كارثة الفيضان.. تحدٍّ جديد أمام الانتقالية!
تقرير / نجدة بشارة
في سابقة أعتبرت الأولى من نوعها في السودان أعلن مجلس الأمن والدفاع البلاد “منطقة كوارث طبيعية”، كما أعلن عن حالة الطوارئ في أرجاء البلاد كافة لمدة 3 أشهر، بسبب السيول والفيضانات التي ضربت البلاد، وبحسب وزارة الري والموارد المائية فان فيضانات هذا العام غير مسبوقة منذ مايقارب قرن من الزمان، مشيرين إلى أن فيضان هذا العام أدى لخسائر مفجعة وموجعة في الأرواح والممتلكات، كما تجاوزت معدلات الفيضانات والأمطار لهذا العام الأرقام القياسية التي رصدت خلال الفترة ما بين 1946 وحتى 1988 مع توقعات باستمرار مؤشرات الارتفاع. بالمقابل اعتبر عدد من الخبراء أن الوقت مازال مبكرا لإعلان البلاد كمنطقة كوارث؛ خاصة وان العرف العالمي إن إعلان الكوارث يستدعي وقوع أضرار بالغة بالدول المعلنة وان تصل نسبة الضرر والخسائر إلى ما يقارب 85%؛ لكوارث الحروب و58% للفيضانات بالمقابل تساءل متابعون عن دواعي إعلان حالة الطوارئ بسبب الفيضانات هل هي بيئية أم سياسية؟ وهل يستوجب السودان إعلانه كمنطقة كوارث طبيعية؟ وماهي العواقب والخطورة من الاعلان ؟ كل هذه الاسئلة وأخرى سنجيب عليها في هذا التقرير.
ما وراء الحدث
مع نهاية الخريف الماضي، شهد السودان موجة أمطار غزيرة للغاية في الهضبة الإثيوبية والتي أدت لفيضانات كبيرة وانزلاقات أرضية بدأت بآخر يوليو 2020، ليخرج النيل الأزرق عند ولاية سنار عن السيطرة ويزيل قرى بالكامل، ويغمر أحياء واسعة من مدينة سنجة، التي تبعد نحو 250 كيلومترا عن الحدود السودانية الإثيوبية.
وانعكس أيضا على مناطق أخرى كالجزيرة والخرطوم التي سجل فيها المنسوب صباح الخميس الماضي، 17.58 مترا وهو يعتبر أعلى مستوى على الإطلاق، ليصبح الوضع “حرجا للغاية” في ظل استقرار مناسيب نهر النيل عند أعلى مستوى منذ أكثر من 100 عام، وفقا لتصريح سابق لمدير إدارة المياه بوزارة الري السودانية عبدالرحمن صغيرون، فيما بلغ عدد ضحايا السيول وفيضان النيل، منذ بداية فصل الخريف لعام 2020، إلى 94 وفاة، و46 مصابا، فيما انهار 20 ألفا و975 منزلا بشكل كلي، و37 ألفا و516 منزلا بشكل جزئي، في 16 ولاية، بحسب آخر تقرير للمجلس القومي للدفاع المدني بالسودان.
خطورة وعواقب الإعلان
ورغم الإحصائيات المذكورة إلا أن الخبير في مجال الكوارث ومدير الإدارة العامة للدفاع المدني سابقا الفريق هاشم حسين عبد المجيد، استنكر في حديثه لـ(الصيحة) إعلان السودان منطقة كوارث طبيعية وقال إن الإعلان يمثل خطورة كبيرة على البلاد من حيث فتح الباب للتدخلات الأجنبية وأردف: “لم تصل الاضرار من الفيضانات الحالية ولا لنسبة ١% من النسب التي تضطر حيالها الدول المنكوبة لاعلان نفسها كمنطقة كوارث”. وقال: “عملنا من قبل في الدفاع المدني على معالجة أضرار أكثر بكثير للفيضانات من الذي حدث الآن”. وقال: “إن الدولة قادرة على إعادة تأهيل وإعمار ما أحدثته هذه الفيضانات بتضافر الجهد الرسمي والاستنفار الشعبي وهذا يعد أفضل من استدعاء الدعومات الخارجية وفتح المجال أمام الإغاثات”. ويرى عبد المجيد أن الفيضانات ربما تختلف من السيول من حيث أن وزارة الري تضع دراسات مسبقة وتحذر من أي زيادة في معدلات ومناسيب النيل مما يشكل إنذار مبكر للقاطنين بجانب النيل أو على مجاري المياه وأكد أن هذه أول سابقة للسودان في إعلانه كمنطقة كوارث طبيعية ولم يحدث من قبل أن أعلن كمنطقة موبوءة.
دواعي الإعلان
بالمقابل قلل الخبير الاستراتيجي والمتخصص في شأن المياه، شرف الدين أحمد حمزة في حديثه لـ(الصيحة) من إعلان الطوارئ بسبب الفيضانات وقال: لا أرى أن الفيضانات الحالية وصلت إلى مرحلة إعلانها كحالة طوارئ أو تستدعي تصنيف البلاد كمنطقة كوارث لأن الكوارث تعلن في حالة الاضطرابات الكبيرة التي قد تمتد لدمار يصل 85% في الدول المعلن عنها، وكان يمكن أن يتم إعلان حالة الاستنفار الوطني على مستوى الدولة وهنالك مبادرات من قبل جهات وطنية تعمل الآن لتقديم المساعدة للمنكوبين، وبالتالي فهو يرى أن إعلان الطوارئ يبدو أقرب للدواعي السياسية أو الستار البيئي لأجندات سياسية. وتساءل حمزة على خلفية إعلان الحكومة الانتقالية لحالة الطوارئ وإعلان السودان منطقة كوارث، هل الإعلان من منظور بيئي أم قناعة لأجندات سياسية؟ أجاب بقوله: “في ظل الحراك السياسي وتوقيع الاتفاقيات مؤخراً خاصة فيما يلي التوقيع بين رئيس مجلس الوزراء د. حمدوك والحلو والقاضي بفصل الدين عن الدولة”. وفسر الخطوة بالهجمة المضادة أو استباق لأي حراك سياسي لأن الفريق أول البرهان سبق وقام بزيارة كافة المناطق المنكوبة ووجه بالدعم الكامل لهذه المناطق.
الصدى الخارجي
وفيما يتعلق بإعلان السودان منطقة منكوبة قال شرف الدين: “لا أعتقد أن الاعلان سيجد الصدى من قبل العالم الخارجي بالمردود الذي تتوقعه الحكومة، وذلك نسبة للظروف الاقتصادية التي ضربت العالم بسبب جائحة كورونا”. كما أن السودان سبق واختبر الأشقاء من الدول المجاورة ولم يجد حجم الدعم بالقدر المتوقع أو المطلوب. وشرح حمزة أن السودان على مر التاريخ لم يكن بعيدا عن الكوارث والفيضانات ولكن حسب القرائن والشواهد فإن فيضان هذا العام تجاوز المعدلات السابقة. ويسجل التاريخ وقائع مشابهة مازالت حكاياتها تروى على مر الأجيال، منها فيضان 1946م الذي ضرب الولاية الشمالية وألحق الدمار بالمنازل والمزارع مما أدى لنزوح الآلاف من سكان المنطقة إلى جمهورية مصر العربية. ثم كانت فيضانات 1977-1978م؛ وأيضا فيضان 1988م هذه الفيضانات تسمى بالمواسم المطيرة حيث يتزحزح فيها حزام المطر إلى امام المرتفعات الاثيوبية.
السودان منكوباً
وربما يتساءل مراقبون بقولهم: هل يستحق السودان أن يعلن كمنطقة كوارث؟.. حيث إن المناطق المنكوبة أو مناطق الكوارث هو مصطلح يطلق على أي منطقة جغرافية متضررة ضرراً بالغاً نتيجة إصابتها بكارثة طبيعية مثل إعصار أو زلزال أو فيضان أو غيرها. كما قد تكون قد أصيبت بكارثة صناعية أو نتيجة خطأ بشري مثل إشعاع نووي كما حدث في كارثة تشيرنوبل في الاتحاد السوفياتي السابق أوكرانيا حالياً. كما يمكن أن تصنف منطقة ما على أنها منطقة منكوبة بعد حادث بشري أو اجتماعي وتصنف الدول المتقدمة المناطق المنكوبة حسب حجم الاضرار والخسائر،التي تحدث في المنشآت والبنيات التحتية وحياة الإنسان والحيوان وتؤدي لأضرار جسيمة جراء كوارث طبيعية وفي حالة الفيضانات لابد أن تتجاوز الاضرار والخسائر نسبة %85 ليستدع اعلانها منطقة كوارث.
فوق العادة
وبخبرات ومعرفة أهل الإرصاد يقول الخبير بهيئة الارصاد ورئيس قسم التنبؤات، بروف محمد أحمد صباح الخير في حديثه لـ(الصيحة) إن الكوارث مركبة، جزء منها يتعلق بالسيول، وأخرى بالفيضانات وقال إن وزارة الري والدفاع المدني هي الجهات المخول لها تقييم حجم الأضرار ثم رفعها لمجلس الوزراء لإجراء اللازم. وأردف: “أرى أن هنالك انفلات كبير للنيل ينذر بما لا يحمد عقباه وهذا حسب متابعتنا، لذلك الوضع الآن فوق العادة”.