الطاهر ساتي يكتب :
كُلّهم البدوي..!!
:: عندما كنا نلعب الدافوري في ساحات القُرى النوبية، كان يُدرِّبنا القادمون من الخرطوم وعطبرة في إجازاتهم السنوية، ولاحقاً عرفنا بأنّ كل معايير اختيارنا لهؤلاء المُدرِّبين كانت مُختزلة فقط في إجادتهم الحديث باللغة العربية.. وهكذا حال الشعب اليوم مع كفاءات قِوى الحُرية والتّغيير التي تُدير الدولة واقتصادها.. إذ كل أصلع قادم من وراء البحار، يتقن اللغة الإنجليزية ورباط العنق، فهو عند قِوى الحُرية (كفاءة)..!!
:: ومن الكفاءات المُختارة – بمعايير قِوى الحُرية – لإدارة اقتصاد البلد والنهوض به في هذه المرحلة الحرجة، وزير المالية السابق إبراهيم البدوي، والذي طالب ببيع شركة جياد لسداد رواتب ثلاثة أشهر، حسب حديث عضو المجلس السيادي ورئيس لجنة إزالة التمكين ومُحاربة الفساد الفريق الركن ياسر العطا لصحيفة (الانتباهة).. لم يُفكِّر في كيفية تطوير الشركة ومُضاعفة عائدها، بل فكّر في بيعها لصالح رواتب زادها سيادته (بلا تفكيرٍ)..!!
:: وقبل أشهر، كتبت بأن هذا التّردِّي الاقتصادي الذي قادنا إليه هذا الخبير الاقتصادي – بمعايير قِوى الحُرية والتّغيير – كان مُتوقّعاً من وزيرٍ رَاهَنَ في ميزانية الدولة على (المِنَح والهِبَات)، ولم يضع في الحُسبان مَخاطر عودة حكومته من مؤتمر المانحين وجولات الخليج – السِّريَّة منها والمُعلنة – بالوعود والكلام المعسول والدعوات الطيبات ومليار دولار مواعيد تجميعها – من الدُّول المانحة – في عِلم الغيب..!!
:: وكأن ما عليه حال الاقتصاد لا يكفي تضخُّماً، قادت سياسة البدوي، الحكومة إلى (الفخ الأكبر)، وهو زيادة رواتب العاملين بالدولة بنسبة (569%).. وإلى يومنا هذا، لا يعلم أحدٌ ما هي معايير هذه الزيادة؟، وأين ومتى وكيف تمّت الدراسة؟، وما هي موارد هذه الالتزامات الضخمة؟، ولا إجابة غير أنّ البدوي قرّر الزيادة وحده، مُتكئاً على مورد الفاتح عز الدين في عهد الفُلُول (رَبْ رَبْ رَبْ)، أي طباعة العُملة..!!
:: ومع طباعة العُملة، حسب حديث العطا، راهن البدوي على بيع ما تبقّت من أُصول البلاد، لسداد رواتبه (الفلكية)، وما كانت جياد إلا (أول الصرف).. أي إن كانت جياد تكفي لسداد رواتب ثلاثة أشهر، فإنّ التصنيع الحربي يكفي لسداد رواتب عام، وما تتبقّى من أشهر الفترة الانتقالية يُمكن سداد رواتبها ببيع طائرات الجيش ودبّاباته بالقطع، أي كـ(إسكراب)، أو هكذا كان تفكير الكفاءة – بمعايير قِوى الحُرية – البدوي..!!
:: ومن يُطالبون بأيلولة شركات الجيش لوزارة المالية لا يختلفون عن البدوي، ولو كانوا يَختلفون عنه لما رشّحوه وزيراً للمالية.. ويبدو أنّهم تناسوا أشهر برقية في تاريخ الجيش، وكان ذلك في العام 1988، وكان نصها: (من عمليات الناصر إلى عمليات القيادة العامة: ذخيرتنا انتهت، تعييناتنا انتهت، خنادقنا مقابرنا، ولن ننسحب، حوِّل)، برقية الشهيد العقيد محجوب محمد موسى، بعد حصار الناصر ونفاد الذخيرة والطعام، لعجز الساسة عن توفيرهما..!!
:: ثم يبدو أن بعض السادة بقِوى الحُرية، وهم يُطالبون بأيلولة شركات الجيش لوزارة المالية، تناسوا حديث القيادي الشهير يوم أبلغوه بسقوط الكُرمك بعد نفاد الذخيرة والطعام، لعجز الحكومة المدنية عن توفيرهما، حيث قال بمُنتهى اللا مبالاة: (مَا تَسقُطْ.. هي برلين سَقَطَتْ).. هكذا تجارب الجيش مع من يُطالبونه بالتخلُّص من شركاته.. لو راهن عليهم الجيش في إعداد القوة، لما امتلك من الأسلحة حتى السيوف والرماح..!!