الفيضانات.. ماذا بعد الكارثة (1)
مشاهدات “الصيحة” تكشف انهياراً بيئياً بالأسواق
تجار: نعمل على تطهير البيئة بالجهد الشعبي
جمعية تعزيز الصحة: إنشاء مركز عزل لـ”الكوليرا” أمر مقلق
خبير: هشاشة النظام الصحي وندرة الأدوية تُدخِل البلاد في نفق الأوبئة
أقل ما يوصف به عام 2020م، أنه عام الكوارث بالسودان منذ بدايته وحتى شهوره الأخيرة، وظل الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وما أن خرجت البلاد من جائحة “كورونا” حتى فاجأنا الخريف وارتفاع مناسيب النيل الذي غمر العديد من القرى والمدن، مخلفًا خسائر فادحة، بعد انهيار مئات المنازل وخروج أصحابها الذين استقر بهم المقام داخل مخيمات الإيواء التي تنقصها أبسط أساسيات الحياة، فضلا عن ضعف الخدمات الصحية، وأدوات النظافة وغيرها من الخدمات التي تقي الإنسان من الأمراض.
إن الفيضانات والسيول التي غمرت أنحاء واسعة من البلاد، كانت سببًا في توالد البعوض والذباب، حيث تشهد بعض الولايات حميات لم تكن معهودة من قبل ..
تحقيق/ أم بلة النور
مشاهدات
خلال جولة “الصيحة” داخل معسكر الكلاكلة القبة الذي خصصته الإدارة العامة للمدرعات بالقوات المسلحة، شاهدت “الصيحة” عدم توفير دورات المياه بالمعسكر، الأمر الذي يدفع الأطفال لقضاء حاجتهم في العراء، فضلاً عن رائحة التبول التي تجتاح المكان وتزكم الأنوف، عندما تطأ قدمك أرض المعسكر، هذا الوضع أدى إلى تفشي الإسهالات المائية وسط الأطفال، كما حدثنا المسؤول عن العيادة الطبية التي خُصِّصت للمخيم ..
حيث كشف مدير الوحدة الصحية بمعسكر القبة محمد صديق عن ظهور إسهالات مائية إلى جانب انعدام الأدوية والمحاليل الوريدية وأدوية الطوارئ، وأضاف أنهم بحاجة إلى قائمة من الأدوية التي وعدت الغرفة التجارية بالسوق المركزي بتوفيرها خلال أيام.
فيما كشف سكان الكلاكلة عن دخول مياه الأمطار المختلطة بالصرف الصحي داخل المنازل، ما أدى إلى توالد البعوض بكثافة عالية، وتخوف الأهالي من انتشار الملاريا والتايفويد في ظل غض وزارة الصحة الطرف عن ذلك الوضع الذي خرج عن السيطرة بحسب وصفهم .
كارثة بيئية
ووقفت “الصيحة” خلال جولتها داخل عدد من أسواق ولاية الخرطوم على الأضرار التي خلفتها مياه السيول والفيضانات، حيث ينذر سوق ليبيا بكارثة بيئية قادمة نتيجة لاختلاط باعة الأطعمة بالمياه الآسنة، حيث لاحظت “الصيحة” باعة الطعام يتوسطون مياه الأمطار المختلطة بالنفايات وبقايا الخضروات ورغم الروائح النتنة، إلا أن هناك عدداً كبيراً من الشباب يجلسون حول تلك الموائد دون أن يلاحظوا صلاحية الطعام الذي يتناولونه. وقال عدد من تجار الفاكهة والخضروات إنهم قاموا بمخاطبة الوحدة الإدارية وحثها على نظافة وتطهير سوق أبوزيد، إلا أنها لم تستجب، وأضافوا أنهم قاموا بجمع رقم مقدر من الأموال لإزالة تلك النفايات، وفتح المجاري لتصريف مياه الأمطار وردمها، إلا أن جهودهم لم تُكلَّل بالنجاح الكامل، لأنهم قاموا بجمع النفايات المختلطة بمياه الأمطار التي أصبحت ثقيلة الوزن وتحتاج إلى شاحنات كبيرة لنقلها، الأمر الذي لم توفره المحلية. وفي الجانب الآخر من سوق ليبيا أو أبو زيد تجد الملاحم التي تعمل على توفير اللحوم لمواطن محلية أمبدة في وضع لا تنطبق عليه الاشتراطات الصحية رغم استخراجهم للرخص الصحية والتي لا تتوفر حتى بنسبة 1% مما يجعل استخراجها صورياً فقط، نسبة لتوالد الذباب بأعداد كبيرة رغم جهود أصحاب الملاحم في النظافة وإضرام النيران للحد من انتشاره، وسعي التجار في ردم السوق الذي يعد موقفاً للمركبات العامة والتي تعمل بصورة مباشرة في عدم استمرار عمليات الردم والتطهير .
كذلك الحال بسوق الوحدة بالحاج يوسف، والذي يعتبر الأسوأ على مستوى أسواق ولاية الخرطوم من حيث الانهيار البيئي وبيع الأطعمة المكشوفة والفاكهة والخضروات على الأرض، حيث فيضان الصرف الصحي والنفايات.
مؤشرات خطيرة
في حديثه لـ”الصيحة” كشف رئيس جميعة تعزيز الصحة السودانية دكتور مصعب برير، عن تحذير الجمعية من كارثة صحية قادمة إذا لم تتدارك السلطات الوضع الصحي القائم الآن وتعمل على مكافحة الأوبئة والأمراض التي تنجم عنه، وقال: بعد الخريف الذي فاق التوقعات، لم تتحرك الجهات المسئولة، حيث كشفت عنه الهيئة العامة للأرصاد الجوي’ خلال الفترة الماضية، وظلت ترصد حالة الطقس، إلا أن الجهات المسئولة كانت استعداداتها دون المستوى المطلوب لاحتواء الآثار السالبة للأمطار والفيضانات وتداعياتها على الإنسان والحيوان والبيئة، وقال إن المواطن يدفع فاتورتها الآن.
وتوقع برير انتشار أمراض ما بعد الخريف، وأشار إلى أن هناك مؤشرات لارتفاع الإصابة بالإسهالات المائية والنزلات المعوية الحادة، والحميات والكوليرا والتي لم تكشف عنها وزارة الصحة، إلا أن تصريحها بتجهيز غرف للعزل يعد أمراً مقلقاً ومزعجًا، وكان عليها أن تضع خططاً وتقارير مناسبة للأوضاع الحالية، وأضاف أن اختلاط مياه النيل والأمطار بالصرف الصحي بمناطق أبو آدم وود عجيب وعدد من مناطق شرق النيل من أكبر الإشكالات البيئية خاصة المراحيض البلدية والسايفونات التي غمرتها مياه النيل، والتي تعد الخطر الحقيقي في المرحلة القادمة، إلى جانب تدهور الوضع البيئي بالأسواق، وأضاف أن على الوزارة الاهتمام بصحة وسلامة مياه الشرب خاصة بالمناطق ذات الكثافة السكانية العالية والأماكن التي تأثرت بالفيضانات، والخطوة الثانية بحسب حديثه هي التدخل السريع لإزالة النفايات وتكدسها لتقليل نسبة تكاثر الذباب والحشرات الناقلة للأمراض.
وقلل مصعب برير من أهمية الرش الجوي والذي يحتاج إلى عمليات رش أرضية ذات الأثر الباقي لتطهير البرك والمستنقعات التي خلفتها مياه الأمطار، وكشف عن عودة الذباب مرة أخرى نتيجة لعمليات الرش غير المكتملة، والذي يزيد من مخاطر انتشار الإسهالات والملاريا والتي تنعدم أدويتها في عدد كبير من الصيدليات، وتوقع برير ظهور عدد من الأمراض ذات العلاقة (البرازية)، واصفاً النظام الصحي بالهش وعليه أن يسيطر على الأوبئة في مناطقها ومنعها من الوصول للولايات الأخرى بمحاربة نوعيات البعوض الناقل للحميات .
برامج توعوية
وطالب مصعب برير المدير السابق لإدارة تعزيز الصحة الاتحادية المدير السابق لهيئة نظافة ولاية الخرطوم، بضرورة التوعية والإرشاد لكافة شرائح المجتمع وإشراك المجتمعات وتمليكها المعلومة الصحيحة بالمناطق الموبوءة عبر الوسائط الإعلامية المختلفة، إلى جانب تقوية برنامج صحة البيئة ومكافحة نواقل الأمراض إلى جانب إصحاح البيئة ونقل النفايات.
وشدد على ضرورة صحة وسلامة المياه برفع نسبة تركيز الكلور في شبكات مياه الشرب والسيطرة على البيئة بالأسواق .
إرشادات عامة
فيما قدمت الإدارة العامة لتعزيز الصحة إرشادات صحية خجولة جداً عبر عدد قليل من الوسائط، وشددت على ضرورة الالتزام بالتخلص من أماكن توالد البعوض بردم البرك والمستنقعاتوتجفيف المجاري وقنوات الري لمدة يوم على الأقل من كل أسبوع، وتفريغ المكيفات والأواني من المياه غير المستخدمة والتخلص من الأواني المهملة التي تتجمع فيها مياه الأمطار، وتغطية (الأزيار) والبراميل وتجفيف المياه بأسفلها، ورش الزيت على المياه الراكدة، إلى جانب نظافة أواني حفظ المياه وتغييرها كل ثلاثة أيام على الأقل، كما شددت على ضرورة صحة وسلامة المياه بغلي المياه وتغييرها وتغطيتها مع ضرورة غسل الأيدي بالمياه والصابون قبل وبعد الأكل، وبعد الخروج من المرحاض وعند ملامسة المواد الكيميائية والمبيدات والمواد البترولية ومستحضرات التجميل وعند ملامسة الحيوانات .
إلا أن الوزارة لم تجتهد في إرسال تلك الإرشادات عبر الوسائط المتعددة لا سيما الإذاعة والتلفزيون، لأنهما الأكثر انتشاراً، كما لم يلاحظ المواطن أي نوع من الإرشادات عبر اللافتات في الأسواق والمواقف والأماكن العامة، واكتفت فقط بإرسالها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي لا يملكها عدد كبير من أفراد الشعب السوداني .
مجهودات الصحة
وللوقوف على مجهودات وزارة الصحة الاتحادية في التصدي لكارثة ما بعد الخريف والموقف الدوائي وغرف العزل وأهميتها والخطط التي وضعت لصحة وسلامة المياه والغذاء وطريقة عرضه بالأسواق، وصلنا مكتب الإدارة العامة لتعزيز الصحة الاتحادية، ولكنها كانت في اجتماع خارج المكتب، سنواصل مساعينا في الحصول على معلومات من مديرة الإدارة سارة الملك لنشرها في الجزء الثاني من التحقيق.