القليعة جنوب شندي .. هنا كانت قرية
مطالبة بتحديد احتياجات غذائية عاجلة للأطفال وكبار السن
تدمير مشروع “قنتو” الزراعي وخروج 1500 فدان من الموسم الشتوي
عرض: علي الصادق البصير
تفاوتت مشاهد المآسي المؤلمة من منطقة إلى أخرى إثر تضررها من كارثة فيضان هذا العام، إلا أن منطقة القليعاب، وهي مجموعة قرى تقع جنوب مدينة شندي بولاية نهر النيل، اختلفت عندها المأساة خاصة قرية القليعة الجامع والتي ابتلعها النيل ما بين الساعة الثانية صباحاً وحتى الساعة السابعة صباحاً، تحولت تلك القرية الوادعة إلى ركام بل تم محوها من خارطة الأرض، أكثر من 270 أسرة أصبحت بلا مأوى بعد أن فقدت كل شئ..
(الصيحة) زارت أهالي القلعة بموقع إيوائهم المؤقت ومن داخل مدرسة الأساس التي شيدها الهلال الاحمر الاماراتي، وتلمست الأوضاع هناك.
*مدرسة الإيواء
اتخذ معظم مواطني القرية مدرسة الهلال الاحمر الاماراتي معسكراً للإيواء فالمدرسة مشيدة بالمواد الثابتة، وتعتبر واحدة من المعالم العمرانية البارزة بالمنطقة، يقف عند بوابتها الكبيرة ثلاثة “دفارات”- سيارات شحن متوسطة- أحدها عليه أثاث منزلي من دواليب مهترئة وترابيز لا تقوى على حمل أي ضيافة، ملابس متناثرة وكل ذلك بفعل المياه التي غمرت المنطقة لأيام، وجعلت ذلك حطاماً.
أما “الدفاران” الآخران فقد وصلا محملان بمواد إغاثة ومشمعات ومواد إيواء وناموسيات قادمة ضمن مساعدات الهلال الأحمر الإماراتي، تزامن ذلك مع زيارة وفد الهلال الأحمر للمعسكر.
على ساحة المدرسة الخارجية تتبعثر هنا وهناك مجموعة من الأسِّرة والبنابر والاثاثات المنزلية، يطوف عليها مجموعة من الاطفال الذين آثروا المرح واللعب دون اكتراث لما هم فيه.. أما ممرات المدرسة فقد امتلأ جزء كبير منها بكبار السن والنساء، فالتهوية هنا أفضل من أي مكان آخر، فضلاً عن وجود خزاني مياه بالجهة الشمالية للمدرسة.
*اللجنة الإدراية
رئيس اللجنة الادارية للمتضررين حمزة محمد عوض الله، قال لـ(الصيحة): “إن ما حدث من فيضان لهذا العام كان غير متوقع لأنه غمر المنطقة بالكامل بالإضافة إلى كل المساحات الزراعية المقدرة بـ(1500) فدان، وهذه تعتبر خارج دائرة الانتاج لهذا الموسم مما يعني أننا خرجنا هذا العام من الموسم الشتوي، علماً بأن القرية تعتمد في معاشها بصورة أساسية على الزراعة، فالضرر الذي لحق بنا يحتاج لسنين حتى يتم جبره”.
وفي ما يختص بالكيفية التي داهمت بها مياه الفيضان قرية القليعة اتهم رئيس اللجنة الادارية سلطات المحلية بالتسبب في هلاك منازلهم وزراعتهم وقال: “متنفس القرية مساحة كبيرة جداً هي الأرض الزراعية ولا يمكن للفيضان أن يصلها إلا أن المحلية فتحت الجسر الواقي بعد تأثر شارع الاسفلت مما أدى لغمر كل المساحات المزروعة ووصل حتى منازل المواطنين وفعل بها ما فعل، وفي تقديرنا أنها كارثة كبيرة لأن القرية تم إخلاؤها بالكامل وتغيرت ملامحها بعد أن تحولت المباني إلى جزء من النيل الممتد، وبهذا الوضع فإن أي معالجات لا تصلح بعد ما حدث لأنه لا توجد مساحات للترس فالمسافة كبيرة ما بين المنطقة السكنية والزراعية ولو أن هناك جهة تبرعت لعمل حزام واقٍ للقرية فإنه لا يوجد له مكان”.
ويواصل حمزة حديثه ويقول: “تضررت حوالي 277 أسرة، فالدمار شامل وتم إخلائهم تماماً وحتى الخيم لم نجدها، ونأمل أن يتواصل الدعم فالمحلية لم تقدم لنا أي دعم ونشكر في الختام الذين وقفوا معنا وعلى رأسهم شركة “زادنا” التي دعمتنا بآليات، ونشكر قوات الدعم السريع والهلال الأحمر الإماراتي وعدداً من المنظمات والخيرين ولكنه قليل بالنسبة لحجم المتضررين”.
*غياب المحلية
عدد كبير من المواطنين حمَّل محلية جنوب شندي المسئولية التامة عما وقع من ضرر على أهالي القليعة، وقال بابكر حسين محمد مزارع بالمنطقة: “نحمد الله على كل حال فقد وقعت علينا محنة كبيرة ونرى أنها بفعل فاعل، فقد حرس أولادنا النيل من منطقة اسمها كلول حتى شندي إلا أن فيضان هذا العام وصل الطريق المسفلت، وتم فتحه مما أدى لدخول المياه لأراضينا الزراعية، وأخبرنا المحلية والمدير التنفيذي أننا على استعداد لردم الاسفلت حتى لا نتضرر إلا أنه تم فتحه على الأرض الزراعية بحجة حماية منازل المواطنين وتم إغراق حوالي 1500 فدان زراعي”. وفيما يتعلق بتحميل المحلية للمسئولية قال: “المدير التنفيذي ومهندس المحلية جاءوا بآليات في الثانية صباحا وتم تصريف مياه الفيضان على قرية القليعة الجامع وتم كسر الاسفلت وعادة لا يتم تنفيس الفيضان، بل يتم عمل تروس واقية وحبس المياه في موقعها وأهلنا يقولون (البحر ما بنفش)، أي يسد ولا يكسر، هذا العمل أنهى أولا كل مشروع “قنتتو” وهو مشروع بمليارات الجنيهات ولم يتوقف النيل عند المشروع بل غمر عددا كبيرا من قرى القليعاب وتأثر ما لا يقل عن 500 منزل”.
وبالنسبة لأوضاع المواطنين في مخيم المدرسة قال: “هذا المعسكر فيه أسر وبالمدرسة الأخرى مجموعة ثانية من الأسر، وبعضهم لجأ لأهله بقرى أخرى، فأوضاعهم صعبة جدا ومنهم من فقد منزله بعد حصاد عمره كله في البناء، ولنا أن نشكر الإخوة الإماراتيين لوقفتهم الطيبة والصادقة معنا ومدنا باحتياجات ضرورية من غذاء ومخيمات وناموسيات وهذا ديدنهم، ونشكر كل الذين وقفوا معنا في هذه المحنة”.
* إحباطٌ ورجاء
أطلقت المواطنة ريم عبد الرحيم -أم لأطفال- نداءً عاجلا لكل الخيرين والمنظمات العاملة في مجال الانسانية وقالت لـ(الصيحة): “إننا محبطون جداً للغياب الرسمي لمؤسسات الدولة والمحلية التي سجلت غيابا تامّا لكن الحمد لله وقفت معنا منظمات إنسانية وخيرية”. وقالت: “المأساة كبيرة، تدمرت منازلنا بالكامل، وأصبحنا مشردين، وما شاهدناه من مياه تغمر منطقتنا لا أظنه يجف قريباً، وليت المحلية ضحت بعدد محدود من المنازل لعمل مصرف إلا أنها أزالت المحبس والنتيجة أنه الآن لا يوجد بالقرية أي مواطن فالإخلاء كان بالكامل، والقرية تم محوها من الوجود ولا يمكن معرفة مكان منزلك إلا بشجرة نبتت في وقت سابق”.
الحاجة منى محمد أبو زيد تقول إنها خرجت من منزلها بثوبها فقط! وتحمد الله على كل حال، وقالت: “نحن كبار سن نعاني في المخيم من كثرة البعوض وحياتنا كلها (جاطت)”. وقالت: “رغم ما ألمّ بنا من مصيبة إلا أني أشعر بالارتياح فقد وجدت بناتي وجاراتي وأحبتي حولي، لم أحتَجْ إلى أي شئ فهن يساعدْنَني في كل أموري سواء للذهاب للحمام أو الأكل أو الشرب، أنا وأخواتي كبار السن نعاني معاناة يعلم بها الله وحده وهو حسبنا ونعم الوكيل”.
وأضافت خالدة بلال عبد الله، من المتضررين: “بالمعسكر عدد من كبار السن والأطفال والحوامل ولا توجد أي رعاية طبية فالتغذية عادية وهو المتاح من الإعانات والمساعدات، فالأطفال وكبار السن والحوامل يعلم الجميع أن لهم احتياج غذائي معين، خاصة الفيتامينات والكالسيوم، ومعلوم أن فقدان هذه العناصر وغيرها يؤدي لفقر الدم لذلك عبركم ننوه إلى هذه المسألة، وأنبه لمسألة أخرى أن السكن في المدرسة بهذه الطريقة المختلطة يسبب للنساء الكثير من الحرج كما يسببه للرجال أيضاً فتصبح الضغوط مضاعفة مع الماسأة الأصل، لذلك نناشد المسئولين بمراعاة ذلك”.