الخبير المستقل.. هل يعيد الخرطوم للمربع الأول؟
تقرير: النذير دفع الله
قرر مجلس حقوق الإنسان في قراره رقم 42/35 بتجديد ولاية الخبير المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان لسنة واحدة، وأكد في الوقت ذاته إنهاء ولاية الخبير المستقل وفقاً للقرار رقم 39/22 مجلس حقوق الإنسان، وطلب المجلس إلى الخبير المستقل أن يقدم تقريراً عن تنفيذ ولايته يتضمن توصيات بشأن المساعدة التقنية وبناء القدرات لينظر فيه في دورته الخامسة والأربعين، كما رحب المجلس بالتزام الحكومة السودانية ومفوضية حقوق الإنسان وتقديم تقريريهما المشفوين عن التقدم المحرز نحو فتح مكتب قطري أثناء جلسة تحاور وتعزز في الجلسة الرابعة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان. ولكن يبدو أن تقرير الخبير المستقل سيعصف بملف حالة حقوق الإنسان للوراء بعد أن أحرز السودان تقدماً ملحوظًا في الملف بموجب موافقته على فتح مكتب قطري بصلاحيات واسعة بينما يرى آخرون ولأسباب أخرى أن تقرير الخبير المستقل مهما احتوى من انتهاكات فإن ذلك لن يؤثر في حالة حقوق الإنسان في السودان وهو التناقض الذي ربما بسببه ما زالت الانتهاكات قائمة، وهو ذات الأمر الذي دفع مجلس حقوق الإنسان لتجديد ولاية الخبير المستقل بعد أن كان قد أعفي من ولايته لفتح المكتب القطري.
سانحة حكومية
الخبير في حقوق الإنسان وعضو المجموعة الوطنية لحقوق الإنسان كمال الدين دندراوي قال لـ (الصيحة)، إن تقرير الخبير المستقل هو تقرير الشخص المفارق، سيما وأن ولاية الخبير شارفت على الانتهاء، لذلك في مثل هذه الحالة لا يكون ميالاً لتناول القضايا بشيء من الحدة، مضيفاً أن رؤية المؤيدين للحكومة الانتقالية يرون أن تقرير الخبير المستقل قد تحامل عليهم، بينما يرى الآخرون من غير المؤيدين أن التقرير لم يف بكل الجوانب الأخرى للانتهاكات، وأشار دندراوي أن الخبير عندما تحدث عن لجنة إزالة التمكين تحدث عنها بصورة أكثر حدة، وقال إنه يخشي أن تكون اللجنة أداة للتصفية السياسية مبيناً أن الخبير أوضح أن الوثيقة الدستورية لم تتحدث عن لجنة إزالة التمكين، وبرر دندراوي لمن يرون أن تقرير الخبير لم يحوِ الانتهاكات الأخرى فإن التقرير بدأ رصده من يناير ولكنه أشار إلى أن التقرير قابل للتعديل بعد أن يتم التعليق عليه من جانب الحكومة.
كاشفاً أن الخبير ستكون لديه إضافة وملحق آخر للتقرير بعد رد الجانب الحكومي على بعض الملاحظات أمام مجلس حقوق الإنسان. وأكد دندراوي أن ولاية الخبير المستقل في الغالب لن يتم تجديدها بل ستؤول كل التقارير والملاحظات للمكتب القطري لحقوق الإنسان الذي سيطلع بدوره على حالة حقوق الإنسان في السودان، مشدداً أن قبول السودان للمكتب القطري سلاح ذو حدين، ولكن مع سلبياته لديه بعض الإيجابيات وطالما أصبح واقعاً على الدولة التعامل مع الواقع، وطالب دنداروي الحكومة ومنظمات المجتمع المدني بالتواصل مع المكتب القطري الآن قبل غد، وقال: ما يطمئن هو وجود فرصة للرد على كل ما جاء في تقرير الخبير المستقل من جانب الحكومة، بل لابد للخبير أن يذكر أنه تواصل مع الجانب الحكومي في بعض القضايا المتعلقة بالانتهاكات المذكورة.
انتهاكات ممنهجة
النائب الأسبق لرئيس المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التابعة للاتحاد الإفريقي مولانا ياسر الحسن قال لـ(الصيحة)، إن تقرير الخبير المستقل تجاوز الكثير من الأحداث والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان التى ارتكبت خلال فترة التقرير مثل التغييب المتعمد للمحكمة الدستورية وهي آلية قضائية جوهرية لا يمكن تجاوز غيابها كلية في مثل هذه الظروف، كما اغفل التقرير أيضاً مسؤولية الدولة عن انتهاكات حقوق بعض الأفراد مثل وفاة (الشريف أحمد عمر بدر) بفيروس كورونا أثناء الاحتجاز في حراسات النيابة لمدة تزيد عن العام، بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية والذي أصيب به بسبب الإهمال الواضح من قبل النيابة العامة إذا لم يكن الأمر متعمداً. كما أشار بعض الشهود لظروف ترجح هذا الاحتمال، مضيفاً وجود انتهاكات أخرى أشار إليها التقرير بصورة مخففة ومجملة على غير ما جرت عليه العادة في منهجية التقارير في الأعوام السابقة التي كانت تفصل في هذه الانتهاكات بصورة ترسخ لتعمد الأجهزة ارتكاب الانتهاكات المذكورة في التقرير.
مخالفات واضحة
وأشار ياسر إلى أن التقرير لم يذكر الانتهاكات التي حدثت في مجال الإعلام مثل القرارات التي صدرت بالإغلاق الذي تم لبعض الصحف والقنوات التلفزيونية وإن كان قد تم تصحيح البعض منها لاحقاً أو مصادرة وإنهاء خدمات العاملين في قناة طيبة، ومضايقة عدد من الصحفيين وحل نقابتهم مما يؤكد على دور العلاقات العامة في إعداد وتكييف صياغة التقارير الأممية، وقال ياسر إن التقرير أشار بلغة مخففة لأعمال لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو بلغة تصالحية دون النظر في أن أصل إنشائها وصلاحياتها ومخالفته للوثيقة الدستورية، كما لم يشر التقرير إلى إنهاء وظائف المستشارين القانونيين بوزارة العدل بقرارات إدارية على الرغم من مخالفته الواضحة لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة باستقلال القضاء والمحاماة والمستشارين القانونيين، وكذلك الأمر بالنسبة لأعضاء النيابة العامة في حين أشار لفئة الدبلوماسيين وأضاف أن رفد المستشار القانوني ووكيل النيابة أكثر انتهاكاً من رفد الدبلوماسي، وأوضح، ربما هناك قصور في طريقة إيصال المعلومات إلى الخبير المستقل مما يبين الحاجة الفعلية للتواصل مع آليات حقوق الإنسان الدولية والخبير المستقل ومده بالمعلومات التفصيلية حول هذه الأحداث وتوجيه انتقاد له لتغبيش رؤية مجلس حقوق الإنسان بمثل هذه التقارير ذات اللغة المتسامحة تجاه الانتهاكات الجسيمة المستمرة التي وقعت خلال مدة التقرير.
تحديث المعلومات
وطالب ياسر عبر (الصيحة) بمد الخبير المستقل بمعلومات إضافية وتحديث المعلومات بما استجد من أحداث حول إنهاء خدمة القضاة بقرارات إدارية وعبر الأجهزة الإعلامية مما يقدح في استقلال القضاء وما يتعلق أيضاً بالحجر على حرية التعبير والانتقام منها بأعمال إدارية مثل قفل الكباري ومنع التظاهر واستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين كما حدث في مليونية جرد الحساب، وأشار أن التقرير لم يتطرق باستفاضة للحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ولمعاناة المواطنين من ارتفاع الأسعار وانخفاض الجنيه السوداني ونقص الغذاء وضياع فرص التعليم بإغلاق الجامعات وتكدس أكثر من ثلاث دفعات في مرحلة واحدة وأكثر ذلك على الحق في التعليم والتوظيف.