فتح الوثيقة الدستورية.. هل تحكم الضرورة؟!
تقرير ــ صلاح مختار
يرى البعض أن هناك ضرورات لفتح الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية لاستيعاب مستجدات اتفاق السلام مع حركات الكفاح المسلح، بالإضافة إلى كثير من القضايا التي تقتضي إعادة فتح الوثيفة، ويرى مراقبون أن الوثيقة في حد ذاتها تم الطعن فيها من قبل، وأنها ليست بقرة مقدسة وليست جامدة حتى لا تُفتَح أو تُعدّل غير أنهم يربطون ذلك بوجود مؤسسات تشريعية للقيام بذلك، وفي ظل غياب المجلس التشريعي ودخول اتفاق السلام حيز التنفيذ، كان لابد من تشريعات تنص داخل الوثيقة وهي عملية يرى كثيرون أنها ضرورية لاستكمال عملية السلام، بالتالي هل تبيح الضرورات فتح الوثيقة أكثر من مرة لاستيعاب مستجدات العملية السلمية واتفاقيات السلام، أم يظل الاحتكام إلى وجود سلطة تشريعية عقبة أمام السلطة الانتقالية للمضي قدماً في تنفيذ برامج السلام.
طلب متجدد
ورغم أن طلب فتح الوثيقة الدستورية قديم متجدد منذ أن تم التوقيع عليها في العام 2019م، إلا أن مراقبين يشيرون إلى مطالبة رئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي، بمراجعة الوثيقة، أمر مشروع وضرورة ملحة في ظل توقيع اتفاق السلام في جوباــ كما قال وبرر مناوي أسباب مطالبته بقوله إن ترميم الوضع المتردي يجب أن يخضع كل شيء للمراجعة، بما في ذلك الوثيقة الدستورية.
في ذات السياق، كان الناطق الرسمي باسم الجبهة الثورية أسامة سعيد، قد نقل عن رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في بيان عقب التوقيع على اتفاق السلام بجوبا أغسطس الماضي، استعداد مجلسي السيادة والوزراء، لإجراء التعديلات اللازمة على الوثيقة الدستورية، وإعادة تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي بالبلاد، لتتواءم مع متطلبات السلام.
جدل قديم
واجهت الوثيقة جدلاً كبيراً بين مؤيد ومنتقد لها واعتبرها البعض مجرد اتفاق سياسي خاص بين المكونين المدني والعسكري، ويرى بعض المراقبين أن الوثيقة حوت عددا من الثغرات القانونية، كما وجدت تشكيكاً ورفضاً من بعض المكونات داخل الحرية والتغيير، لاسيما الحزب الشيوعي، فضلاً عن وجود ثغرات واضحة في أجزاء مهمة منها، وهو ما ظهر جلياً عند ممارسة السلطة الفعلية وتنفيذ بنودها، أضف إلى ذلك أن الوثيقة تسببت في وجود خلافات بين قوى الحرية والتغيير ومجلس السيادة الانتقالي.
ويرى الباحث والمحلل السياسي عبد الله آدم خاطر، أن الوثيقة الدستورية يمكن أن تُفتح لاستيعاب حركات الكفاح المسلح وبالتالي لا يعني ذلك أنها تُلغى لأنها جاءت لقيادة نجاح المرحلة الانتقالية.
وأكد خاطر لـ(الصيحة)، أن هناك رؤى جديدة سوف تطرح خلال المرحلة المقبلة. وشدد على أن الوثيقة جاءت في مرحلة ثورية وبالتالي لا يمكن انتظار تشكيل المجلس التشريعي لسن القوانين، ولذلك بالإمكان فتح الوثيقة وإضافة كل ما يمكن ذلك وهذا لا يعني إلغاء أو تجميد الوثيقة.
صلاحيات التعديل
وطبقا للمراقب للعملية السلمية أحمد عبد المجيد دبجو في حديثه لـ(الصيحة)، أن هذا الإجراء نُصَّ عليه في الوثيقة نفسها بأنه بمجرد إدخال أي بند من اتفاقية السلام الحاكمة تلقائياً سيحدث تغييراً كما أن وفد الحكومة وافق على الإجراء، وبالتالي مطالب مني أركو مناوي وغيرها موضوعية وقائمة على نص ملزم للحكومة الانتقالية، ونجد أن الوثيقة أغفلت النصوص التي سبق وأشارت إليها الحركات في فاتحة التأسيس للوثيقة.
بالمقابل نجد أن المادة (78) من الوثيقة نصت على منح صلاحيات تعديل وإلغاء الوثيقة للمجلس التشريعي، وفي حال عدم وجوده، تؤول الصلاحيات التشريعية لمجلسي السيادة والوزراء مجتمعين وفق المادة (25/ 3).
وعلى ضوء ذلك لا يوجد ما يحول دون استخدام مجلسي السيادة والوزراء سلطتهما التشريعية، ومن ثم القيام بمراجعة شاملة لوثيقة الدستور الانتقالي، وإجراء التعديلات اللازمة حتى يتسنى لهما إكمال الفترة الانتقالية بمهامها المرجوة، وإنجاز الدور المنوط بهما وفق مطلوبات المادة الثامنة من وثيقة الدستور الانتقالي لسنة 2019م.
ثغرات ونقائص
ويجزم المحلل السياسي، أستاذ العلوم السياسية البروفيسور عبده مختار موسى لـ(الصيحة) بأن الوثيقة الدستورية أظهرت من خلال الممارسة ثغرات كبيرة ونقائص، ويمكن أن تخضع للتعديل من قبل الشركاء على حسب هذه الثغرات الظاهرة خلال عام من الحكم الانتقالي.
ورأى أن يحدث استيعاب لبقية المكونات السياسية الأخرى، وأن تعرض للنخب من القانونيين والسياسيين المختصين لأحكام الوثيقة ولتتطور حتى تناسب المدة الزمنية المتبقية من الفترة الانتقالية، وحتى تكون لبنة وأساساً يتطور في حال انتخاب حكومة مدنية شرعية في الفترة التي تلي الانتقالية.
واعتبر أن المرحلة الحالية ربما تحتاج إلى إرادة سياسية موحدة أكثر من الدستور، وقال إن الفترات الانتقالية يمكن أن تمر بأقل مراسيم أو تشريع قوانين، لكن بالمقابل الأداء الحكومي وتماسك الدولة هو الأهم لأن الحكومة الحالية هي حكومة تسيير مهام فقط.
غياب الضمان
وقال المحلل السياسي البروفيسور حسن الساعوري في حديثه لـ(الصيحة)، إن الوثيقة الدستورية الحالية أصبحت مشكوكاً فيها لأن بعض الشركاء شككوا فيها من قبل، وبالتالي لا يوجد ضامن حقيقي للفترة الانتقالية إلا الحكومة نفسها بما فيها المكون العسكري الذي يواجه الكثير من المضايقات والاستفزازات من المكون المدني، فيما تواجه الحرية والتغيير خلافات أدت لخروج أغلب الأحزاب ذات الثقل من التجمع مثل حزب الأمة والشيوعي، وبالتالي تصبح الوثيقة التي وقعت على عهد الشراكة لضمان الانتقال الديمقراطي قد لا تستطيع أن تكون الضامن الوحيد، واعتبر أن الضامن للفترة الانتقالية هو حمدوك وحكومته.
وقال الساعوري: “في اعتقادي أن هذه الوثيقة تستدعي مراجعتها من جديد، وسدّ الثغرات لتحكم الفترة الانتقالية بشكل واضح”. وأشار إلى أن ما حدث من خرق وأخطاء في هذه الوثيقة يثير التساؤل هل أصبحت بالفعل عديمة الجدوى؟!.