بيانات الشيوعي.. أين التحصين والتأمين؟
الخرطوم: عبد الله عبد الرحيم
قال الحزب الشيوعي السوداني، إن البيان المنسوب للحزب بالعاصمة القومية مفبرك وغير حقيقي، وأوضح الحزب في بيان له أنه برغم الأخطاء المتراكمة، إلا أن الحزب لم ولن يعمل لإجهاض الفترة الانتقالية أو لهدم تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، وأكد على أن الحزب لا يدير خلافاته في الحكومة بالطريقة التي جاءت في البيان المفبرك. و”كانت صفحة الحزب قد نشرت أمس الأول بياناً تم تداوله على نظاق واسع يتهم الحكومة الانتقالية بالضعف ويدعو لاسقاطها”. بينما يؤكد الحزب أنهم وطيلة الفترة الماضية ظلوا ملتزمين بالخط الذي انتهجوه لإدارة الصراع من خلال دعم السياسات الإيجابية التي تصدر من حكومة الفترة الانتقالية، ونقد سلبياتها مع تقديم البديل الملائم لها. وأشار الحزب إلى أن نشر البيان المفبرك في صفحة الحزب لا يعكس مصداقيته وإنما يعكس الخلل في إدارة الصفحة وأكد عملهم على تلافي مثل هذا الخلل مستقبلاً.
لعبة سياسية
لم تكن هذه المرة الأولى التي ينفي فيها الحزب الشيوعي بياناً نشر بصفحته وقال إنه ليس من لجنته المركزية، فقد نشر موقع الحزب الرسمي في أواخر شهر أغسطس الماضي بياناً دعا فيه إلى إسقاط حكومة الفترة الانتقالية وتغيير الحاضنة السياسية للحكومة. ووجد البيان نقداً وتجريحاً كبيرين من معظم المراقبين، الشيء الذي جعل القيادي بالحزب الأستاذ صديق يوسف يؤكد في تصريحات صحفية بأن البيان الذي صدر باسم الحزب كاذب، ولم يصدر من أجهزة الشيوعي، مؤكداً التمسك بوحدة قوى الثورة في (قحت) ودعم الأصوات المطالبة باستكمال مهام الثورة والوقوف ضد التطبيع مع إسرائيل. بيد أن البيان جاء في فترة عقد فيها الشيوعي اتفاقاً وتوأمة سياسية وجدت الكثير من اللغط لجهة أن الحزب أحد أكبر الأحزاب التي تُشكّل الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، وهي التي تقود مفاوضات مع حركة الحلو الرافضة للاتفاقيات التي تم توقيعها مؤخراً بالأحرف الأولى.
البعض يرى أن في ذلك ازدواجية في المواقف، وأن الحزب يقود لعبة سياسية غير معلومة الجوانب بعد أن وضع يده في يد الشعبية بدلاً من دفعها وحملها لإنجاز السلام المرتجى.
الشيوعي والانتقالية
د. السر محمد علي الأكاديمي والمحلل السياسي قال، إن الحزب الشيوعي ظل في الآونة الأخيرة يلعب أدواراً سياسية عميقة وتحمل الكثير من الأوجه، لجهة أن معظم المواقف عميقة ويمكن أن تحمل رسائل تؤدي أدواراً مزدوجة كدعوته الخروج على الحكومة وعلى تغيير الحاضنة السياسية، وهو الحزب الأكبر نصيباً في الحكومة الانتقالية والأب الراعي بحسب تصريحات قياداته للعمل الثوري، مستغرباً من بيانات النفي التي تتبع كل بيان صادر عن مركزية أو صفحة الحزب الرسمية على الانترنت. وأكد أن الحزب من أكثر الجهات بل المؤسسات التي تطبق الحذر الأمني والذي يجيد العمل على بناء وتفنيد الملعلومات بطريقة استخباراتية، وهو ما مكن زعيمه الراحل نقد لإدارة شؤون الحزب من تحت الأرض لفترة طويلة قبل أن تساعده الظروف مرة أخرى في الصعود للقمة والتمكن من قيادة ثورة تطيح بالنظام البائد. وقال السر لـ(الصيحة) إن التنظيم الأمني للحزب الشيوعي يفوق كل الأحزاب السياسية، فهو يتّبع نظماَ أمنية دقيقة في الحفاظ على معلوماته بطريقة تجعل من أمر تسربها للعلن بالشيء العسير. وزاد: حتى في أهلك الظروف التي مر بها الحزب لم تكن معلومات وبيانات الحزب متاحة للعامة لدرجة أنه يمكن لأية جهات فبركتها. ورجح د. السر رجوع ذلك لما تشهده هذه الفترة الانتقالية من مواقف يحاول الحزب فيها أن يكون محافظاً على مواقفه المبدئية مع الحكومة الانتقالية (حكومة الثورة)، وفي ذات اللحظة لا يفقد الشارع الذي يمتعض من السياسات الحكومية غير المجدية مع الحال الاقتصادي الذي تتصاعد أزماته الفينة والأخرى.
بناء الحزب
ويقول المحلل السياسي د. أبوبكر آدم لـ(الصيحة) إن الترابي أكد في كتابه «كسب الحركة الإسلامية» أنهم استفادوا من الحزب الشيوعي في عملية البناء والقدرات، وبالأخص أنها تأثرت في العملية التأمينية التي كان يتميز بها الشيوعي عن بقية الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة، لكن رغم نجاح الشيوعي في ذلك، إلا أنه تم اختراقه من قبل أمن نميري الذي يقال عنه إنه كان يعرف كل أسماء الكوادر السرية بالأحزاب بما فيهم البعثي والشيوعي التي كانت تصنعها للحيلولة دون كشفهم، وكان للحزب الشيوعي أعضاء في القيادة المركزية للحزب، ولكنهم لم يكونوا معروفين!! الشيء الذي يستبعد فرضية أن الشيوعي قد تم اختراقه من قبل أيدولوجيات معادية وصارت تفبرك بيانات باسمه على نحو ما جرى. لكنه لم يجزم بشأن مقدرة أحزاب من القيام بتلك الخطوات لإحداث وقيعة بينه وبين جمهور الثورة السودانية ومحاولة إحداث فتنة تفضه عن تبعية الحزب.
خبرات تأمينية
ولأن الحزب الشيوعي أكثر الأحزاب السودانية خبرة في الجانب التأميني، نستلهم هنا بعض الوقائع والشكوك عبر تاريخ الحزب، والتي دارت حول الاختراقات التي حدثت في الحزب، وأشارت الأصابع إلى بعض العناصر داخله بأنهم وراء ذلك، فقد اتهم الخاتم عدلان القيادي بالحزب الشيوعي قبيل وفاته بأنه خان الحزب وأفضى ببعض أسراره وأنه صنيعة أمنية لكشف ظهر الحزب. وكان رد الخاتم للحزب بأنه لو كان كما يقولون لأفضى بكل أسماء الكوادر السرية وقام بتسليمهم بحكم أنه المسؤول عن الحزب بولاية الخرطوم الثقل المركزي للحزب الشيوعي ونشاطه، فرجعت قيادات الحزب عن تلك الاتهامات وأقروا بأن الخاتم ليس غواصة كما يزعمون.
الحزب محصن
معلومات من مصدر مقرب من الحزب الشيوعي، فضل حجب اسمه، قال لـ(الصيحة) إنه وإبان العهد المأيوي عانى الحزب الشيوعي من تسريب معلوماته، ما جعل القيادة المركزية فيه تلجأ إلى اتخاذ إجراء يوجب غياب أحد الأعضاء عن حضور اجتماع الحزب، على أن تدور الدائرة بكل الأعضاء لمعرفة من الذي يسرب معلومات الحزب ومحاضر اجتماعاته، ووقتها كان القيادي بالحزب ياسر عرمان في أوج صداماته مع النظام، ولأن الأمر كان يقف خلفه جهاز الأمن، فقد جاءتهم السانحة على طبق من ذهب، وانتظروا دور ياسر عن غياب اجتماع الحزب، فعمد الجهاز إلى عدم تسريب أية معلومة بغية افتتان الحزب في أن ياسر هو الذي يعمل على تسريب معلوماتهم لجهاز الأمن والمخابرات، وهذا ما حصل تحديداً، مما دعا ياسر عرمان لمغادرة الشيوعي، وأعلن انضمامه للحركة الشعبية، بعد أن صار الكل في الحزب يشكك في نزاهته. ويضيف المصدر بأن الشيوعي لا يمكن أن يتم اختراقه لجهة أن يبث بياناً عبر صفحته الرسمية ويظل بالموقع لمدة يومين قبل أن يأتي الحزب بنفيه وببهتانه، وقال: الشيوعي استفاد من فترات العزل التي طبقت وفرضت بشأنه كثيراً خلال فترات العهد المأيوي وفترات حكم الجبهة الإسلامية، ما جعله يضع تحصينات كافية للحيلولة دون وقوعه في أخطاء لا يمكن أن تحدث داخل الحزب الذي عُرف بحدسه التأميني العالي.