العائدون من الجنوب.. البحث عن حق المواطنة واليقين بالانفصال
الخرطوم- منال عبد الله
(108) من القضاة والمستشارين يواجهون التشرّد منذ العودة
عائدون يصطدمون بنتائج تلكؤ الحكومة البائدة في “التوطين”
مدني: القضية سيادية ونناشد “السيادي” بمنحنا حق المواطنة
مهدي: شؤون الخدمة بالخرطوم تمارس عنصرية وقراراتها مجحفة
معلم: تعرّضنا للإخراج من المنازل تحت التهديد (جلابي يطلع)
مطالبة بالسكن لترك العائدين منازلهم في الجنوب بجميع أثاثاتها
لم يكن معظم العائدين من دولة جنوب السودان قبل وبعد الانفصال (2005- 2011م) من الذين ذهبوا إليها للعمل أو التجارة بالسلع الاستهلاكية والأثاثات وغيرها من المشاريع الاستثمارية، بل كانوا من مواليد ولايات جنوب السودان العشر ثقافة ووجداناً، وتؤكد سيناريوهات صاحبت تطبيق الانفصال فعلياً، أنه حتى الماشية تمردت عليه ولم تألفه وآثرت العودة حيث أن صاحب قطيع من الأبقار أصيب بالذهول عندما تفاجأ بأن القطيع عاد ليلاً من حيث أتى به إلى أراضي دولة جنوب السودان، فيما كان قد قطع بها مساحات واسعة وشاسعة لترسم الأبقار طريق العودة إلى المكان الذي ألفته بالجنوب، وتتحدى القرار المصيري والذي استعصى تنفيذه بالفعل على الحيوان قبل الإنسان الذي مازال يعتبر القرار سياسياً ولم تراع فيه حقوق الشعبين اللذين ما زال الآلاف منهما يعانون من عدم نيل حق المواطنة بصورة فعلية.
العودة قسراً
العائدون إلى السودان من الذين كانوا من سكان دولة جنوب السودان قبل الانفصال يربو عددهم على الـ(3) ملايين نسمة، بدأت رحلة العودة منذ العام 2005م خلال الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام الشامل، في الوقت الذي كان يحلم فيه الجميع بالوحدة، ومازال الكثيرون حتى الآن في حالة ذهول ولم يبلغوا بعد مرحلة الاستيعاب أو اليقين بواقعية انفصال الجنوب عن الشمال، ومازالوا مواجهين بنتائج تلكؤ الحكومة البائدة في إنفاذ كافة الإجراءات المتعلقة بحقوق العائدين مما عزز شعورهم بعدم اليقين بالانفصال، والذي بدأ بسوء المعاملة والتضييق على العنصر الشمالي وخاصة المناطق الزراعية في شمال أعالي النيل وبدأ تجفيفها من قبل الحكومة، كما تعرضوا للتهديد والاعتقال عندما تعالت أصواتهم مطالبين بحقوقهم واستخدمت هذه الأساليب لتهجير الشماليين من مناطقهم.
الكثيرون بدأوا بالتوجه إلى ولاية النيل الابيض، والحلة الجديدة هي معقلٌ الآن للعائدين من ولاية أعالي النيل وذلك وفقاً لإفادات تلقتها (الصيحة) من عائدين عقب الانفصال الذي كان له الأثر الأكبر على من كانوا يعملون بالخدمة المدنية بجنوب السودان وغيرهم من الذين صوبوا وجهتهم نحو العاصمة الخرطوم من التجار، فيما أن العائدين من الشمال إلى الجنوب تمكنوا من استلام استحقاقاتهم الخاصة بنهاية الخدمة كاملة في ظل احتفالات وتكريم، ومنهم من ترك عقاره للإيجار حتى الآن.
وقفات احتجاجية
تعرضنا للإخراج من المنازل عنوة (جلابي يطلع)، هكذا ابتدر مربي الأجيال الأستاذ مدني مهدي مدني حديثه بمرارة عن تفاصيل المعاناة والعودة من جنوب السودان والتي لم تكتمل فصولها بعد، والذي أكد أن رحلة البحث عن حقوق العائدين بدأت منذ العام 2011م بالخروج إلى الشوارع في الخرطوم عبر تنظيم عدد من الوقفات الاحتجاجية وحتى العام 2013م، وأوضح أنه استمع إلى مطالبهم آنذاك رئيس اتحاد العمال إبراهيم غندور، وذلك بعدما شعرت الحكومة بأن الحراك تزايد من قبل العائدين والذي جاء متزامناً مع تظاهرات ضد قرار رفع الدعم عن المحروقات.
وأشار إلى أن الحكومة في ذلك الوقت ركزت على شريحتي المزارعين والعاملين في الخدمة المدنية لإيجاد الحلول، في الوقت الذي فقد فيه المزارعون كل الآليات الضخمة التي كانوا يعملون بها بعدما صادرتها حكومة الجنوب، قبل أن يرفضوا ممارستهم للزراعة، وتم تهجير (4) آلاف أسرة بأعالي النيل ليسكن بدلاً عنهم أفراد من القوات النظامية.
إشكاليات الاستيعاب
وشكا مدني من أن الموظفين العائدين من الجنوب والذين صدر قرار في مايو 2014م لاستيعابهم بمؤسسات الدولة المختلفة كلٌّ وفق مجاله لم يتمكنوا من استلام حقوقهم كاملة حتى الآن، واعتبر أن قرار إحالة كل من بلغ (57) عاماً إلى التقاعد قرار مجحف، وذلك لأن القرار اعتبر الفترة من يوليو 2011 إلى مايو 2014م إجازة دون مرتب لغير المعلمين، واتهم النظام البائد بالاستيلاء على استحقاقاتهم المالية، لأن الدول المانحة كانت قد سددت مبالغ مالية نظير حقوق الشعبين والتوطين من خلال المصفوفة التي تولى الجانب الحكومي فيها نائب الرئيس علي عثمان محمد طه، وقال “مثلما أكلوا مال ناس الكويت أكلوا مالنا نحن”.
وكشف مدني أن جملة العائدين بالخدمة المدنية بالجنوب كانت بعد المسح الذي نفذته لجنة مختصة بلغ (10) آلاف، وبعد مراجعتها من قبل إبراهيم غندور اعتمد (6) آلاف، وأكد مدني أن الذين تم استيعابهم حتى الآن بلغ عددهم (2) ألف، تم توزيعهم في جميع الولايات، كما تم تعويض المزارعين أراضي في الولايات التي بها زراعة مطرية، وفي العام 2016م تقدم أكثر من (3) آلاف من العائدين يطالبون بتسكينهم في وظائف، ونبه إلى صدور قرار رئاسي لاستيعاب العائدين بعدد من الولايات، ولكن ولاية شرق دارفور رفضت تنفيذ القرار بالكشوفات المعتمدة من وزارة العمل، وعزت ذلك لعدم الحاجة لموظفين، ورفضت إنشاء وظائف تعهدت الحكومة الاتحادية بتسديد رواتبها لمدة (5) سنوات.
وشكا مدني في حديثه لـ(الصيحة) نيابة عن العائدين، من عنصرية تمارس من قبل القائمين على أمر شؤون الخدمة بولاية الخرطوم، وذلك لتمسكهم باستيعاب العائدين وفقاً لقانون الخدمة 2015م بولاية الخرطوم، وقال إنه تم تعيينه معلماً منذ العام 1974م بشهادة سودانية، ولفت إلى أن القرار القاضي باستيعابهم وفقاً لمؤهلاتهم يتنافى مع مؤهلات آلاف العائدين، إذ أنه من بين (1210) عائد تم استيعاب (26) فقط والبقية غير مستوفين للشروط.
وأشار إلى أن بحر إدريس أبوقردة عندما كان وزيراً للعمل شكل لجنة موالية للنظام السابق وحتى الآن لم تصدر قرارًا منصفًا في حين أنها منتهية الصلاحية وتتطلب المرحلة حلها، واتهمها بتجاوز صلاحياتها باستيعاب موظفين بوصفهم عائدين من الجنوب في وزارات اتحادية.
قضية ومطالبات
وأكد مدني أن قضية العائدين سيادية لكونهم فقدوا حق المواطنة ولا يمتلكون سكناً ولا عملاً، ولا تعليماً، ولا صحة وغيرها، وناشد مجلس السيادة الانتقالي بمنحهم حق المواطنة، وأشار إلى أنهم في انتظار عضو مجلس السيادة الانتقالي صديق تاور الذي استمع إلى اعضاء اللجنة المشكلة من العائدين أنفسهم ووعد بتبليغ المجلس بمطالبهم، قبل أن ينبه مدني إلى أن الحكومة السابقة لم تعترف بعودتهم، وقال في إفاداته لـ(الصيحة) نيابة عن جميع العائدين، إن المهجرين من الجنوب قضيتهم لا تقل أهمية عن قضية الحركات المسلحة بجوبا إن لم تكن أهم، وأضاف (نحنا ما عندنا حقوق المواطنة التي يتمتع بها حملة السلاح).
وناشد مدني، المجلس السيادي بتنفيذ أهم مطالب العائدين من الجنوب والمتمثلة في حق المواطنة والسكن وليس إسكاناً لكونهم تركوا منازلهم بالجنوب بكافة أثاثاتها، عندما منعتهم حكومة الجنوب من أخذ ممتلكاتهم، وضرورة استيعاب أبنائهم من الشباب في الخدمة لأنهم منذ العودة إلى السودان يعيشون الضياع وغير معترف بوجودهم وشهادات ميلادهم بالجنوب غير معتمدة كما حال رخصة القيادة، ودعا إلى أهمية تشكيل مفوضية مشتركة بين البلدين للتصدي للكثير من القضايا والتي في مقدمتها خلط الأنساب بسبب أن هناك أشخاصًا انتسبوا لقبائل هم ليسوا منها ولكن من أجل المصالح، وبعد الانفصال تم التعامل معهم على أساس أنهم من جنوب السودان، والإسراع في إكمال إجراءات استيعاب العائدين في الخدمة المدنية وخلق وظائف للشباب لأن الأوراق الثبوتية لأبناء العائدين غير معترف بها في ديوان شؤون الخدمة.
كما نادى مدني بحل مشكلة القانونيين من القضاة والمستشارين والبالغ عددهم (108) وانتشالهم من “العطالة”، وتعويضات للمزارعين بأراضٍ زراعية صالحة للزراعة تتراوح بين (200- 300) فدان، وتمويل للمزارعين حتى يتمكنوا من اللحاق بالموسم الزراعي، وذكر أن ولايات النيل الأزرق وسنار وجنوب كردفان والنيل الابيض رفضت تنفيذ قرار التعويض، فيما كان أقل مزارع يمتلك ألف فدان، وأوضح أن الرعاة يواجهون إشكاليات كبيرة بكثرة الجبايات ويضطرون إلى بيع نسبة كبيرة من الماشية قبل بلوغها المكان المطلوب، كما يتعرضون للسجن مع البهائم في حالة التخلف عن دفع الرسوم، وطلب من الحكومة الانتقالية مخاطبة حكومة جنوب السودان بتوحيد الرسوم.
يذكر أن مكونات العائدين من الجنوب جميعها توحدت في جسم مطلبي واحد وهو منظمة العائدين، وينتظرون رداً من ديوان شؤون الخدمة منذ ديسمبر العام الماضي على مطالبهم.