صلاح الدين عبد الله علي يكتب : الاقتصاد السوداني .. أسئلة مشروعة بين يدي المؤتمر الاقتصادي (3)
الصباغة:
أي تلوين الأقمشة أوالخيوط لإنتاج أقمشة ملونة حسب المواصفات المطلوبة عالمياً.
هل نستطيع بوضعنا الحالي القيام بهذه العملية الإنتاجية لعمل القيمة المضافة للقطن؟
بمعنى هل لدينا المصانع التي تنتج الغزل الرفيع وهي المادة الخام الأساسية في صناعة النسيج حسب معلوماتي وإلمامي ببعض نواحي هذه الصناعة، أنه كان هنالك فقط مصنعان للغزل الرفيع في السودان أحدهما مصنع الصداقة في الحصاحيصا والآخر مصنع المرحوم فتح الرحمن البشير في بورسودان.
إذاً لا يمكننا الحديث عن القيام بعمل قيمة إضافية للقطن دون أن نقوم أولاً بإنشاء مصانع للغزل الرفيع قريبة من مواقع الإنتاج لتسهيل عمليات الترحيل من المحالج إلى مصانع الغزل والنسيج، وهذا مجال صناعي كان للسودان دور هام فيه منذ أواخر الستينيات بإنشاء مصنع النسيج الأمريكي والذي آل إلى المرحوم د. خليل عثمان، ثم آل إلى شركة كورية، وأخيرًا تم إغلاقه ووزعت أراضيه لشركات استثمارية سودانية تعمل في مجال قريب من المجال الزراعي.
إذاً ضمن مهام هذا المجلس الزراعي الاقتصادي أن ينظر في المسائل المعنية بأعمال القيمة الإضافية للمنتجات والعمل على إنشاء الصناعات التحويلية المطلوبة ودعم المستثمرين في هذا المجال وتحفيزهم للوصول للطفرة الصناعية الزراعية المطلوبة في تطور زراعة وصناعة الأقطان في السودان.
صناعة الزيوت من إنتاج الحبوب الزيتية المنتجة من الزراعة
أولاً مراجعة صناعة الزيوت المحلية ومعرفة التزامها بالمواصفات والمقاييس العالمية….التي تمكنها من المنافسة العالمية مع الاهتمام بنوع ومقاسات وأوعية مواد التغليف لهذه السلع، وهل يمكن تحويل الزيوت السائلة إلى زيوت متجمدة وهي الزيوت الأكثر استهلاكًا في أوربا لسهولة تخزينها، وهي تعمل في شكل مكعبات قريبة من الزبدة ولكنها زيوت طبخ جامدة وهي الأكثر استهلاكاً في أوربا، كما شاهدناها وعايشناها خلال سنوات دراستنا في تلك البلاد وحتى اليوم.
ينطبق هذا المقترح على جميع السلع الغذائية التي ننتجها في مجال الزراعة ……
أما فيما يتعلق بعلف الحيوان فهنالك أيضاً مجالات واسعة لصناعة العلف من مخلفات حصاد الحبوب الزراعية، وإنشاء المصانع وإضافة بعض المواد الغذائية للعلف الحيواني الطبيعي حتى يساعد في نمو وإنتاج الثروة الحيوانية سواء كان ذلك من ناحية إنتاج الألبان أو إنتاج اللحوم، والمطلوب هو الاستفادة القصوى من كل ما تنتجه الأرض من منتجات زراعية ومخلفاتها وكيفية الاستفادة من هذه المخلفات على الرغم من أنها تكون كعلف طبيعي للرحل في مساراتهم نحو الكلأ والماء، إلا أن تصنيعها سوف يعود بالتأكيد بفوائد وعائد مادي ومغذٍّ للحيوان بدلاً من تركها للطبيعة السائبة أو كالمراعي المفتوحة.
فالدول المتقدمه تعرف كيف تحدد لثروتها الحيوانية أنواع الغذاء المختلفة التي تحقق النمو المطلوب للثروة الحيوانية، وسوف نأتي للحديث عن الثروة الحيوانية لاحقاً.
الزراعة الغابية:
حبا الله السودان بعدد كبير من المنتجات الغابية ذات العائد المالي الضخم والعائد الصناعي الأضخم إذا عملنا لهذه المنتجات الغابية الضخمة لإضافة المطلوب.
ابتداء بالمادة الحيوية والأساسية لأغلب الصناعات الغذائية والأدوية في العالم، وهي مادة الصمغ العربي وما أدراك ما الصمغ العربي كثر الحديث ومنذ زمن عن الصمغ العربي كمحصول استراتيجي حبا الله به السودان بأن يكون أكبر منتج للصمغ العربي في العالم بما يقارب 75 إلى 80% من الإنتاج العالمي، وهو سلعة محتكرة تماماً لدولة السودان.
هل نجحنا رغم الزعيق والأناشيد والقصائد التي نمجد فيها احتكارنا لإنتاج الصمغ العربي في تحويل هذا الاحتكار إلى منتج اقتصادي عظيم قليل التكلفة الإنتاجيه وعظيم الفائدة الاقتصادية، وظللنا نتحدث عن الصمغ العربي حتى مللنا سماع أي حديث عن أهميته واحتكاره لأننا فشلنا في تصنيع مصنع لتطوير بدرة الصمغ العربي لتدخل فوراً في صناعة الأغذية والأدوية بالواصفات والجودة العالمية والمواصفات الصحية المطلوبة، هل تركنا هذا الأمر للشركات الفرنسية التي احتكرت تقريباً أغلب إنتاجنا من الصمغ العربي ثم تقوم هي بعمل كل القيمة المضافة وتجهزه ليدخل فورًا في كل الصناعات المختلفة بالمواصفات المطلوبة عالمياً وتحقق الشركات الفرنسية أرباحًا طائلة ومستدامة من إنتاجنا من الصمغ العربي فيما يتعلق بمثل هذه المنتجات الربانية التي حبانه بها الله.
والصمغ العربي ذكرته أولاً لأهميته وقيمته الاقتصادية وما ينطبق على الصمغ العربي يمكن أن ينطبق على كثير من المنتجات الغابية التي تزخر بها البلاد كمثال ليس حصراً على الصمغ العربي فهناك:
التبلدى (القنقيلز)
اللالوب
القضيم
السنامكة
الكركدي
وغيرها من المنتجات الغابية ثم نأتي إلى المنتجات الزراعية مثل التوابل والبهارات
الثوم
الفلفل
الكسبرة
البقوليات:
العدس
الكبكبي
الفول المصرى.
الفاصوليا بنوعيها …………الخ
أليس من المحزن أن نستورد الثوم من الصين وبلادنا تنتج أجود وأطعم أنواع الثوم، كيف لنا أن ننهض بالزراعة في بلادنا ونحن نسهل أمر استيراد حتى المنتجات التي تنتجها أرضنا بجودة عالية ولكنها الإرادة السياسية للدولة السودانية التي لم تستطع منذ الاستقلال وحتى اليوم أن تكون لها رؤئ واضحة في كيفية نمو الاقتصاد الوطني وكل التخطيط والتجارب الفاشلة وعدم الاتعاظ بالأخطاء السابقة وعدم القدرة على البناء فوق التجارب الناجحة السابقة كل ذلك لأننا نتخبط كالأعمى بدون بصيرة وعلم وإرادة قوية لحل مشاكل نمو الاقتصاد بما يعود بالنفع على الدولة والشعب ورفاهية المجتمع.
الثروة الحيوانية:
الحديث الذي ذكرناه فيما يتعلق بموضوع الزراعة ينطبق على الثروة الحيوانية من ناحية توفير المعلومات والبيانات الحقيقية عن حجم الثروة الحيوانية في السودان.
الحديث الآن عن امتلال السودان حوالي 120 مليون رأس من الماشية موزعة على مختلف أقاليم السودان وأغلبها في ولايات غرب السودان وهي متنوعة وتشمل كل أنواع الأنعام (إبل بقر، ضأن، ماعز).
إذا كان آخر إحصاء تم للثروة الحيوانية كان في حوالي العام 1975 على عهد الرئيس نميري، وكان الجنوب حينها جزءاً من الوطن الكبير، ومنذ ذلك التاريخ لم يتم أي تعداد للثروة الحيوانية، وهو أمر هام للغاية إذا أردنا أن نضع أي استراتيجية للاستفادة الاقتصادية من هذه النعمة الربانية العظيمة.
كما ذكر سابقاً أننا نحتاج لمعرفة الأرقام الحقيقية لحجم الثروة الحيوانية ثم معرفة التصنيف النوعي من كل نوع (الأبل، الأبقار، الماعز، الضأن)، لأنه وبدون معلومة حقيقية مبنية على إحصائيات عملية وواقعية لا تستطيع وضع أب استراتيجية للاستفادة من هذه الثروة الغالية والعزيزة.
ثم بعد ذلك يتم النظر في كيفية الاستفادة من تنميتها أفقياً ورأسياً، افقيا بتزايد العدد وتكاثره ورأسيا بجودة النوع وتنميته بالمواصفات العالمية ثم تصديرة في شكل لحوم جاهزة للاستهلاك بالمواصفات العالمية والاستفادة من تجارب الدول الأخرى مثل البرازيل في ترقية وتطوير العائد المالي من الإنتاج الحيواني في السودان ثم إقامة المشاريع المتعلقة بزيادة القيمة المضافة على الثروة الحيوانية كتسمين الماشية وإنشاء المسالخ كما ذكرنا وتوسيع مواعين التخزين المبرد وتجهيز المطارات والناقلات الجوية المعدة لصادر مثل هذه المنتجات، هذا على المدى الطويل، وعلى المدى القصير يمكن تطوير المسالخ الحالية ودعم صناعة الجلود وتسهيل القوانين للمستثمرين للتوسع في المدابغ الحالية وإنشاء مدابغ جديدة بمواصفات عالمية، ثم إقامة منشأة علمية لكليات صناعة الجلود لمختلف الأغراض والصناعات الجلدية، وهو أمر يمكن الشروع فيه فوراً بخطة قصيرة لأجل لرفع كفاءة المسالخ والمدابغ الموجودة حالياً ثم خطة طويلة الأجل.
فيما يتعلق بالثروة الحيوانية نرى أن برامج التعليم تلعب دورًا أساسيًا في تطوير هذه الثروة الاقتصادية وذلك بإنشاء جامعات للثروة الحيوانية في الأماكن التي تتواجد فيها الثروة الحيوانية بكميات كبيرة وتحتوي هذه الجامعات على كليات مختلفة تدرس العلوم التي تمكنها من الاستفادة من الثروة الحيوانية والاستفادة من مخلفاتها.
مثلاً:
كلية الألبان ومنتجات اللحوم المختلفة وتعبئتها.
المنتجات الجلدية (ملابس، أحذية، حقائب… الخ.
كلية لتحسين النسل الحيواني (إبل، بقر، ضأن، ماعز) بدل أن تكون هنالك كلية واحدة للثروة الحيوانية في جامعة أو جامعات معينة في السودان، فهذه لا تؤدي الغرض مطلقاً للاستفادة القصوى من هذه الثروة ذات الفوائد المختلفة، وفي عامتها تكمن الاستفادة منها.
وخطط التعليم الجامعي يجب أن تبنى على أساس الاحتياجات الفعلية للنمو الاقتصادي للبلاد والاستفادة القصوى من هذه الثروات والهبات الربانية التي حبانا بها الله وسخرنا لنعمر بها الأرض فنفلح في الدنيا والآخرة.