:: ومن أحكام قراقوش، جاءه دائنٌ بقضية مدين رفض سداد ما عليه من ديون، فأمر قراقوش حرسه بإحضار المُدين، وأحضروه، وسأله عن أسباب تأخير سداد ديون الشاكي، فأجاب باكياً: (مولاي أنا رجلٌ فقيرٌ، واعمل يومياً لأجمع ديون هذا الشاكي، وعندما يبلغ حجم الأموال قيمة الديون اذهب بها إلى منزل الشاكي ولا أجده، فأعود بالأموال إلى منزلي وتصرفها زوجتي).. فكّر قراقوش قليلاً، ثم أصدر حكماً بسجن الشاكي ليجده المُدين عند السداد..!!
:: ويبدو أنّ هذا حال السُّلطات المسؤولة عن التعليم الخاص بالخرطوم، بحيث تُعاقب الطلاب بمظان عقاب إدارات المدارس الخاصة، عربية كانت أو أجنبية.. وعلى سبيل المثال، منذ أسابيع، وحتى يوم أمس، أصدرت إدارة التعليم الخاص بولاية الخرطوم حزمة قرارات، ألغت بمُوجبها تصاديق مدارس أجنبية، ثُمّ وجّهت بتوفيق أوضاع طلابها، ولم تشرح معنى هذا التوفيق، وكيف..؟ إغلاق المدارس، لمحض خلاف بين إداراتها وبعض أولياء الأمور حول الرسوم، من الحلول الساذجة..!!
:: فالسِّجال حول رسوم المدارس الخاصّة ليس بدعة، بل سنوياً يشتعل هذا السِّجال بين وزارة التربية والتعليم بالخرطوم وأولياء الأمور والمدارس الخاصّة حول الرسوم.. وسنوياً كان يتم الوصول إلى حُلُول تُرضي كل الأطراف، بما فيها أولياء الأمور، فلماذا يكون إغلاق المدارس هو حل هذا العام..؟ هل عقمت عبقرية السادة بالحكومة – الموصوفة بحكومة الكفاءات – مَن الحلول بحيث لا تملك حلاً غير إغلاق المدارس وتشريد طلابها..؟؟
:: فالحل، على سبيل المثال، يجب أن يكون بكل مدرسة مجلس آباء.. ثم يتم تشكيل لجنة مُشتركة من مُمثلين لإدارة المدرسة ومجلس الآباء، وتفويضها بمُناقشة قضية الرسوم.. ثم وضع لوائح لتنظيم عمل هذه اللجنة المشتركة، بحيث يصبح ما يتم الاتفاق عليها – كقيمة الرسوم – مُلزمة لإدارة المدرسة وكل أولياء الأمور..؟ فما يحدث حالياً، حتى لو وَافَقَ كل أولياء الأمور على قيمة رسوم، فإنّ ولي أمر تلميذ واحد قد يرفض هذه القيمة ثُمّ يُقدِّم شكوى لإدارة التعليم الخاص، ليتم إغلاق المدرسة..!!
:: نعم، والد تلميذ واحد قد يتسبّب في إغلاق مدرسة، رغم أنف المئات من الآباء وأبنائهم.. وعليه، بما أنّ وزارة التعليم عَاجزة عن وضع قوانين ولوائح تحفظ لطرفي قضية الرسوم – المدرسة وولي الأمر – حقوقهما بالعدل، وكذلك عَاجزة عن إيجاد حلول كُلية وشاملة لأزمة زيادة الرسوم، فبدلاً من الاحتكام بأحكام قراقوش، فعليها الخروج من هذه القضية وترفع يدها عنها، بحيث تكون قضية الرسوم خَاصّة ما بين المدارس وأولياء الأمور.. ثم السؤال المُهم، هل للحكومة سُلطة تحديد رسوم المدارس الخاصّة..؟؟
:: بالقانون والمنطق (لا)، لأنّ المدارس الخاصّة بعض من نشاط القطاع الخاص.. فالحكومة لا تُموِّلها، لتتحكّم فيها كما تفعل في المدارس العامّة، وكذلك لا تدعمها – كالرغيف والوقود والكهرباء والأدوية – لتُحدِّد رسومها، وهي مدارس يقصدها – طوعاً واختياراً – مَن استطاع إليها سبيلاً.. ولو أنّ الحكومة جَادّة في تخفيض رسوم هذه المدارس، فعليها تجويد التعليم بالمدارس العامة.. نعم، تأهيل وتطوير المدارس الحكومية هو أفضل آلية لتخفيض رُسُوم المدارس الخاصّة، بل ولتجفيفها أيضاً..!!