حلفا جديدة: محمد جادين
يُشكل التمويل أكبر هاجس وعقبة لنجاح الزراعة التي مازالت تُعاني من كثير من المشاكل، أقعدت بها السياسات العقيمة و”البيروقراطية” وبطء الإجراءات فيضيع الموسم الزراعي بسبب التأخير الذي ينعكس بصورة مباشرة على الإنتاج ما يؤشر إلى أن الجهات المسؤولة عن التمويل في البلاد لم تستوعب بعد مقولة المُزارع البسيط التي تُلخص كل النظريات ودراسات العملية الزراعية في جملة قصيرة جداً من كلمتين فقط “الزراعة مواقيت”، لجهة أنها الفكرة الأساسية لهزيمة ونجاح أي مشروع زراعي.
ومؤخراً بدأت العافية تدب في القطاع الزراعي “قاطرة الاقتصاد” بعد دخول القطاع الخاص وظهور ما يُعرف بـ “الشراكة التعاقدية” التى تخطت فكرة المشاريع الخاصة إلى شراكة حقيقية مع المزارع داخل المشروعات القومية و”الملك الحر”.
مخاوف عديدة صاحبت دخول القطاع الخاص في المشاريع الزراعية القومية، وكان المُزارع ينظر إلى الشركات الخاصة التي بادرت للدخول في القطاع بكثير من الريبة والشك وهواجس الاستيلاء على أرضه “حواشته” حال لم يُحقق الربط المطلوب من قيمة التمويل، ولكن بعد أن تم تجاوز هذه القضية بتأمين العمليات الزراعية زالت المخاوف وظهرت الكثير من الإشراقات وحققت المنافع المتبادلة بين الشركاء.
حلفا الزراعي
خلال المواسم الماضية، عادت الحياة إلى “مشروع هيئة حلفا الزراعي”، بعد دخول القطاع الخاص في شراكة مع المزارعين بضمان الجهة المنظمة “الهيئة”، وحققت التجربة نجاحاً كبيراً خاصة مجموعة “معاوية البرير” التي تُركز حالياً على “الذهب الأبيض” محصول القطن.
وقال مدير مشروع هيئة حلفا الزراعي المهندس محمد عبده لـ “الصيحة”، إن المزارعين بالمشروع لمسوا فائدة عظيمة من الزراعة التعاقدية بتحقيق أرباح كبيرة، وأشار إلى تجربة “مجموعة معاوية البرير” مع المزارعين في إدخال “القطن الهندي”، ونوه إلى أن نجاح الشراكة يرجع إلى التزام المجموعة التام بالتمويل في مواقيته بالكميات المحددة والمدخلات الزراعية في الزمن المطلوب عكس ما كان يحدث في الفترة السابقة.
وأوضح مدير المشروع أن ما حقق الرضاء للمزارع يرجع للشفافية الكبيرة في التعامل بين الأطراف الثلاثة “المزارع، والشركة المستفيدة، وهيئة المشروع الضامنة للعملية التعاقدية”، وأشار إلى أن المجموعة حددت التكلفة للتحضير وجميع العمليات الفلاحية بالسعر الجاري وقتها، مع توفير كل المدخلات في الزمن المطلوب، بجانب التمويل النقدي للمزارع في مرحلة النظافة، وقال: بل تمدد التعاون إلى توفير سماد لمحصول الذرة رغم أن تموّل المجموعة القطن فقط كل هذا لخلق الثقة وتحقيق التعاون الكامل بين جميع الأطراف المستفيدة
فرق وتأخير
نوّه مدير مشروع حلفا الزراعي إلى الفرق الكبير بين الزراعة التعاقدية بين المزارع مع القطاع الخاص، وتمويل الجهات الحكومية، وأشار إلى البطء غير المبرر والبيروقراطية التي أقعدت الزراعة والإجراءات المعقدة، وقال: “نحن في إدارة المشروع سددنا جميع استحقاقات البنك الزراعي بنسبة 100% ولكن بالمقابل وجدنا بطئاً وتأخيراً في توفير المدخلات في الزمن المحدد لمواقيت الزراعة ناهيك عن استلام الأرباح”، وأشار إلى أن الهيئة بحسب التعاقد ممثلة كطرف ثالث يضمن استحقاقات كل جهة وأضاف “نضمن أن المزارع يقوم بدوره والشركة تقوم بدورها ونشرف على الاثنين” وأشار إلى أن الشركات تحوّل الأموال لحساب المؤسسة في البنك وتوفر المدخلات وترحلها للمخزن والمؤسسة تقوم بجميع العمليات الفنية والإدارية وفقط بعد الحصاد تأتي الشركة المعنية لاستلام نصيبها من المحصول مقابل التمويل وشراء المتبقي من المزارع بسعر السوق الحالي، وقطع عبده أن أي توسع في الزراعة التعاقدية وتنافس الشركات يخدم مصلحة المزارع.
فكرة الشراكة
أوضح ممثل مجموعة معاوية البرير الزراعية، أزهري إبراهيم، المُشرف على برنامج الزراعة التعاقدية، أن الفكرة بدأتها المجموعة بمشاريع “أبو نعامة” شرق سنار في 2008 بعد أن أحجمت الحكومة عن التمويل، وقال أزهري لـ “الصيحة” إن الخطوة تتم بالتعاقد المباشر مع المزارع بصورة فردية بوجود طرف ثالث شاهد على الميثاق يتمثل في إدارة المشروع المعني يكون مراقباً ومُشرفاً على الطرفين لضمان حقوقهما، وأضاف “ببساطة بشيل من المُزارع تكلفة التمويل قطن وبشتري منه الباقي بالسعر الجاري في السوق وله الخيار أن يبيع إلى أي جهة حال وجد سعراً أفضل”.
القطن الهندي
في خطوة جديدة لمُضاعفة الإنتاج أدخلت مجموعة معاوية البرير الزراعية محصول “القطن الهندي” لأول مرة في البلاد ونقلت التجربة إلى مشروع حلفا الزراعي للموسم الثاني على التوالي، المهندس محمد علي جادين مدير مشروع الزراعة التعاقدية لمجموعة شركات معاوية البرير، أوضح لـ “الصيحة” أن المجموعة شرعت في الخطوة بعد أن أحجم المزارع عن زراعة القطن، وقال “بدأنا الزراعة التعاقدية في مشاريع كساب والجزيرة والمناقل وحالياً في حلفا من خلال زراعة القطن الهندي المقاوم لكثير من الأمراض، فضلاً عن إنتاجيته العالية جداً وسعره المُشجع عالمياً”.
ونوه جادين إلى أن أهم مزايا “القطن الهندي” مقاومته للآفات وقلة التكلفة، وأوضح أنه يُزرع بـ “الحبة” الواحدة، والكيلو من البذور يوفر”12″ ألف حبة “10” آلاف منها تكفي لزراعة الفدان والمتبقي يكون احتياطياً لـ “الرقاعة”، وأشار إلى أن شجرته تنتج مابين “85 ـــ 130” لوزة ويمكن أن يتم حصاده “6” مرات، وأوضح أن سعره عالمياً مرتفع جداً الكيلو منه وصل “50” دولاراً.
وتحدث عدد من المزارعين عن تجربة الزراعة التعاقدية وأكدوا نجاحها، وقال المزارع عمر أحمد محمد لـ “الصيحة” إن تمويل الشركات أفضل بكثير ولا يُقارن بالتمويل الحكومي “البنك الزراعي” وأشار إلى أن أهم مزاياه ترجع إلى توفير المدخلات في الوقت المطلوب فضلاً عن تكفلها بدفع التأمين الذي يغطي الخسارة حال حدوث أي مشكلات في الزراعة.