:: ليس فقط فشل الأنظمة وعجزها عن التخطيط والتنفيذ، فالمجتمعات أيضاً تساهم في صناعة الكوارث.. وعلى سبيل المثال، نقرأ هذا الخبر: (وجهت وزارة التخطيط العمراني بالخرطوم أجهزتها بتسريع إجراءات الخطة الاسكانية لترحيل سكان منطقة ود رملي الذين ظلوا يتأثرون بالفيضان سنوياً، وناشدت الوزارة المواطنين السكن في الموقع الجديد تفادياً للفيضان، و أكدت الوزارة المضي قدماً في مشروع تخطيط القرى المطلة على ضفاف النيل والتي تأثرت بالفيضان).
:: سنوياً، تغرق ود رملي وغيرها، وتتحدث السلطات عن إعادة توطين السكان في مناطق أخرى بعيداً عن مخاطر الفيضان والسيول، ولكن الغرقى يرفضون الرحيل، ثم يعيدون بناء منازلهم في ذات البحيرات بعد جفافها أو في ذات مجرى السيل.. هكذا حال الأنظمة مع السواد الأعظم من أهل الجُزر والمناطق التي يغرقها الفيضان أو تجرفها السيول.. يرفضون تغيير أنماط وأماكن حياتهم نحو الأفضل، بحيث لا تتعرض الأنفس والممتلكات للمخاطر ..!!
:: وليس في أمرهم عجب، فالانسان دائما ما يكون على قناعة بأن تطوير حياته نحو الأفضل بحاجة إلى إحداث (تغيير ما).. ومع ذلك، أي رغم قناعاته بجدوى التغيير، يظل أسيراً لما تعود عليه، أي يخشي التغيير ويرفضه.. فالعقل الباطني للإنسان دائما ما يحدثه بأن التغيير قد يفشل ويسبب له المتاعب.. وتحت وطأة هذا التفكير السلبي، يقاوم التغيير ويُبقي على حياته – كما هي – بلا تطوير.. هكذا عقول السواد الأعظم من الناس، الرغبة في التغيير والخوف منه..!!
:: وهذه الفيضانات والسيول والأمطار لن تكون محض حدث عابر، بحيث نصرخ ونستجدي هذا العام ثم نواصل حياتنا بمنتهى اللامبالاة، أو كما يحدث سنوياً.. ما يحدث ليس محض حدث عابر، فالمنطقة كلها – بما فيها بلادنا- تشهد تغيُّراً مناخياً منذ سنوات، وعلينا – كمجتمع وسلطات – تكييف حياتنا بحيث تواكب المتغيرات المناخية، كما تفعل المجتمعات والأنظمة الواعية.. فالطبيعة لا تُقاوم، ولكن يمكن ترويضها، وهذا الترويض يعني المواكبة.. !!
:: فالإقليم الشمالي، كان محروماً من الأمطار قبل عقود، ولكنه اليوم لم يعد يختلف – من حيث التأثير بالأمطار والسيول – عن أقاليم السودان الأخرى، وهذا من مؤشرات التغيُّر المناخي، ولكن من يعي ؟.. والتغيُّرات المناخية من القضايا الاستراتيجية التي تضعها الدول في قائمة الأولويات، وذلك لعلاقتها باقتصاد الدول وصحة الشعوب.. وما لم تواكب المجتمعات – تخطيطاً وتنفيذاً – هذه التغييرات المناخية، يصبح الحال العام (ميتة وخراب ديار)، وهذا ما يحدث بالجزيرة والنيل الأبيض وغيرها..!!
:: والتجربة الجديرة بالتأمل هي نجاح نمط حياة أهل القضارف في ترويض السيول والأمطار.. نعم، لا تسمع لأهل القضارف عويلاً وصراخاً في موسم الخريف، لأنهم ما بين الأسمنت والقطاطي تقاسموا (الوقاية الجيّدة).. وكذلك نمط حياة الأهل بدارفور و كردفان، ولا أعني سكان المدن التي تعاني سوء التخطيط، بل الأرياف الشاسعة – ذات المساكن والمزارع – التي تحتفي بالأمطار و السيول، و لا تهابها أو تلطم الخدود وتشق الجيوب في الخريف ..!!
:: الوقاية خير من العلاج والعويل.. فالكثير من المجتمعات بحاجة إلى تغيير جوهري في نمط الحياة ليواكب التغيُّر المناخي.. بيوت الطين لم تعد تقاوم التغيُّر المناخي الذي يشهده السودان،وكذلك المجاري وتصاريف المياه بالمدن لم تعد ترفاً.. وعليه، يبقى السؤال، ماذا على المجتمعات أن تفعل لتُغيِّر نمط حياتها بحيث لا تتضرر بالسيول والأمطار؟ أي كيف يُمكن لهذه المجتمعات ترويض الطبيعة؟.. فالإجابة بطرف الحكومة وتخطيطها الاستراتيجي.. هذا ما لم نكن مجرد (لمة ناس) على قطعة أرض، ولسنا دولة..!!