اتفاقية جوبا.. بعيون العالم
ترجمة ــ إنصاف العوض
يتطلع السودان إلى مستقبل أكثر إشراقًا بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل في جوبا، وهي خطوة أولى مهمة نحو إحلال السلام في مناطق الصراع وإرساء الأساس للانتقال الديمقراطي والإصلاح الاقتصادي في جميع أنحاء البلاد.
على الرغم من وجود طريق طويل أمام تحقيق سلام مستدام والتحديات الهائلة لا تزال قائمة، إلا أن الأمل هو أن يتمكن السودان من طي صفحة عقود من الحرب التي خلفت مئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين، لا سيما في دارفور والمنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق.
ويقول مقال تحليلي نشره موقع “شاتام هاوس” البحثي، إن اتفاق السلام بين الحكومة الانتقالية السودانية والجبهة الثورية السودانية، وهو تحالف واسع من الحركات المسلحة وغيرها، لكنه لم يكن شاملاً بعد لأنه لم يشمل حركتين مسلحتين مهمتين أخريين وهما حركة عبد الواحد محمد نور والحركة الشعبية.
صنيعة سودانية
وتم الترحيب بالاتفاق باعتباره “إنجازًا تاريخيًا” من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، كما أشاد المجتمع الدولي بحكومة جنوب السودان لدورها الإيجابي كوسيط وحث المجموعات الرافضة للانضمام إلى عملية السلام. يعتمد الكثير على تنفيذ الاتفاقية، وكانت تجربة تنفيذ اتفاقيات السلام السابقة في السودان كئيبة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بجلب فوائد ملموسة للناس على الأرض.
وما يجعل اتفاق جوبا مختلفًا هو أن الحكومة الانتقالية بقيادة مدنية في السودان تطمح إلى تحقيق السلام والعدالة والديمقراطية بما يتماشى مع أهداف الثورة؛ أن الاتفاقية تم التفاوض عليها بين السودانيين أنفسهم، بلمسة خفيفة من وساطة جنوب السودان ودعم لوجستي وفني منخفض المستوى من المجتمع الدولي؛ وأن الكثير من المفاوضات جرت بين رفاق سابقين، في تناقض ملحوظ مع جو المواجهة الذي ساد عهد البشير.
وكما قال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك: “هذا سلام سوداني صنع بأيدينا وبجهودنا الخاصة” و”هذا ليس اتفاقًا ورقيًا، ولكنه كائن حي يحتاج إلى رعاية واهتمام وإرادة سياسية منا””.
إنجازات تاريخية
كانت نتيجة العمل الشاق الذي دام قرابة عام كامل في جوبا، الاتفاقية شاملة في نطاقها وتعالج القضايا الأساسية لأزمات السودان في دارفور والمنطقتين والمناطق المهمشة الأخرى، وإن كان ذلك في مزيج من البروتوكولات الإقليمية والوطنية. إنها تقطع شوطاً طويلًا في تحقيق رؤية “السودان الجديد” الديمقراطي القائم على احترام تنوع الشعب السوداني والمواطنة المتساوية دون تمييز ديني أو عرقي أو ثقافي أو تمييز قائم على النوع.
وهناك تركيز على اهتمامات السكان المهمشين تاريخياً في مناطق النزاع والمناطق المحرومة في السودان، ويعالج الأسباب الجذرية للنزاع، مثل قضايا الهوية والتهميش والعلاقة بين الدين والدولة والحكم وتقاسم الموارد وقضايا الأراضي. والعدالة الاجتماعية والمساواة على المستوى الوطني، كما تتطلع الصفقة إلى حل عواقب الصراع، مثل الإغاثة الإنسانية، والعودة الآمنة والطوعية للنازحين واللاجئين إلى أراضيهم الأصلية والتعويضات، وإخلاء المستوطنين غير الشرعيين، وتنمية وإعادة إعمار المناطق المتضررة من النزاع. وينص على انتقال كبير للسلطة والموارد إلى الأقاليم، بما في ذلك الحكم الذاتي للمنطقتين واستعادة إقليم دارفور الموحد.
شواغل تمويلية
لكن مع انهيار الاقتصاد وبسبب سوء الإدارة الاقتصادية من قبل نظام البشير وفيروس كورونا والفيضانات غير المسبوقة، فإن العثور على موارد لتنفيذ اتفاق السلام يتجاوز بكثير إمكانيات حكومة السودان التي تعاني من ضائقة مالية. ولذلك يتطلب التنفيذ دعمًا مستدامًا وسخيًا من شركائها الإقليميين والدوليين، بما في ذلك الإزالة العاجلة للبلد من قائمة الدول الراعية للإرهاب في الولايات المتحدة، مما يمنع تخفيف الديون والحصول على قروض ميسرة والاستثمار الأجنبي على نطاق واسع. مع تعرض ميزانيات المانحين لضغوط شديدة، سيكون جمع الأموال أمرًا صعبًا، ولكن من خلال الاستمرار في دعم الديمقراطية الوليدة في منطقة مهمة استراتيجيًا ولكنها غير مستقرة، فإن حلفاء السودان سوف يحمون مصالحهم طويلة الأجل.
اسئلة مشروعة
إذا تم تنفيذ اتفاقية جوبا للسلام بشكل صحيح، فهي خطوة أولى رئيسية نحو إنشاء “سودان جديد” يقوم على السلام والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية واختبار رئيسىي لمعرفة ما إذا كان بإمكان السودان طي الصفحة أخيرًا وما إذا كان بإمكان الحركات الموقعة والقوى الثورية الأخرى أن تتحد لتقديم مكاسب السلام لضحايا النزاعات في السودان، وتبني الاندماج بدلاً من القبلية والانتماء السياسي الضيق؛ ما إذا كانت الحركات المسلحة المتبقية مستعدة لبدء مفاوضات جادة من أجل سلام شامل؛ وما إذا كان السودان يتلقى الآن الدعم والاهتمام الذي يستحقه من المجتمع الدولي، حيث إنه من المؤكد أن السودان قد قطع شوطاً طويلا نحو السلام وجعل من الواجب على المجتمع الدولى دعمه حتى لا تضيع هذه الفرصة التاريخية.