يروي الجنرال “مائير آميت” رئيس المخابرات الإسرائيلية في ستينات القرن الماضي: إنه ذهب يوماً إلى إيران في عهد الشاه رضا بهلوي، مُكَلّفاً بأن يطلب من رئيس وزرائها أن تظهر العلاقات الإيرانية الإسرائيلية على مستواها المُناسب والحقيقي وفي ضوء النهار.. بدلاً من أن تجري في الخفاء على نحو يجعل إسرائيل تحس بأن إيران تُمارس علاقتها بها بأسلوب “الخطيئة”.. ليتفاجأ الجنرال الإسرائيلي مائير برد غير متوقع من رئيس وزراء طهران آنذاك قائلاً له باللغة الفرنسية: (وما الذي يُضايقكم في هذا سيدي الجنرال؟ أليس صحيحاً أن العشق ألذُّ من الزواج؟).
لكن يبدو أنّ إسرائيل التي سَئمت الآن علاقاتها السِّرِّية مع حكام العرب وحكوماتهم المُتعاقبة، من أقصى المُحيط الى أدنى الخليج، لم تعد تجد لذةً ونشوةً في علاقات عشق حرام ظلت تجري تحت جنح الظلام من النيل الى الفرات.
وليس بدعاً أن حكام السودان وساسته، عسكراً ومدنيين قد غارفوا تل أبيب الوجد سراً، واغترفوا من نهل لذتها على مدى تاريخ البلاد.
فرئيس الوزراء الإسرائيلي “دافيد بن جوريون” كان قد كاتب الرئيس الأمريكي “دوايت إيزنهاور” بتاريخ 24 يوليو 1958 قائلاً: (لقد بدأنا يا سيادة الرئيس نعمل جدياً في بناء تحالُف إقليمي في الشرق الأوسط منذ سنتين، أجرينا اتّصالات بالفعل مع بعض دول الحزام الخارجي المُحيط بـ”جمال عبد الناصر”.. وبالتحديد مع إيران والسودان وإثيوبيا وتركيا.. وهدفنا هو بناء سد عالٍ حقيقي أمام الطوفان الناصري السوفيتي، واستطيع أن أسجِّل أمامك أننا راضون تماماً عن الخطوات الأولى التي اتّخذناها في هذا الاتجاه، فقد كانت جميعها ناجحة.. لقد أقمنا علاقات ثقة مُشتركة وصداقة مع حكومة إيران، ومع رئيس وزراء السودان – عبد الله خليل – وعدد من أقرب مُساعديه، وكذلك مع إمبراطور إثيوبيا.. وأخيراً أقمنا اتصالات مع حكومة تركيا تجاوزت الطرق الدبلوماسية الرسمية، وأصبحت علاقات حميمة عن طريق قنوات سرية.. إنّ هدفنا من إنشاء هذا التجمُّع من البلدان ليس بناء تحالف رسمي وعلني).
فإنّ التاريخ السِّرِّي للعلاقة بين السودان وإسرائيل، تاريخ ضاربٌ بجذوره في القدم.. إذ يُذكر أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية غولدا مائير عقدت، اجتماعاً رسمياً سرياً مع رئيس الوزراء الراحل عبد الله خليل في صيف 1957 بأحد فنادق باريس.
وتشير تقارير أخرى الى أن رجل الأعمال السعودي عدنان خاشقجي رتّب في عام 1979 للقاء خمسة مسؤولين من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بالخرطوم مع الرئيس الأسبق جعفر نميري، هم: يعقوب نمرودي ودافيد كيمحي وآل شفايمر ورحافيه فاردي وهانك غرينسبان، وذلك لبحث سُبُل التعاون غير المُعلن مع حكومة السودان.
ويظل لقاء أرييل شارون رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي آنذاك بمزرعه يمتلكها عدنان خاشقجي في كينيا مع الرئيس نميري في العام 1982، هو اللقاء الأكثر شُهرةً.. فضلاً عن لقاء رئيس جهاز الأمن القومي اللواء عمر محمد الطيب بكل من عدنان خاشقجي ويعقوب نمرودي وآل شفايمر مطلع العام 1980.
لكن يبقى لقاء الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو في يوم الاثنين الثالث من فبراير من العام الحالي هو أول لقاء أعلن عنه في حينه بين أرفع مسؤولين في دولتي السودان وإسرائيل.