مباحثات أبوظبي.. ما خفي أعظم!
تقرير/ مريم أبشر
عاد إلى الخرطوم ظهر أمس الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي قادماً من دولة الإمارات العربية المتحدة بعد أن قاد وفد السودان في مباحثات مع الجانب الأمريكي استغرقت ثلاثة أيام. وحسب تصريح رسمي من مجلس السيادة فإن المحادثات التي امتدت ليوم إضافي اتسمت بالجدية والصراحة وناقشت عدداً من القضايا ذات الاهتمام المشترك على رأسها قضية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والقيود الأخرى التي تفرضها الولايات المتحدة على المواطنين السودانيين مثل حرمان السودانيين من المشاركة في قرعة (اللوتري) وقانون سلام دارفور وغيرها. ونبه التصريح إلى أن المحادثات تطرقت أيضا لعدد من ملفات قضايا إقليمية مهمة في مقدمتها مستقبل السلام العربي الإسرائيلي، الذي يؤدي إلى استقرار المنطقة ويحفظ حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وفقاً لرؤية حل الدولتين، والدور الذي ينتظر أن يلعبه السودان في سبيل تحقيق هذا السلام و قال التصريح ان نتائج الزيارة والمباحثات التي جرت خلالها سيتم عرضها على أجهزة الحكم الانتقالي بغية مناقشتها والوصول الي رؤية مشتركة حولها تحقق مصالح وتطلعات الشعب السوداني. لكن مراقبين يرون أن المباحثات التي جرت ناقشت عددا من القضايا المهمة التي لم يكشف عنها الطرفان، مشيرين إلى أن التفاوض به قضايا مازالت خافية على كثير من المتهمين بالشأن السوداني والتي ستتكشف خلال الأيام القادمة.
شروط سودانية
تناقلت وسائل إعلام سودانية حسب مصادرها معلومات تمثل الشروط التي وضعها السودان على طاولة المفاوض الامريكي للموافقة عليها قبل مقابل موافقته على التطبيع. وقالت صحيفة السياسي السودانية إن الاتفاق جرى على منح السودان سبعة مليارات دولار ٣ مليارات نقدا وأربعة مساعدات عينية ولوجستية فضلا عن تسهيل حصول السودان على قروض ومنح من صندوق النقد والمانحين.
تل أبيب: اقترب التطبيع
أما الجانب الاسرائيلي الذى تتحمل واشنطن العبء الأكبر فب التفاوض نيابة عنه فقد بدا الأكثر ارتياحا لمخرجات مباحثات ابوظبي، فقد وصفت القناة 13 الإسرائيلية عقب انتهاء الجولة نتائج مباحثات السودان في أبوظبي بالايجابية للغاية وقالت بصيغة الثقة وفق المعطيات التي بحوزتها انه بات قريبا جدا سيكون هناك اتفاق تطبيع بين الخرطوم وتل أبيب.
سباق مع الزمن
ما بين تعثر وتمسك الخرطوم بشروطها دخلت مباحثات أبوظبي بين الخرطوم وواشنطن مرحلة جديدة، بعد أن أظهرت الولايات المتحدة ربطها بشكل مباشر بين التطبيع مع تل أبيب وإزالة اسم السودان من قائمة الارهاب وستدخل حكومة الفترة الانتقالية في حوارات مباشرة بين شقيها المدني والعسكري وحاضنتها السياسية في نقاش جدي للتوصل لرؤية مشتركة حول ما حملته حقيبة رئيس مجلس السيادي من حقائق حول حصيلة ماراثون 72 ساعة تفاوض بين وفد الحكومة والوفد الامريكي و الوساطة الاماراتية. ويرى مراقبون ان طرفي التفاوض (الخرطوم، واشنطن) في سباق حقيقي مع الزمن حيث تمثل الضائقة الاقتصادية الخانقة وما خلفته من أضرار السيول والأمطار وقبلها خسائر الإغلاق بسبب كورونا من معاناة جعلت الحكومة تطرق الابواب التي يمكن أن تخرجها من قائمة الارهاب الامريكية، تلك القائمة التي أغلقت كل مصادر التمويل العالمية في وجه السودان، فضلا عن حرمانه من مستحقاته في الحصول على التمويل من مؤسسات التمولية الدولية. وتسابق ادارة ترامب الزمن ايضا من أجل تحقيق مكاسب تعزز فوز الرئيس ترامب في نوفمبر القادم ولذلك، وفق متابعين، سعت للربط المحكم علنيا بعد أن كان يثار في الخفاء بين رفع اسم السودان من القائمة والتطبيع مع اسرائيل أسوة بالامارات والبحرين لتحقيق مشروع ترامب شرق الأوسطي للسلام.
تمرير الصفقة
خبير دبلوماسي اعتبر في حديثه لـ(الصيحة) أمس أن وصف نتائج المباحثات التي جرت في أبوظبي بأنها فشلت سيكون وصفا غير دقيق، سواء لجهة نتيجتها المتوقعة والخاصة برفع اسم السودان من قائمة دعم الإرهاب أو لجهة موضوع التطبيع مع إسرائيل، ويضيف: “لكن الذي أكدته هذه المباحثات دون ريب هو أن الإدارة الأمريكية تربط الموضوعين ببعضهما ربطا وثيقا”. ورجح أن يكون الجانب الأمريكي المدعوم إسرائيلياً قد منح الجانب السوداني فرصة أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر لترتيب وضعه وتمرير الصفقة، وان الجانب السوداني سيبدأ في عرض معالم الصفقة ونتائج المباحثات على أجهزة الحكم الانتقالي حسب ما جاء في البيان الذي صدر عن إعلام مجلس السيادة الانتقالي، وستنخرط قيادة الوفد خلال الأسبوعين القادمين في ترتيبات الإخراج لما تم الاتفاق عليه في هذه جولة أبوظبي. ولفت الخبير إلى انه خلال أسبوعين من الآن سيتم توقيع اتفاق السلام في جوبا، وأنه ستجرى وفقا لذلك تعديلات على تركيبة القوى الحاكمة على المستويين التنفيذي والسياسي (مجلسا السيادة والوزراء والحاضنة السياسية) وبناء على تلك التعديلات وعلى الشروحات المصاحبة للصفقة التي تم التوصل إليها في أبوظبي سيتم رفع اسم السودان من قائمة دعم الإرهاب وإقرار التطبيع مع إسرائيل.
توافق داخلي
أهمية حدوث توافق داخلي بين الحكومة بشقيها وحاضنتها السياسية حول أي خطوة تطبيع متوقعة مع اسرائيل اعتبرها أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الرحمن ابو خريس أمرا مهما، واعتبر في حديثه لـ(الصيحة) أمس عودة الوفد من أبو ظبي وإعلانه الدخول في مشاورات حول نتائج الجولة بالامر الجيد، خاصة وأن الجانب الامريكي يصر على الموافقة على ملفات معينة وربطه الرفع من القائمة بالتطبيع. ويرى خريس أن حرص الجانب الحكومي على رفع اسم السودان أولا قبل التطبيع يرجع للتجربة الماضية إبّان العهد السابق عندما وافق على فصل الجنوب ولم يحصل على أيٍّ من الوعود التي قطعتها أمريكا والمجتمع الدولي، لافتا إلى ان الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات ويمكن للرئيس القادم ان لم يحالف ترامب النجاح ان لا يفى بالوعود. ويعتقد ان رفع اسم السودان أولا وإزالة كل القيود أمر مهم قبل أي خطوة أخرى. وقال إن الحكومة الانتقالية ومن واقع الوضع الاقتصادي الذي تعيشه ليس لديها مانع في أن تطبّع لكنها تخشى من الشعب السوداني الذي لدى بعضه حساسية عالية في التعامل مع الملف الاسرائيلي بما في ذلك بعض قوى الحاضنة السياسية. ويرى أن التوافق وخلق رأي عام حول التطبيع مهم حتى لا تجد الحكومة نفسها في دوامة مظاهرات وموجة مقاومة داخلية من قبل المناهضين وبالتالي الرجوع لمربع الاضطراب الأمني وزيادة الكلفة السياسية والاقتصادية.