الطاهر ساتي يكتب : قُرْص تخدير ..!!
:: يوم الجمعة، وهي تحتفل باليوم الوطني لحماية المستهلك، قالت جمعية حماية المستهلك ( شعار الغالي متروك لا يزال سارياً وصالحاً)، وقد صدقت.. نعم، كان – ولا يزال وسيظل – هذا الشعار سار وصالح لكل مواطن سوداني، وفي كل الأزمنة والعهود، عسكرياً فيها نظام الحكم أو كان مدنياً، وسيَّان كلاهما في إشعال نار الغلاء في أسواق الناس بسياساتهما.. والمُدهش أن وزير التجارة والصناعة، الراعي الرسمي لجمعية حماية المستهلك، يدعم شعار (الغالي متروك)..!!
:: دعم وزير التجارة والصناعة لشعار (الغالي متروك)، يذكرني ببعض مواقف الرئيس اللليبي الراحل عمر القذافي، عليه رحمة الله.. عندماً أعلن شباب ليبيا عن ثورتهم ضده، خاطبهم بحماس: (وأنا راح أطلع معاكم، علشان نبني ليبيا)، وعندما اشتعلت الثورة، وفقد السيطرة عليها، خاطب الشعب: (النسوان تطلع ولادها والرجالة يطلعوا ولادهم، علشان نسيطر على ليبيا)، هذا غير الخطاب الشهير الذي نصح فيه شباب الثورة بالجلوس مع ابنه – سيف الإسلام – ليحل قضاياهم..!!
:: هكذا ظل عقل القذافي يحدثه بأنه جزء من غضب الشعب الليبي وثورته.. وكذلك الوزير مدني عباس، يظن بأنه جزء من الاحتجاج الشعبي ضد التُجار والحكومة وعجزها عن السيطرة على الأسواق.. فالشعار من وسائل التعبير الشعبي المراد بها مخاطبة السلطات والشركات بغضب، والسيد وزير التجارة، بحكم مسؤوليته عن إدارة حركة التجارة، جزء من السلطات التي تخاطبها جمعية حماية المستهلك والمواطن بهذا الشعار، فمن المدهش أن يظن نفسه جزءاً من الغضب الشعبي..!!
:: المهم، هذا الشعار غير مناسب في واقع الحال، لأن المراد تركها ليست سلعة أو ثلاث.. ولو نفذت الأسر نداء الجمعية، وقاطعت كل السلع ذات الأسعار الغالية، فإنها لن تشتري لأفرادها غير الأكفان ومستلزمات دفن الموتى.. فالموت جوعاً هو مصير السواد الأعظم في حال ترك كل ما هي غالية.. وناهيكم عن الكماليات، ومنها الفواكه طبعاً، بل حتى لقمة العيش التي تبقي المواطن على قيد الحياة أصبحت بمثابة الثريا التي لا يمكن لأهل الثرى الوصول إليها إلا بشق الأنفس..!!
:: والمؤسف، لا أحد يعلم إلى متى يتواصل مسلسل الفوضى؟.. ليس شهرياً أو أسبوعياً، بل يومياً تجد سعر السلعة قد ارتفع، وأحياناً تصدمك ثلاثة أسعار في اليوم.. ولم تعد هناك علاقة بين الدولار وأسعارالسلع، بدليل أن انخفاض سعر الدولار لا يتسبب في انخفاض أسعار سلع ارتفعت مع ارتفاع الدولار.. فالأسبوع قبل الماضي، بلغ سعر الدولار (270 جنيها)، فارتفعت أسعار السلع، وتوقف البيع، واليوم سعر الدولار (245 جنيها)، ولكن أسعار السلع لاتزال في محطة الاسبوع قبل الماضي.. لماذا هذا العبث..؟؟
:: أقراص التخدير التي من شاكلة هذا الشعار (الغالي متروك)، لم تعد مُجدية للتخدير.. فالراعي الرسمي لجمعية حماية المستهلك يتمدد جشع التجار ما لم يجد ظل السياسات التي تفتقر إلى الرقابة بنزاهة، وكذلك السياسات التي تديرها مراكز القوى التجارية الفاسدة، وليست مؤسسات الدولة.. ولا ترتفع أسعار السلع لا ترتفع، ولا تنخفض قيمة الانسان، إلا تحت ظلال سياسات (رزق اليوم باليوم) و (مركب على الله) التي ترسم مسارها منح الأجانب ومكرمات ما يسمونه بالأصدقاء، وليست دفة قيادة حكومة مسماة بحكومة الكفاءات..!!