تقرير- صلاح مختار
التوصيات التي خرج بها المؤتمر الاقتصادي القومي الأول، تدعو في مُجملها الى إعادة هيكلة اقتصادية والتي تحمل في باطنها مفهوم رفع الدعم عن السلع، وهو أمرٌ جاهر برفضه جزءٌ كبيرٌ من المُشاركين في فعاليات المؤتمر، من أهمهم لجان المقاومة على لسان مُمثلها أنس محمد أحمد، الذي شدّد على رفض لجان المقاومة لرفع الدعم عن السلع، وطالب في المُقابل بالإسراع في تكوين مجلس تشريعي، وأيضاً بضرورة ولاية وزارة المالية على المال العام والالتزام بالشفافية والنزاهة في إدارة الأموال العامة.
وجهات نظر
وربما يُشير رفض لجان المُقاومة لوجود اختلافٍ في وجهات النظر داخل الحاضنة السياسية، ويبدو أن اعتبار رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك المؤتمر الاقتصادي تمريناً ديمقراطياً، إشارة ضمنية لوجود تبايُن في وجهات النظر بين مُؤيِّدٍ للتوصيات وبين رافضٍ لها، حيث أعربت بعض عناصر الحاضنة السياسية للحكومة عن رفضها لمبدأ رفع الدعم داخل توصيات المؤتمر.
وقال ممثل قِوى إعلان الحرية والتغيير د. عادل خلف الله، إنّ رفع الدعم عن السلع هروبٌ من مُواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية، وأضاف في مداخلته خلال أعمال المؤتمر الاقتصادي القومي بأن السودان أقل دولة في دول الجوار تدعم السلع، وأوضح أن بعض الدول تدعم ما بين (30 – 35) سلعة، وأضاف: نتطلّع لدعم حقيقي يشمل (25) سلعة.
تبادل اللوم
من ناحيته، دخل تجمُّع المهنيين السودانيين، أحد أبرز قِوى الحاضنة السياسية نادي الرافضين والمُنتقدين، إذ أصدر بياناً انتقد فيه المؤتمر الاقتصادي وقلّل مِن مَخرجاته، وقال: “تحوّل المؤتمر الاقتصادي بقدرة منظميه إلى مُلتقى للحوار الأهلي حول القضايا المعيشية، ومنبراً للتنفيس وتبادل اللوم، وأضاف “بالرغم من أننا كنا من أوائل الداعين إلى عقد المؤتمر الاقتصادي عند طرح المُوازنة، بهدف التقاء الخبرات الاقتصادية السُّودانية من مُختلف المدارس وبتحضيرٍ مُحكمٍ من وزارة المالية من خلال إعداد أوراق وملخّصات لتفاصيل الإيرادات والمنصرفات الحكومية، وتبادل الرؤى حولها وحل السياسات الملائمة لطبيعة المرحلة؛ لكن شهدنا للأسف إعداداً فقيراً من كل الوجوه وأُهمِلت دعوة كثير من الخبرات السودانية بالداخل والمهاجر ممن كان في حضورهم إثراء للمشاركة وعصف للذهن”. ورأى أن الطريقة التبسيطية التي نُظِّم بها المؤتمر تعني أن القائمين عليه لا يعون جدية وعُمق التحديات الاقتصادية ومدى تأزم الوضع المعيشي للمواطنين وبالتالي الضرورة القصوى لاجتراح الحلول القابلة للتطبيق والمتوافق حولها بما يعزز استقرار الفترة الانتقالية ويصل بها إلى تمام غايات الانتقال، وتعني ربّما أن وزارة المالية في سببل الانفراد بالرأي ومواصلة رؤيتها لا تأبه أو ترغب جادّة في الحوار والاستماع إلى البدائل المتاحة وأصحابها، هذا أو ذاك، فإنّ المحصلة تبقى أن نتيجة المؤتمر الاقتصادي هي: أعِد.
الأقوال والأفعال
ويقول القيادي بقوى الحرية والتغيير، عضو اللجنة الاقتصادية كمال كرار، إن المؤتمر الاقتصادي حسم الخلاف بين مكونات الحاضنة السياسية والتي بدأت في وقت سابق خاصة فيما يتعلق برفع الدعم.
وأضاف كرار لـ(الصيحة) أمس، بأن الرؤية التوافقية ألا تلجأ الحكومة إلى رفع الدعم، وأن تجد من المعالجات لتخفف الوضع عن المواطنين، وأكد أن الملتقى تشاوري كبير أتيحت فرصة واسعة وكبيرة للنقاش حول القضايا الاقتصادية التي يعاني منها السوداني، وشدد على أن مُعظم الخلاصات التي خرج بها المؤتمر نتائج إيجابية تُصب في اتجاه كيفية إصلاح الاقتصادي، ورأى أنّ العبرة في النتائج وبالأفعال وليس الأقوال.
انتقادات مبطنة
وكان حزب الأمة القومي، قد وجه انتقادات مُبطّنة للمؤتمر الاقتصادي، وقال نائب رئيس الحزب إبراهيم الأمين في تصريح صحفي على هامش المؤتمر، إن الجلسات لم يتم الإعداد لها بالصورة المطلوبة ودخلت فيه درجة من التهريج السِّياسي أبعد المؤتمر من الخطوات المفروض اتّباعها.
وأوضح نائب رئيس حزب الأمة، أنّ الهدف من المؤتمر هو مناقشة القضايا المُرتبطة بالبُعد الاقتصادي في فترة الانتقال والاستعداد لمرحلة ما بعد الانتقال، وأشار إلى أنّ هذه الجلسات سبقتها مؤتمرات قطاعية ناقشت كل التفاصيل بصورة علمية.
وطالب الأمين بإعداد برنامج يكون الحس القومي فيه كبيراً، لجهة أن القضية في هذه المرحلة تحتاج لدرجةٍ عاليةٍ من التعقُّل في تناول القضايا بمهنية وعلمية والتخلي كلياً عن الانتماءات السِّياسية. وشدد على أنّ أيّة مُحاولة لفرض إرادة تيار مُعيّن أو فئة مُعيّنة ستكون نتائجها كارثية وتضر ضرراً بليغاً بالسودان، ونادى بمراجعة كل الجلسات للوصول إلى صيغةٍ مقبولةٍ وعادلةٍ لتكتب لها الاستدامة. وقال الأمين “يجب أن تناقش هذه القضايا بدرجة عالية جداً من التروي والهدوء لإيجاد الحلول المناسبة لكل القضايا والتحديات المُواجهة للشعب السوداني”، وأضاف “من الواضح أنّ هناك اختلافات داخل آليات الحكم في السودان وهذه الاختلافات والتبايُنات في الآراء للأسف الشديد جاءت بدافع أيديولوجي متشدد”.
صياغة رؤية
وقال كرار، إنّ المؤتمر هو مُحاولة لصياغة رؤية اقتصادية وطنية لمعالجة الاقتصاد السوداني خلال الفترة الانتقالية وما بعدها، وأوضح أن الوضع الراهن يشهد أزمة عميقة في الاقتصاد، ولفت إلى أن كل المعالجات المؤقتة فشلت في علاج الأزمة. وأوضح كرار أن هناك رأياً قاطعاً بأنّ السياسات المتبعة من خلال موازنة 2020م والإجراءات التي اتخذتها اللجنة الاقتصادية للطوارئ فاقمت من مشكلة الاقتصاد، وعليه كان لا بد من عقد هذا المؤتمر للتباحث مع العديد من الجهات ذات الصلة لإنتاج أفكار وسياسات جديدة لإخراج الاقتصاد من وهدته بعيداً عن وصفات البنك الدولي وصندوق النقد، ونبه إلى ضرورة أن توضع التوصيات موضع التنفيذ وبشكل عاجل خصوصاً في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها المواطن السوداني.