تقرير: صلاح مختار
قاعدة فقهية تقول (ما لا يُدرك كله لا يترك جُله) وهي تعني: أنه إذا عجز الشخص عن الإتيان بأمر ما أو حكم فهذا لا يعني تركه بالكلية, بل يأتي منه ما استطاع. ربما تلك القاعدة تتطابق مع ما جاء من أجله وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية مارك بومبيو للخرطوم، ويبدو من التصريحات أن الرجل لم يدرك كل ما جاء من أجله وهو التطبيع مع إسرائيل ولكن لم يخرج بالضرورة خالي الوفاض من زيارته لأرض اللاءات الثلاثة الخرطوم التي تعتبر في وقت قريب حصناً منيعاً ضد التطبيع. ويبدو أن تقديم وتأخير الأولويات والمصالح بين السودان وأمريكا أخر النطق بالحكم في قضية التطبيع بين الدولتين ربما هو الشيء الذي لا يتوقعه بومبيو خلال زيارته الخرطوم، ورد الفعل الذي واجهه بشأن معرفة موقف الحكومة من قضية التطبيع مع إسرائيل، حيث كانت الإجابة فيها نوع من الدبلوماسية الواقعية بأن حكومة الفترة الانتقالية ليست مفوضة للتطبيع مع إسرائيل ولذلك ليس من حقها الإتيان بذلك الفعل، وإن ما يهمها وهو أولوية بالنسبة لها في هذا اللقاء الحديث عن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب مقدم على التطبيع مع إسرائيل وفي قائمة أولوياتها.
السبت والأحد
يقول مصدر ـ فضل حجب اسمه لـ(الصيحة) إن الحكومة الانتقالية ربما استشعرت الخطورة أن تقدم (السبت) بإعلان التطبيع مع إسرائيل دون أن تجد (الأحد) برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب من الإدارة الأمريكية كما فهمت من الزيارة أن امريكا تحاول الاستمرار في ممارسة سياسة الابتزاز من أجل الحصول على مكاسب ليست لصالح السودانيين، وإنما للناخب الأمريكي. وبالتالي تريد الحكومة الانتقالية استغلال تلك الورقة ــ أي التطبيع ــ من أجل رفع اسم السودان من القائمة السوداء ثم الحديث عن التطبيع، ولكن بومبيو للأسف لا يملك ذلك في جعبته بجانب أن الزيارة معلنة الأهداف وليس من بينها قضية رفع السودان من قائمة الإرهاب بالإضافة ألى أن أمريكا ترى أن قضية التطبيع منفصلة عن رفع اسم السودان ولا تمنع ذلك. غير أن المصدر أكد أن الحكومة الانتقالية تريد من أمريكا أولاً أن ترفع اسم السودان ثم الحديث عن التطبيع رغم أن قطار التطبيع تجاوز محطة الإعلان باعتبار أن هنالك شكلاً من أشكال التطبيع من خلال السماح بعبور الطيران الإسرائيلي الأجواء السودانية ولقاء رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان مع نتنياهو في عنتبي من قبل.
تطورات إيجابية
غادر بومبيو الخرطوم، ولكن التكهنات تشير إلى أنه حصد أقل من المتوقع والطموحات التي جاء بها، وهي التطبيع مع إسرائيل، وهو أمر مرهون بتعقيدات الزمن، بيد أن هيئة البث الإسرائيلية (مكان) نقلت عن مسؤول أمريكي، وصفته بـ (كبير) قوله: بأن السودان سيعلن عن التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل في غضون أسابيع قليلة. وتوقع المصدر، الذي لم تكشف (مكان) عن هويته، بأن نشهد قريباً تطورات إيجابية في كل ما يخص العلاقات بين تل أبيب والخرطوم. وقال المصدر، في ختام محادثات أجراها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في السودان: إن الأمور تتقدم في الاتجاه الصحيح، وفق تعبيره. بينما يعد إنهاء إدراج السودان في قائمة الإرهاب الأمريكية أولوية قصوى للمجلس الانتقالي والحكومة. وقال مصدر حكومي كبير لرويترز الأسبوع الماضي إن من المتوقع (إحراز تقدم كبير بشأن هذه القضية في الأسابيع المقبلة).
وبيّن مصدر دبلوماسي مُطلع في السفارة السودانية في واشنطن لـ(القدس العربي) (نحن نأمل في رفع السودان من لائحة الإرهاب أكثر من أي شيء آخر، ونسابق الزمن لإنجاز التسوية المطلوبة مع ضحايا تفجيرات دار السلام وتنزانيا والتي اقتنع الضحايا الأمريكان بضروريتها الأخلاقية لدعم حكومة الثورة وفائدتها المادية، وعبروا عن ذلك في مقالات منشورة في الصحافة الأمريكية).
تكريس لواقع
المحلل السياسي د. صلاح الدومة قال لـ(الصيحة)، إن بومبيو حمل معه رأي السودانيين فيما يختص بأمر التطبيع. وإن الزيارة كما قال الدومة هي تكريس لواقع قائم أصلاً منذ وقت عندما زار البرهان رئيس مجلس السيادة عنتبي بجانب السماح للطيران الإسرائيلي عبور الأجواء السودانية، ولفت إلى إشارة وزير الخارجية الأمريكي بأنه يستقل طائرته مباشرة من تل أبيب إلى الخرطوم وهي إشارة مهمة تدل على التطبيع، وبالتالي الزيارة تكريس لواقع موجود، وقال الدومة إن بومبيو وجد رداً مناسباً من الحكومة السودانية ووقف على رأي الشعب السوداني بهذا الخصوص، واعتبر الزيارة إضافة وقفت بجانب الثورة والثوار وجزم بأنها أيضًا فتحت ملف الشركات العسكرية واعتبر أن ذلك أمر يهم الإدارة الأمريكية بعد أحداث الحادي من سبتمبر.
النتيجة صفر
ويرى الكاتب والمحلل السياسي د. عبده مختار في حديث لـ(الصيحة) أن وزير خارجية أمريكا لم يأت بجديد للشعب السوداني ونتيجة زيارته للخرطوم صفر ليس فيها إعلان فوري برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإنما كلها وعود، ولفت إلى أن تصريحات الوزير الأمريكي هي نفس التصريحات التي ظل يسمعها من الإدارات الأمريكية ليس فيها جديد، ولذلك لم يجد الرد الذي كان يتوقع عند زيارته الخرطوم بالتطبيع المباشر مع إسرائيل، وقال: الموقف السوداني خيّب أمله، ولذلك عادت نغمة الوعود مرة أخرى بأن أمريكا مع التحول الديمقراطي في السودان وتقف مع الشعب السوداني وغيره، وهي نفس الوعود والتصريحات التي ظل الشعب يسمعها ولذلك ليست هنالك نتيجة ملموسة للشعب السوداني من زيارة بومبيو للخرطوم.