تقرير: عبد الله عبد الرحيم
رغم مرور عام على الثورة، وتحالف قوى الحرية والتغيير الذي تسلم كل الملفات المختصة بالسلطات في البلاد عبر الحكومة الانتقالية، والذي يعتبر حاضنتها السياسية، شهدت معه الانتقالية كثرة المنعرجات والانحناءات شديدة الانحدار السياسي والاقتصادي، لكن يبقى أن الشعور بعدم الرضا حالة انتابت الحاضنة السياسية (الحرية والتغيير) جراء أدائها المتواضع، وقد بدت حالة عامة امتلكت المشهد السياسي حتى وسط القوى المكونة لهذا التحالف نفسه، وبدأ استمرار أزمات البلد واستفحالها دون أن تنحسر خلفها حاجة الناس من رخاء المعيشة ومعالجة الأزمة الاقتصادية التي كانت سبباً رئيساً في خروج الشعب السوداني للشوارع واندلاع الثورة، والمُتمثلة في الخُبز، الدواء والمُواصلات، هو الأمر الذي أدى إلى هذا الشعور بعدم الرضا وسط تلك القوى السياسية المكونة للحاضة السياسية للحرية والتغيير.
وتوالت دعاوى التغيير أو الخروج لتشكيل حواضن سياسية أخرى للحكومة كحالة تعبيرية عن عدم الرضا السائدة وسط هذه القوى بفاعلية هذا التحالف، فهل سينصلح حال هذا التحالف أم إن حالة عدم الرضا والسخط سيعصفان بالحرية والتغيير ويبدلان مكانها بحاضنة سياسية أكثر قدرة على العطاء والكفاءة، وقد تنادت بذلك قوى هذا التحالف نفسه؟.
مأزق سياسي
قِوى الحرية والتغيير التحالف الحاكم والحاضن السياسي للحكومة الانتقالية، يرى سياسيون ومراقبون أن تدخُّلهم في العمل التنفيذي بحجمه الحالي خطأ كبيرٌ يشير إلى أن الحكومة غير قادرة على إنجاز أية خطوة دون الرجوع إليها كحاضنة سياسية، وعاجزة حتى في التعبير عن نفسها، وعن برامجها وخطواتها التنفيذية والبرامجية. وطبقاً لذلك فإن المراقبين يرون أن هذه القوى أدخلت الحكومة في مأزق سياسي بمعاداة القوى السياسية الأخرى التي حسب الحرية و التغيير قوى رجعية، وهو ما أدى إلى هذا التشظي الخطير الذي قاد لهذا الوضع المأزوم اقتصادياً وسياسياً، بينما يؤكد سياسيون من الطرف الذي تحاربه الحرية والتغيير أن المسؤولية جسيمة وكبيرة ولا تستطيع قوى الحرية والتغيير حملها، وذلك لجهة أنها قوى لا وزن لها في الساحة السياسية.
معالجات إسعافية
فيما يرى د. السر محمد علي أستاذ العلوم السياسية لـ(الصيحة،) أنّ قوى الحرية والتغيير إذا ما ركزت على الجوانب المهمة التي كانت سبباً مباشراً في تفجّر الثورة الشعبية السودانية ضد نظام الإنقاذ كان مقدراً للحكومة الانتقالية أن تعبُر لبر الأمان خلال الفترة التي اعتلت فيها منصة الحكم في السودان، لجهة أنها الجناح السياسي والمُعبّر عن الحكومة أمام الساحة السياسية.
وقال السر إن التركيز على إصلاح الواقع الاقتصادي السوداني وتحسين معاش الناس يعتبر من الضرورات الإجبارية للحكومة الانتقالية، بيد أنّ مُعالجة هذه الأمور لم تتم ولم تُكثِّف الحكومة جُهُودها لوضع مُعالجات إسعافية طارئة وعاجلة لهذا الوضع الخرِب، ولم تكن هناك استجابة سريعة لحل الأزمات القائمة، عدا جهودها في مسار السلام والذي حتى يومنا هذا غير مكتمل ومنقوص الجوانب بخروج اثنين من أهم القيادات السياسية عنه وهما عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية شمال، والأستاذ عبد الواحد محمد النور رئيس جيش وحركة تحرير السودان المعارض والمقيم بباريس، وتل أبيب.
لذلك كله يشير السر إلى أن عدم الرضا بهذه الظروف التي لم تتغير دفع العديد من القوى السياسية المهمة داخل هذا التحالف إلى السعي بجد لتغيير الحاضنة السياسية للحكومة كتعبير عن عدم الرضا عن الأداء العام لقوى التغيير.
عجز سياسي
ويشير د. أبوبكر آدم المحلل السياسي والخبير الأكاديمي في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن الصراعات التي طرأت أثناء تشكيل قوى الحرية والتغيير وخروج قوى مهمة من التحالف القائم على تآلف كتل لم تكن منسقة فيما بينها، ولم يكن هناك توافق أو تآلف أساساً، وزاد: رغم مرور عام على الحكومة الانتقالية والثورة، إلا أن قوى الحرية والتغيير لم يكن لهم جسم مركزي مشترك يعبر عنهم، وقد توالت عملية الخلافات داخل الجسم، الشيء الذي دفع بمغادرة تجمع المهنيين السودانيين لهذا الصف وسعى لتكوين تحالفات جديدة مع الحركة الشعبية، وتأزيم الموقف بخروج بقية القوى السياسية عنه عدا الحزب الشيوعي الذي سعى مواصلاً في مناكفته للتجمع بتأكيداته أن التحالف فشل في تكوين حاضنة سياسية راشدة وقوية ومعبرة عن تطلعات الجماهير والشعب، وليقود الحكومة الانتقالية نحو المرامي الحقيقية للثورة الشبابية التي أطاحت بحكومة الاسلاميين.
بينما يرى أستاذ العلوم السياسة والمحلل السياسي د. عبد الرحمن أبو خريس في حديثه لـ(الصيحة) أن عدم الرضا عن أداء قوى الحرية والتغيير هو الذي دفع الشيوعى ليعقد اتفاقاً مع الحلو ليخرج عن أن الحزب فاعل وليس كما تراه بقية قوى الحرية والتغيير الذي أراد الحزب أن ينفض يده عنها.
وعزا أبو خريس ذلك، لاعتبار أن الشيوعى لا يمثل الحكومة الانتقالية ولا يملك القرار السياسى بين قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة، وأنه بدأ يبتعد عنها ورافض لمنهجها. وبحسب تلك الإشارات فإن هذه الخطوات تشير بقوة لخطوة تفكيك قوى الحرية والتغيير التي تكونت من أحزاب كبيرة الشيوعي والأمة، ولكنهما أعلنا عن رغبة حقيقية في الخروج عن دائرة الحرية والتغيير الضيقة والسعي لتكوين حاضنة جديدة لحكومة الثورة، ليضيف: إن الشيوعي يريد أن يطرح نفسه للرأي العام بأنه حزب فاعل وقوة معتبرة لتعزيز وجوده، ويمكن أن يؤثر على قوى الحرية والتغيير فضلاً عن محاولته البعث برسالة وهي أن الحزب الشيوعي يلعب دوراً مكملاً للحكومة الانتقالية.