مع الخائضين..!!
الطاهر ساتي يكتب :
* لا جديد في خريف هذا العام.. كما الصراخ ذات الصراخ، فإن كل المشاهد أيضاً هي ذاتها، حتى أن السادة الجُدد في عهد التغيير لم يُخيّبوا الظن، بل خاضوا مع الخائضين في مجاري السيول والفيضان، كما يفعل السادة القُدامى في عهد النظام المخلوع.. وكما كتبتُ عشرات المرات، فالخريف موسم خير، ولكنه في بلادنا موسم لشق الجيوب ولطم الخدود واستجداء الإغاثة.. واليوم، الخسائر بالخرطوم فادحة للغاية.. والله يعلم ما يحدث بالأرياف البعيدة عن الخرطوم..!!
* وكما تعلمون فإن البعيد عن الخرطوم جغرافياً دائماً ما يكون بعيداً وجدانياً عن ردود فعل المسؤولين، لحين وقوع المزيد من الكوارث.. وكالعادة، في خريف هذا العام أيضاً، قبل البدايات بأسابيع، دقّت وحدة الإنذار المبكر بالهيئة العامة للأرصاد الجوية (جرس الإنذار)، وتوقّعت هطول أمطار وفيضان النيل، ثم طالبت المواطن والسلطات بتوخّي الحذر.. ومع ذلك، تفاجأت السلطات بالسيول والفيضانات..!!
* نعلم بأن الطبيعة لا تُقاوَم، وهذه سُنّة الحياة، وكثيرة هي الدول ذات العدة والعتاد التي جرفت السيول والأمطار والأعاصير مدائنها وأريافها، كما الحال بالكلاكلة والكاملين وأخواتها.. ولكن تتميز أجهزة تلك الدول بتحذير مواطنها، ثم وقايته بقدر المستطاع، أي بحيث لا تكون خسائر الكارثة (فادحة وقاتلة)، ثم تجتهد في مساعدة المواطن لحظة وقوع الكارثة، ثم تُعيد الاستقرار لهذا المواطن، أو هكذا مراحل المسؤولية في تلك الدول ذات الأجهزة (المسؤولة حقاُ)..!!
* أما هنا، حيث موطن اللامبالاة، إذ كل مرحلة من تلك المراحل (كارثة).. لا جرس إنذار يُنبّه الناس باقتراب السيول، ولا سلطة تُخلي الممتلكات قبل أن يجرفها الفيضان، ولا أجهزة مسؤولة تقف بجانب المنكوبين في لحظة اجتياح السيول والفيضان لديارهم.. وكذلك لا يوجد نهج قويم يُعيد الاستقرار لهذا المنكوب وأسرته بحيث لا تتكرّر المأساة في خريف العام القادم.. فالمواطن وحده يُصارع الموت وفقدان الممتلكات، ثم يُعيد تأسيس حياته في مجرى السيول والفيضان..!!
* واليوم، ليست فقط الخرطوم ونهر النيل والجزيرة، بل مئات القرى بولايات السودان الأخرى – بسكانها وأنعامها ومنازلها – تتحوّل إلى ركام تحت مجرى السيول أو الفيضان.. لتصبح مشاهد مآسي الناس مزاراً للمسؤولين، كما كان الحال بالكلاكلة يوم أمس، حيث زارها رئيس المجلس السيادي ووالي الخرطوم وآخرون.. وسبقتهم الكاميرات لتوثيق الزيارة، والتصوير بجانب المآسي، أي كما يفعل أي سائح زائر للبجراوية والدفوفة وغيرهما من المزارات السياحية..!!
* ماذا قدّمت أجهزة الإنذار المبكر لأهل البيوت التي جرفتها السيول والفيضان بالخرطوم وكردفان ونهر النيل، بحيث يغادرونها قبل اقتحام السيول؟.. للأسف، لم تقدم طوال فترة الإنذار غير العجز والفشل بدليل ما يحدث حالياً من موت أرواح ونفوق أنعام وفقد ممتلكات.. ثم ماذا قدّمت أجهزة الوقاية للمنكوب في لحظة اجتياح المياه لمنازلهم، وهي لحظات مقدار الثانية فيها – عند المنكوب – بحجم العام رهقاً وتوجساً..؟؟
* للأسف، لم تُقدّم أجهزة الوقاية للمنكوب غير الخمول، ثم انتظار جرف السيول للبيوت، ثم شروق شمس اليوم التالي لترصد الخسائر وتؤدي واجب التصوير بجانب المنكوبين، بحيث يكون التقرير الختامي المعهود (سيطرنا على الأوضاع)، ولكن بعد خراب الديار ونكبة الأهل.. هكذا كان حال الأجهزة المسؤولة في عهد النظام المخلوع، ولم يتغيّر بعد، ونأمل أن يتغيّر في العام القادم.. إن لم يُكن حال الأجهزة المسؤولة، فحال المسؤولين، بحيث لا يخوضون مع الخائضين، بغرض التصوير..!!