أثار بقاؤهم خارج الاتفاق القلق .. حركات خارج دائرة التوقيع!
تقرير: صلاح مختار
رغم أن الساحة المحلية والإقليمية والدولية جميعها تنشغل اليوم بالسلام المهم الذي يتم توقيعه بجوبا بين الجبهة الثورية والحكومة السودانية برعاية جوبا لينهي بذلك حرباً طويلة خلف وراءه الدمار والخراب والتشرد، ليعم السلام والاستقرار البلاد، والفرحة العارمة وسط الشعب السوداني بهذا الإنجاز إلا أن غياب بعض الحركات عن المسار خلف وراءه حزناً عميقاً وأسفاً يبدو على المشهد السياسي. ولعل من أبرز الفصائل المسلحة التي شاركت في مفاوضات السلام الجارية في جوبا، هي الحركة الشعبية فصيل مالك عقار، وحركة جيش تحرير السودان، بقيادة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، وعدد من الحركات المسلحة في دارفور. حيث انتهت المرحلة الأولى من التفاوض بالتوقيع مع الجبهة الثورية وحركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، لتبدأ مرحلة ثانية بالتفاوض مع الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد أحمد النور. ربما تلك حركات فصلت مساراتها عن الجبهة الثورية وفضلت التفاوض بمعزل عنها. بيد أن هنالك بوادر تمرد وخروج مفاجئ عن مسار مفاوضات السلام في جوبا بإعلان فصائل جديدة رفضها التوقيع على الاتفاق ورغم أن بعض المراقبين يقللون من حجمها وتأثيرها على السلام إلا أن البعض يرى أن التوقيع في ظل وجود حركات لم توقع يجعل من السلام الموقع عليه جزئياً.
تفاوض منفصل
ربما غياب حركة تحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو عن التوقيع يعتبر الأثر الأبرز في المشهد السياسي بجوبا، وسبق أن طرح الحلو مواقف تفاوضية في جوبا تسببت في إرباك المشهد بالداخل، حيث طالب بالعلمانية في مقابل الحكم الذاتي بيد أن الوساطة والوفد الحكومي استطاع تليين مواقفها وبات الطريق ممهدًا امام الوفدين للجلوس إلى طاولة التفاوض لبحث عملية السلام وفق أسس متفق عليها بعيداً عن المواقف التي تعيدها للمربع الأول.
سلام الداخل
حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور ظلت على الدوام متمسكة برأيها المخالف حول التفاوض في منبر جوبا، وأعلن ذلك في عدة مناسبات ودعا في تصريحات إلى نقل التفاوض لداخل البلاد، باعتبار أن الحركات وقوى الثورة جسم واحد ومشترك في الإطاحة بحكم الإنقاذ. ولم يركن عبد الواحد من قبل لتهديدات مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على الرافضين للسلام، حيث قال (تهديدات مجلس الأمن بفرض عقوبات على الرافضين لتوقيع سلام مع الحكومة لا تخيفنا ولن ترهبنا). وأبدى مجلس الأمن في قرار سابق اتخذه بالإجماع استعداده لإعادة النظر في فرض عقوبات محددة على الحركات المسلحة التي ترفض الانضمام إلى عملية السلام وتعرقل الجهود المبذولة لتحقيق السلام في دارفور)، غير أن الوساطة الجنوبية أكدت في تصريحات صحفية التواصل مع حركة تحرير السودان بعد الفراغ من التوقيع مع الجبهة الثورية وحركة مناوي، فيما اعتبر مراقبون أن خيار الرفض غير موجود وأن كل الحركات الرافضة للتوقيع الآن سوف توقع وأن قطار السلام بدأ وسيلحق به الآخرون.
أزمة جديدة
ورغم التأكيدات بالمضي قدماً في مفاوضات السلام بجوبا، إلا أن حركة جيش تحرير السودان قيادة الدكتور الريح محمود المنشقة عن حركة مناوي فاجأت الجميع وأعلنت في بيان رفضها الكامل لاتفاق جوبا المزمع توقيعه بالأحرف الأولى بمدينة جوبا اليوم بين حكومة الفترة الانتقالية السودانية وممثلي فصائل الجبهة الثورية السودانية، لجهة أن هذا الاتفاق يكرس تمكين أزمة جديدة في دارفور ولا يمثل أهل دارفور، بل يمثل فقط مصالح الموقعين عليه. كما أعلنوا مقاطعتهم لاحتفالات التوقيع، وقالت: لن نشارك فيها ولن نعترف بهذا الاتفاق، وأكدت أنها سوف تلجأ إلى تأسيس تحالف عريض مع كتل النازحين واللاجئين والتنظيمات التي تم إقصاؤها من المنبر لتشكيل رأي عام لرفض سلام الغنائم كما سمّته. وأكدت طبقاً لبيان ممهور بتوقيع الناطق الرسمي باسم الحركة، أرباب جمعة يعقوب تحصلت عليه الـ(الصيحة) حرص الحركة على السلام الشامل الذي يخاطب جذور مشكلة الوطن بمشاركة جميع حركات الثورة المسلحة دون إقصاء.
وقالت إن الحركة بجماهيرها العريضة وقوتها الضاربة تعمل بالاستمرار لانتزاع الحقوق المسلوبة لدارفور وجميع مناطق السودان المهمشة، غير أن رفاقنا في الجبهة تجاهلوا قبولهم للحركة ورفاق آخرين ضمن الفصائل المكونة للجبهة، ولم يقدروا مواقف الرفقة ودروب النضال، وهذا الأمر مرفوض من جانبنا تماماً. مبيناً أن الحركة لا تتعامل مع الجبهة الثورية بعد هذا اليوم ولا تعترف بأي سلام تم توقيعه دون مشاركتها في التفاوض لانه لا يمثل إلا أصحابه. ورأى أن التفاوض الذي يجري لم يضمن إرادة جماهير شعبنا في السودان ودارفور على وجه التحديد. وأكدت الحركة أنها تسعى مع رفقاء الدرب في التنظيمات النضالية الأخرى لإيجاد منبر يجمع جميع الرفاق الشرفاء لقيادة عملية التفاوص دون تمييز لأحد ويعبر عن إرادة كل المناضلين الأحرار. ووجهت رسالة لحكومة الفترة الانتقالية، أن تكون حريصة وجادة لإكمال عملية السلام لإخراج السودان من الاحتمالات الكارثية المتوقعة.
نتائج عكسية
وفي سياق ذي صلة، أبدى شركاء السودان خلال اجتماعهم بالمملكة العربية السعودية أخيراً قلقهم حيال بقاء بعض الحركات المسلحة خارج مفاوضات السلام، التي تستضيفها جنوب السودان مُنذ أغسطس 2019. ودعوا جميع أطراف النزاع للمشاركة في المفاوضات، قائلين إنه لا توجد حلول عسكرية للنزاعات الداخلية، وأشارت إلى أن حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور ترفض الانضمام إلى المفاوضات بحجة أنها لن تفضي إلى اتفاق سلام يعالج أسباب الصراع، بينما لا يزال التفاوض متعثراً بين الحكومة والحركة الشعبية – شمال بزعامة عبد العزيز الحلو. وأضاف الإعلان “ندعو الأطراف المشاركة في محادثات جوبا للسلام إلى التفاوض بحسن نية في محادثات السلام التاريخية هذه، إضافة إلى الامتناع عن تقديم مطالب قد تأتي بنتائج عكسية لعملية السلام أو لتحقيق سلام عادل ومستدام في السودان”. وتابع: “إن أي عرقلة لعملية السلام، ستطيل معاناة السودانيين، كما أن التبعات ستلاحق جميع المعرقلين للعملية السلمية”.