“كنانة”.. الاتفاق الذي أغضَب الأغلبية
كنانة ــ أحمد جبريل التجاني
ببيان ممهور بتوقيع وزير الصناعة ووالي النيل الأبيض ومدير عام كنانة، ظن الرأي العام أن القضية التي شغلت الناس قد طُويت باتفاق وُصف بالغريب في بنوده وتوقيته..
(الصيحة) تابعت أجواء ما قبل الاجتماع وما بعده وردود الأفعال وسط العاملين بكنانة.
قرار مفاجئ حتى للإدارة
لم يتوقع أحد من كنانة ولا حتى إدارتها أن العضو المنتدب الذي دُعي لاجتماع بمكتب وزير الصناعة نهار الأحد سيوقع على اتفاق ملزم التنفيذ للشركة فيه اعتراف جهير بلجنة تسيير النقابة، إضافة إلى تسليمها سيارات وإيجارات عقارات وأندية ورفع استقطاعات العاملين إلى مائة جنيه وفتح متجر للعاملين كان سائداً في فترة ما قبل محمد المرضي التجاني، ويطلق عليه (دكان التعاون) الذي يبيع للعاملين السلع بأسعار خاصة ومؤجلة إلى آخر الشهر، إضافة إلى إعادة تراحيل ربك والجزيرة أبا وكوستي وإعادة تخصيص عربات البرادو لقيادات النقابة والموافقة على تفعيل لجنة المفصولين ومباشرة عملها وإزالة العراقيل عن طريقها وصرف أي حافز مجاز للعاملين من الإدارة. وألغى رئيس مجلس الإدارة وزير الصناعة، جميع العقوبات والخصومات والإيقافات الصادرة من إدارة كنانة بحق العاملين المتغيبين عن العمل دون إذن حسب ما حملته مستندات إيقافهم.
العضو المنتدب اتخذ القرار منفرداً لم يستشر أياً من مساعديه، الأمر الذي أحدث ربكة في المشهد الكناني. وكشف مصدر لـ (الصيحة) أن موافقة العضو المنتدب كسرت إرثاً إدارياً متبعاً وأرّخَت لمرحلة جديدة تدخلها كنانة تسمح فيها بالتدخل السياسي فى شئون الشركة، إضافة لفقدان الإدارة هيبة القرار، حيث بات وبموجب اتفاق الوزير والوالي والعضو المنتدب من حق أي عامل أو مجموعة عاملين الإضراب والاعتصام دون أن تحرك الإدارة ضدهم أي إجراءات لائحية، وهو ما سيضيع على كنانة الانضباط الذي عرفت به.
ومضي بالقول إن لجنة تسيير النقابة حققت كل مقاصدها وأهدافها مستغلة العاملين كدروع بشرية وسلالم لبلوغها تلك الغايات والتي تنحصر جميعها في الأموال، لكنه عاد وأكد أن العديد من قطاعات العاملين بدأت حراكاً مضاداً لما تم من اتفاق وغادروا جميع مجموعات التواصل الخاصة بالاعتصام، بل وصف بعضهم لجنة التسيير بالمخادعة التي حققت أهدافها عبر استغلالهم.
عاملون بدأوا عشية القرار في تجميع توقيعات عبر قروبات التواصل الاجتماعي سيسلمون بموجبها خطاباً إلى إدارة الموارد البشرية يرفضون فيه خصم مبلغ مائة جنيه من رواتبهم لصالح النقابة، مبررين تلك الخطوة بأن اللجنة ليست منتخبة ولا تمثلهم، وعلى من عينها توفير موارد مالية لها ـ على حد قولهم.
يُذكر أن جملة الاستقطاع من العاملين شهرياً إضافة لإيجار الدكاكين وعمارة كنانة الواقعة بسوق ربك يبلغ أكثر من مليار ومائة ألف جنيه شهرياً تذهب كلها لخزينة النقابة.
انتقادات حادة للعضو المنتدب
صوّبت قطاعات واسعة من العاملين استطلعتهم (الصيحة) بموقع مشروع كنانة نهار الأمس نقداً حاداً للعضو المنتدب لتوقيعه اتفاقاً لا يعود بالفائدة عليهم ولا يخاطب مطالبهم التي خرجوا من أجلها ـ على حد قولهم ـ إذ لم تذكر فيه زيادة الرواتب والعلاوات والخدمات والامتيازات العمالية، إضافة إلى تناقض جلي مارسه العضو المنتدب فيما يلي تحصين القرار الإداري في كنانة، حيث أشاروا إلى رفض الإدارة لقرار الوزير الخاص بغعادة المفصولين من خلال مجلس الإدارة لعدم اختصاص الوزير، ولكونه يمثل عضواً عادياً بالمجلس لا ترجيح لصوته ولا يملك سلطة اتخاذ القرار منفرداً، لكن العضو المنتدب عاد وقبل قرار ذات الوزير بإلغاء العقوبات والخصومات المالية الموقعة من إدارة الشركة على العاملين للغياب عن العمل دون إذن في تناقض كبير يمهد لسيطرة الوزير على القرار الإداري بالشركة.
المفصولون.. ضاعت قضيتهم
ظل المفصولون بمثابة الدينمو المحرك للاعتصام وتصدرت إعادتهم مطالبه، بل وكل التأييد السياسي الذي حظي به كان بجهدهم المباشر وأحزابهم، اتخذت قضيتهم وضعاً مميزاً متصدرة القضايا الكنانية عندما أصدر وزير الصناعة قراراً بإعادتهم لكن مجلس إدارة كنانة رفض القرار ووجه الإدارة التنفيذية بعدم تنفيذه، المفصولون بعد 33 يوماً فى صيوان الاعتصام كأنما صاموا وأفطروا على بصلة، حيث تعالت أصواتهم الناقدة والرافضة للاتفاق الأخير داعين لاستمرار الاعتصام تحقيقاً لجميع المطالب المرفوعة أبرزها إعادتهم لوظائفهم وإقالة العضو المنتدب ونائبه، وهي مطالب تغاضى عنها الاتفاق بشكل يكشف عن صفقة جرت في الخفاء ومقايضة لبعض المطالب بتحقيق بعضها وهو ما عدّه بعض المفصولين (بيعاً) لقضيتهم، مشيرين إلى أن تكوين لجنة خاصة يعني أنهم أزيحوا عن قائمة المطالب وتم بيع قضيتهم ومقايضتها باستحقاقات وامتيازات مادية للنقابة.
سباق الأحزاب.. الأمة الأول
لدواعٍ سياسية واستحقاق انتخابي لاحق، تبارت الأحزاب السياسية في استغلال اعتصام العاملين بكنانة من خلال الدعم المادي والسياسي، أغلب قيادات ورموز الأحزاب من أقصى اليمين إلى اليسار سجلت حضوراً في ساحة الاعتصام مؤيدة ومباركة وداعمة، تشكيل لجنة تسيير النقابة الأول جاء مُقصِياً لكوادر حزب الأمة القومي، حيث أزيحوا من المشهد مع غلبة لحزب المؤتمرالسوداني والجمهوريين والشيوعي، حزب الأمة استغل وجود والٍ ينتمي إليه في الوصول إلى اتفاق مع الإدارة دفعها للاعتراف بلجنة التسيير الجديدة التي ضمت في عضويتها أغلبية لحزب الأمة “14” عضواً مقابل “24” للأحزاب الأخرى مجتمعة، ويتطلع الحزب لحيازة مقاعد الضباط الثلاثة مُزيحاً قائد الاعتصام محمد إبراهيم رئيس لجنة التسيير الملغاة من مقعد الرئاسة لصالح آخر من حزب الأمة.
مراقبون يرون أن الأحزاب تسعى في الحصول على قيادة النقابات بالتعيبن للامتيازات المالية، إضافة إلى فرصة ترتيب القواعد لأول انتخابات نقابية بعد أربعة أشهر هي أجل اللجان التسييرية، لذلك سعى والي النيل الأبيض لهذا الاتفاق حتى يضمن صعود قيادات حزبه لقيادة نقابة مؤسسة اقتصادية غنية ككنانة تمهيداً لانتخابات يحوزون فيها الأغلبية حسبما هو سائد في النيل الأبيض مزاحمين أحزاب اليسار التي تعتمد على التعيين لضعف قواعدها ولتمدد حزب الأمة أفقياً في الولاية.
سيناريوهات الأيام المقبلة
يتوقع المراقبون انفجار الأوضاع مجدداً وعدم فض الاعتصام وحتى إذ تم فضه سلمياً لربما تقوم اعتصامات أخرى، فهناك خمسة آلاف عامل يمثلون الأغلبية الصامتة أعلنوا رفضهم لاستقطاع أي مبلغ من مرتباتهم لصالح النقابة، وبدأوا تشكيل نواة لعمل نقابي مناوئ بتنظيم وقفة احتجاجية أمام بوابة المصنع إضافة إلى طعن قدمته لجنة تصحيح مسار النقابة ضد قرار لجنة التمكين بتشكيل لجنة تسييرية للنقابة، إضافة إلى 700 عامل ينتمون لحركة عبد الواحد لهم توجهات ورأي مختلف عن الجميع، وهي قوى حديثة تشكلت على أساس إثني كسابقة في تاريخ كنانة ربما تكون لها كلمة وموقف منفصل، إذ يتفق الأغلبية على أن ما تم لا يحقق للعاملين بكنانة مصلحة أو غاية ولم يخاطب قضاياهم ومشاكلهم، لذلك هم في حِلٍّ عنه، بينما ترى النقابة أنه حل مُرضٍ للجميع يعيد الاستقرار للمشروع بعد رفع الإضراب أمس الإثنين.