حرفيون: إبراهيم غندور تغول على النادي ووضع يده على أراضيه لصالح اتحاد العمال
أم درمان: منال عبد الله
من التركات الثقيلة التي خلفتها الإنقاذ لحكومة الثورة هي التدمير الشامل لمشاريع قومية ومحلية ومجتمعية على حد سواء ابتداء بمشروع الجزيرة ومروراً وانتهاء بالكثير من المشاريع التي يعجز الحاسب الآلي عن حصرها وفقاً للأرقام التي اعتاد على التزود بها من قبل مستخدمه، والبلاغ الذي تنشر (الصيحة) حيثياته اليوم لا يقتصر الدمار على مبنى نادي العمال الوطنيين بأم درمان فحسب، بقدر ما أنه هدم ووأد لمشاريع خدمية مرتبطة بالتعليم والصحة والثقافة المجتمعية للعمال وشرائح الحرفيين بولاية الخرطوم كانت تعمل بالتمويل الذاتي.
حيز الوجود
أصبح نادي العمال الوطنيين بأم درمان في حيز الوجود بموجب منحة من مستر (برمبل) مفتش إنجليزي في العام ١٩٤٨ خص بها العمال الوطنيين بأم درمان آنذاك ومساحته ٤٤٠٠ متر مربع بحي العبابدة شرق ميدان الشهداء بأم درمان، وتم تشييد المباني الخاصة بالنادي في العام ١٩٥٢ بإشراف من المهندس عبد الرحمن عتباني والمقاول محمد عبد الكريم أبوالعلا، وتم تشييد سور النادي والمباني الأساسية فيه وتم تشييد النادي بالمساهمات التي كان النصيب الأكبر منها من الإمام عبد الرحمن المهدي وبقية الفئات الأخرى معظمهم تجار.
المشهد الآن
مقر النادي الذي أصبح في حيز الوجود بموجب منحة من المفتش الإنجليزي قبل أن ينال السودان استقلاله من الاستعمار البريطاني، بات جزء كبير منه حالياً بلاسور خارجي، وكشفت الجولة التي أجرتها (الصيحة) أمس بمقر نادي العمال الوطنيين عن أن جميع البوابات الخاصة بالمكاتب ودار فلاح لتطوير الأغنية الشعبية أوصدت أبوابها بـ(الطبل) الكبيرة بعدما هجرها الرواد، وفقدت اللافتات الإعلانية المرشدة على مكونات النادي معالمها تماماً بسبب عوامل التعرية الطبيعية من غبار وأمطار وغيرها، وأصبحت المساحة الكبرى من النادي مهجورة تماماً ومرتعاً للطيور والحيوانات الضالة.
التأسيس ومكوناته
علمت (الصيحة) أن أول لجنة تكونت للحرفيين والعاملين في مجال الصناعات الصغيرة بالنادي من التجار والنجارين والحدادين والترزية والميكانيكيين في ذات العام الذي شيد فيه النادي في العام١٩٥٢ والذي تولى رئاسته آنذاك بشير محمد أحمد، وباشر النادي عمله بإدارة مكونها الفعلي من الحرفيين، وأكد عدد من الحرفيين بأم درمان في إفاداتهم للصحيفة على أن النادي كان مكان تجمع لهم تحت مظلة واحدة تناقش فيه كل القضايا والمشكلات التي تعتريهم في العمل وتذليلها، وتلقى الكثيرون تعليمهم في فصول محو الأمية ومنهم من جلس لامتحانات الشهادة في أعوام سابقة ونجحوا وأدى ذلك إلى أن تم ترفيعهم في العمل بالمصانع المختلفة وأصبحوا قادة للعمل بعدد من المواقع، كما أوضح العمال أن النادي كان ساحة ومتنفساً لهم لكونه يجمع كافة أنواع الفنون المسرحية والغنائية والندوات الثقافية والسياسية المختلفة خلال فترة المساء.
أنشطة متعددة
بعبارات لا تخلو من الحسرة والألم على آمال وطموحات عريضة كان قد عقدها الحرفيون على نادي العمال الوطنيين بأم درمان(مبنى ومعنى) معتبرين أنه الجهة الرسمية التي تحفظ حقوقهم وتسعى لتطوير مجهوداتهم على الدوام، قال عبد الله هارون عبد الجبار سكرتير نادي العمال لـ(٢٧) عاماً في إفادات لـ(الصيحة) حول حقيقة ما حدث للنادي حتى بلغ به الأمر أن أصبح مهجوراً بلا (حياة)، أوضح أن النادي استمر في أداء الرسالة المنوطه به فيما يتعلق بقضايا الحرفيين بصورة عامة والندوات الثقافية الدينية والسياسية منذ نشأته وكان في حالة تطور دائم، في العام 1958 تم تشييد مدرسة لمحو الأمية لتعليم الكبار وساهمت المدرسة في تطوير الحرفيين وأصبحت مدرسة أساس، إلى جانب ذلك كان هنالك اهتمام بالرياضة.
حقيقة ما حدث
مضى سكرتير النادي عبد الله هارون في الحديث للصحيفة، وأوضح أنه منذ إنشاء النادي لم تتوقف أنشطته، عدا فترة انقلاب مايو والتي شهدت تكاثراً في النقابات وتم فيها توقيف الأنشطة (٦) أشهر، فيما أنه في فترة الرئيس النميري كانت تواترت أخبار عن بيع نادي العمال، وعندما استغاث الحرفيون طبقاً لحديث هارون بالأستاذ محمد جبارة الأمين العام للحزب الاتحادي الاشتراكي في ذلك الوقت اتصل بالرئيس الأسبق جعفر نميري وأحاطه علماً بالأمر، ورد عليه الأخير (ما في زول يتصرف في النادي)، وذكر أن النادي انتعشت فيه الأنشطة خلال فترة الديمقراطية الثالثة، وكان نقطة التقاء للدراميين والمسرحيين في مقدمتهم الراحل إسماعيل خورشيد وأبوقبوره والذين كانت تتم (بروفات) أعمالهم داخل نادي العمال.
مبيناً أنه تدهور وتراجعت أنشطته منذ أن رفد اتحاد نقابات عمال السودان النادي بلجنة، وضعت يدها عليه وأدخلت عناصر لا علاقة لها بالحرفيين ولإدارة قضاياهم، مما أدى لتراجع الأنشطة فيه وتدهوره، وذلك منذ السنة الثالثة لتولي حكومة الإنقاذ الحكم في البلاد، وقال: تركت العمل في السكرتارية وجميع طاقم الإدارة بالنادي كذلك بسبب المضايقات من الأجهزة الأمنية في العهد البائد وتضييق الخناق علينا لصالح لجنة اتحاد العمال، وأن النادي تعرض للانهيار وحتى المستندات والأوراق المهمة والإثاثات لا علم لنا بمكانها الآن، بعد الدمار الشامل الذي لحق بالنادي، مشيرًا إلى أنهم توقفوا عن العمل مرغمين وتوقف مشروع عمل الصيدلية والوحدة العلاجية التي بدأ التأسيس لعملها وكذلك المسرح وغيرها من المشاريع الهامة.
التدهور في الواقع
رصدت (الصيحة) الخراب الذي لحق بنادي العمال في سنوات الإنقاذ، واستنكر الحرفيون الذين استطلعتهم الصحيفة وجود الأكاديمية التي تم تشييدها من عدة طوابق اتهموا إبراهيم غندور رئيس اتحاد العمال الأسبق بالتغول على أراضي النادي واستغلالها لصالح الأكاديمية، وأوضحوا أنه تم هدم الفصول الخاصة بتعليم الكبار، وقالوا (حتى الطوب ما عارفين مشى وين)، وزادوا أن النادي أصبح مرتعاً للمشردين.
ذكرعدد ليس بالقليل من الحرفيين في حديثهم المستفيض (الصيحة) حول قضيتهم أن نادي العمال الوطنيين مكنهم من الحصول على سكن من خلال الخطة الفئوية معتبرين أنها من أهم المشاريع التي تم تنفيذها واستفادوا منها بأن كفل لهم النادي مأوى ما كان في استطاعتهم توفيره بحسب دخلهم المحدود، وكانوا يطمحون في المزيد من المشاريع التي تمكنهم من العيش الكريم على حد تعبيرهم.
مناشدة عامة
ناشدت إدارة نادي العمال الوطنيين عبر سكرتيرها عبد الله هارون وجميع الحرفيين بأم درمان الذين استنطقتهم الصيحة حول قضية النادي أعضاء مجلس السيادة ولجنة إزالة التمكين ووالي الخرطوم ومعتمد أم درمان إزالة الجور الذي وقع على النادي الذي التف حوله جميع الحرفيين والعمال بأم درمان من أجل تطورهم وتسخير سبل الحياة الكريمة وإعادة النادي إلى سيرته الأولى.