بذلك، وأوضح أنّ علاقتنا لا تتعدّى أبداً الخط الذي يُوصِّل للاعتراف بإسرائيل وبتبادُل العلاقات الدبلوماسية معها على أيٍّ حالٍ من الأحوال، وقال (الجرعة مُرّة جداً ويُمكن نبلعها) إذا كانت هناك نتيجة من ذلك في حال أننا فتحنا أجواءنا للطيران الإسرائيلي واجتماعنا بنتنياهو، وزاد: إذا كانت هناك فائدة منها في علاقاتنا مع المُجتمع الدولي وتحسين صورة السودان بما يجلب عليه الحلول لمعضلته وأزماته الراهنة وسحب اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، قال في هذه الحالة يُمكننا (بلعها)، ولكن أبو شامة يرى بأنّ المطلوب من إسرائيل يجب ألا يصل إلى درجة الاعتراف بالكيان الإسرائيلي والتبادُل الدبلوماسي، إذ أننا مُلتزمون مع الجامعة العربية في كل قراراتها خَاصّةً القرار الأخير الذي ينص على العودة إلى خط 67 لإنشاء دولتين وفق قاعدة الجامعة العربية. وفتح أبو شامة، الباب لابتلاع جُرعاتٍ مُرّة مُثيلة بالتطبيع مع إسرائيل، بشرط أن تنجز لنا مصلحة كبيرة على رأسها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقال إنّ الاستعمار علّمنا دوماً أنك إذا أعطيته بدون مُقابلٍ، فمن السهل جداً أن يهملك ويغدر بك ولا يعطي إذا أعطيته بدون مُقابل.
ليست البداية
فيما يرى الخبير الاستراتيجي الفريق أول ركن عبد الباقي كرار لـ(الصيحة)، أنّ إسرائيل لن تبعد كثيراً عن صفقة القرن التي تَمّ التّوصُّل إليها مُؤخّراً، وقال إنّ عملية التطبيع التي تُجرى الآن مع السودان ليست هي البداية، وإنّما هناك دولٌ كثيرةٌ سبقته لتلك الخطوة، وإنّه كلما تَمّ التطبيع مُبكِّراً مع إسرائيل كلما كانت علاقتك الإقليمية والدولية أقوى وتحديداً مع أمريكا، وبالتالي يُمكنك التخلِّي عن مشاكلك كلها وتصبح عُضواً في حلف دولي تحت مظلة دولتين نوويتين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وأبان أنّ هذه الزيارات وعمل اللجان المُشتركة تمضي في هذا الاتّجاه وفق ما أراه من مُستجداتٍ وربما تمّ التطبيع قريباً وبشكلٍ كاملٍ مع إسرائيل، وقد يتجاوز بعض المَطَبّات التي تتعلّق بالمواثيق الدولية والأممية، وخَاصّةً تلك التي تتعلّق بالجامعة العربية، مُشيراً إلى أنّ القوة العسكرية للدولة الإسرائيلية يُمكن أن تستفيد منه الحكومة السودانية، إضَافَةً للقوة الزراعية والصناعية المُتعلِّقة بالتقانات الزراعية.