:: ومن وقائع عهد الرئيس الراحل نميري، عندما شرعت محاكم العدالة الناجزة في (قطع الأيدي)، كان بطرف البعض فلنكات وأعمدة تلفونات قديمة، وكانوا قد جمعوها من الشوارع بعد إحلالها بفلنكات وأعمدة جديدة، واستخدموها في سقوفات منازلهم وحظائرهم.. ورغم أنها غير صالحة للاستخدام، سارعوا إلى تفكيك سقوفات منازلهم وحظائرهم، وإرجاع الفلنكات والأعمدة إلى حيث كانت، أي إلى الشوارع.. فعلوا ذلك خوفاً من محاكم نميري، وليس توبة لله..!!
:: قوة القانون هي التي تُكسب السلطات هيبتها والمجتمعات أمنها.. وما لم يكن القانون قوياً ومقدساً، وما لم يكن تنفيذه يتميز بالدقة والسرعة، لن يسلم المجتمع من المخاطر.. وللأسف، كما أن خُطى العدالة في بلادنا (سُلحفائية)، فإن القوانين أيضاً في بلادنا تقبل القسمة على ( الخيار و الفقوس)، بحيث يعدل مع أحدهم ويغفل عن الآخر.. وبعد الثورة كان الظن بأن تكون العدالة ناجزة، وأن يكون القانون قوياً ومقدساً، ولكن (لا جديد) ..!!
:: والشاهد أن بشوارع الخرطوم وبعض المدن ظاهرة جديدة وخطيرة.. بين الحين والآخر، تتفاجأ بصرخة فتاة أو امرأة، ثم تكتشف بأنها تعرضت لعملية نهب في وضح النهار، وأمام المارة والسيارة، من قبل شباب وصبيان يصفهم البعض بـ(النقرز)، والبعض الآخر بـ(الشماشة).. وأيَّاً كان المسمى فإنهم يترصدون البنات والنساء لخطف حقائبهن أو هواتفهن، ثم يهربون تاركين الضحية في بحر الصدمة ونهر الدموع ..!!
:: فالسرقات ليست بدعة بالخرطوم، ولكن خطف الحقائب والهواتف في وضح النهار، ظاهرة لم تكن تشكل حركة الحياة بالخرطوم وغيرها من مدن السودان.. ماذا حدث لهذا المجتمع لتطل هذه الظاهرة، بكل هذه الكثافة؟، ولحد إطلاق الشرطة حملة (البرق الخاطف).؟.. ثم، بشوارع الخرطوم، عند تقطاعاتها، عندما تقف العربات بأمر الإشارة الحمراء، يتفاجأ البعض بصبيان يفتحون أبواب العربة ثم يخطفون الهاتف أو الحقيبة ويهربون في (الاتجاه المعاكس)..!!
:: ومن الواقائع، قصدت قسم الخرطوم وسط مع صديق تعرض لهذه الظاهرة وفقد جواله.. وقبل أن يفتح البلاغ فاجأه أحدهم سائلاً: (بالله ثبتوكم؟)، فصرف النظر عن البلاغ واحتسب هاتفه.. ولاحقاً، عرفنا بأن ظاهرة فتح باب العربة وخطف ما بالعربة و الهروب في الاتجاه المعاكس قد تفشت في شوارع الخرطوم لحد تعريفها بـ (التثبيت).. هذه الظاهرة أيضاً، كما الظاهرة السابقة، لم تكن بهذه الكثافة في شوارع الخرطوم؟؟
:: ومع تقوية وتفعيل القانون، يجب التفكير في الحلول الجذرية.. وعلى سبيل المثال، بعد التوقيع على نيفاشا، لم يأتِ الدكتور جون قرنق إلى الخرطوم بالخطب السياسية ولا بروح الانتقام واللهج بالروح الثورية، ولكن سبقت قرنق إلى الخرطوم شعارات سامية كانت – ولا تزال – بمثابة غايات أهل السودان جميعاً، ومنها الشعار الأشهر (نقل المدينة إلى الريف)، أو هكذا اختصر قرنق أفكاره السياسية والاقتصادية بحيث يكون الاختصار مفهوماً وواضحاً..!!
:: نقل المدينة إلى الريف هو توفير مناخ الإنتاج بالأرياف بحيث لا تنزح الملايين من السواعد القابضة على المعاول والمحراث إلى الخرطوم – وغيرها من المدن – لتتسول في الطرقات، أو لتتاجر في سوق الدولار، أو لتعكّر صفو الأمن والسلام بمثل هذه الظواهر.. ثم إن نقل المدينة إلى الريف هو إحكام العدل والمساواة في توزيع الخدمات، بحيث لا تتوافد الملايين – إلى الخرطوم وغيرها – بحثاً عن العلاج والتعليم والعمل.. وحين لا تجد، تفعل (ما تشاء)..!!