مايك بومبيو وآبي أحمد في الخرطوم
كان يوم امس الثلاثاء يوما مشهودا في الخرطوم، وبحساب السياسة فقد كانت كل ساعاته محسوبة بالثانية، الامر الذي احدث ركة في شوارع الخرطوم التي لم تكترث للزمن كثيرا بسبب تسكع السيارات، بسبب المطبات احيانا والمتاريس احيانا اخرى، وبسبب السائقن دون اي اسباب تذكر مرات اخرى. لكن زيارة وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو، ورئيس الوزراء الثيوبي آبي أحمد للخرطوم امس، سارعت من وتيرة الاحداث في الخرطوم
منتصف نهار أمس الثلاثاء وتحديداً عند الساعة الحادية عشرة وخمسين دقيقة حطت الطائرة الأمريكية العملاقة تحمل ولأول مرة وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو , فى أول رحلة من نوعها في التاريخ السوداني من تل أبيب للخرطوم، وأيضا أول زيارة لوزير خارجية أمريكي منذ خمسة عشر عاماً، وذلك في أعقاب تعليق العلاقات بين الخرطوم وواشنطن إبان العهد البائد واختصارها في حدها الدبلوماسي الأعلى على التمثيل بدرجة قائم بالأعمال، وزادت العلاقات تكبيلاً وتعقيداً بعد فرض الأدارة الأمريكية لعقوبات اقتصادية صارمة ووضع اسم السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب جراء ما اعتبرته واشنطن وقتها أعمالا إجرامية ارتكبها النظام البائد
الخرطوم: مريم أبشر _ النذير دفع الله
دواعٍ أمنية:
بمظاهر مراسمية محدودة استقبلت الخرطوم وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو خلافاً للمعتاد في مثل هكذا زيارات نوعية، ورغم أن بعض المصادر عزت في حديثها للصيحة الاستقبال الرسمي المحدود لانشغال رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك بجلسة مباحثات ثنائية مهمة مع رئيس الوزراء الأثيوبي تزامنت مع وصول بومبيو, إلا أن مصدراً في مؤسسة سيادية مهمة أشار إلى أن الاستقبال المحدود كان بطلب من الجانب الأمريكي وذلك لدواعٍ أمنية، وعلمت الصيحة أن استقبال بومبيو اقتصر فقط على مدير الإدارة العامة للمراسم بوزارة الخارجية وأن أسطول السيارات الذي نقل بومبيو ومرافقية كان يقف أمام بوابة الطائرة مباشرة، وأنه عقب تلقي بومبيو التحية من مستقبليه من وزارة الخارجية وطاقم السفارة الأمريكية استقل العربة المصفحة المخصصة له وتوجه مباشرة لمجلس الوزراء للالتقاء بالدكتور حمدوك وفقاً للبرنامج المعد للزيارة سلفاً.
بومبيو يغرد:
ومن على متن طائرته أطلق وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تغريدة على حسابه بتويتر أشعلت كل الأسافير والأوساط السياسية المتابعة لجولته، قال فيها (يسعدنا أن نعلن أننا على متن أول رحلة رسمية بدون توقف من إسرائيل إلى السودان)، وذلك في إشارة منه إلى أن مسألة التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب أصبحت مسألة وقت, بعد أن تهيأت كل الأجواء لها في أعقاب لقاء عنتبي الأخير بين البرهان ونتنياهو والذي فتحت بموجبه الأجواء السودانية المسارات للطيران الإسرائيلي العابر, وإن تعذر التطبيع بشكل كامل حالياً بعد إبلاغ الحكومة الانتقالية، بومبيو بأن التوقيت غير مناسب فضلاً عن أن الخطوة ليست من ضمن “المانديت” الذي تنفذه حكومة الثورة عبر الوثيقة الدستورية, إلا أن معظم القوى السياسية التي كانت ترى إن كان التطبيع لمصلحة السودان فليس لديها مانع خاصة وأن موجة التطبيع العربي مع تل أبيب في تزايد.
زيارة محددة المعالم:
وفي جلسة مغلقة كان مسرحها مجلس الوزراء بالخرطوم التأم لقاء استمر حوالي ساعة من الزمان بين رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك ووزير الخارجية مايك بومبيو وأشارت المصادر إلى أن اللقاء الذي لم يكشف عن أجندته حضره من جانب الجهاز التنفيذي لمجلس الوزراء وزير رئاسة مجلس الوزراء السفير عمر مانيس ووزير الخارجية المكلف الدكتور عمر قمر الدين ووزير الثقافة والإعلام الناطق باسم الحكومة الأستاذ فيصل محمد صالح، وأكدت مصادر متابعة أن برنامج زيارة بومبيو المحدد بثلاث ساعات يحتوي على فقرتين فقط هما لقاء مع رئيس الوزراء حمدوك ولقاء آخر مع رئيس المجلس السيادي.
ونفت الحكومة بشكل قاطع أن يكون هنالك أي ترتيب مسبق للقاء يجمع بين بومبيو ورئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد الذي تزامنت زيارته مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي كما أثير في الأسافير لبحث ملف سد النهضة.
تدفُّق الهضبة
في الوقت الذي لم تتجاوز فيه زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، للسودان بمعية وفد رفيع من الوزراء عشرة أيام إلا رمزاً حتى حطت طائرة رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد بصحبة وفد رفيع المستوى لوزارات الدفاع والخارجية والموارد المائية.
يظل وجه الشبه والقاسم المشترك بين الزيارتين المصرية والأثيوبية هو سد النهضة الذي يغمر جميع العلاقات بين الدول الثلاث بمياه التمتين والتقرب من دولة الممر.
زيارة رئيس الوزراء الأثيوبي استغرقت يوماً واحداً حيث كان في استقباله بمطار الخرطوم د. عبد الله حمدوك رئيس الوزراء وعدد من الوزراء والمسؤولين، وتأتي زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والاتفاق على خطة موسعة للتعاون ورفض المساس بحقوق البلدين في مشروع سد النهضة الإثيوبي، وبخلاف ملف سد النهضة الذي تجري بشأنه مفاوضات حالية برعاية الاتحاد الإفريقي هناك توترات أمنية بمنطقة الفشقة الحدودية بين السودان وإثيوبيا ولكن هذه المرة ربما تهطل وتتدفق الهضبة الأثيوبية على الخرطوم برداً وسلامًا.
الدبلوماسية الأثيوبية
السفير الإثيوبي الجديد لدى الخرطوم يبلتال أميرو قال عقب تقديم أوراق اعتماده لرئيس مجلس السيادة الانتقالي بالقصر الجمهوري أمس، في تصريح صحفي إن رئيس الوزراء الإثيوبي سيصل للبلاد لعقد لقاء مع القيادات السودانية حول العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، وأضاف يبلتال أنه تلقى تاكيدًا من البرهان بدعمه في أداء مهمته في السودان لتقوية العلاقات ذات الجذور المتعددة بين السودان وإثيوبيا، مشيرًا إلى أن زيارة رئيس الوزراء للخرطوم تصب في ذات الاتجاه الرامي لتعزيز العلاقات بين البلدين، وأوضح بيلتال أن اللقاء مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي ناقش العلاقات الثنائية بين إثيوبيا والسودان في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
قضايا على الطاولة
يشار إلى أن هناك خلافات بين إثيوبيا ومصر والسودان على خلفية ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، حيث ترفض الخرطوم والقاهرة أي إجراءات إحادية بشأن ذلك وترغبان في التوصل إلى اتفاق شامل في هذا الصدد، ورغم الرفض السوداني والمصري للخطوات الأحادية، أعلن رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد في شهر يوليو الماضي عن بدء ملء السد بينما يرى عدد من الخبراء والمهتمين بأن تحوي المباحثات بين الجانبين الاثيوبي والسوداني تناول قضية أراضي الفشقة وما تتعرض له القوات السودانية في الحدود مع أثيوبيا.
تغريدة
لم تمض لحظات على قدوم أبي أحمد حتى غرد رئيس الوزراء السوداني دكتور حمدوك على حسابه في تويتر مرحباً بزيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قائلاً: نأمل ونعمل أن تقوي هذه الزيارة المصالح المشتركة وتُعمّق العلاقات بين بلدينا الشقيقين. بينما قالت وكالة الأنباء الإثيوبية إن زيارة آبي أحمد للسودان تستغرق يوماً واحداً في وقت تواصل فيه المفاوضات الثلاثية حول سد النهضة.
مباحثات جانبية
دخل الطرفان في جلسة مباحثات مشتركة بمجلس الوزراء بين السودان وإثيوبيا وترأس الجانب السوداني رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بمشاركة وزراء شؤون مجلس الوزراء والخارجية ووزير الثقافة والإعلام، ، والطاقة والتعدين، الري والموارد المائية إضافة لرئيس هيئة الأركان بالقوات المسلحة، بينما ترأس الجانب الإثيوبي د. آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي بحضور وزراء الدفاع، الخارجية، الموارد المائية، ويتوقع أن تتناول المباحثات تعزيز أوجه التعاون في المجالات المختلفة بما يخدم مصلحة البلدين الشقيقين.
وجاءت نتائج المباحثات بين الجانبين التي تلاها وزير الثقافة والإعلام خلال مؤتمر صحفي بأن السودان أكد على عمق التعاون الثنائي في كل المجالات والدعم المتبادل لتعزيز السلام والديمقراطية في البلدين لما يجمعهما من روابط تاريخية واجتماعية واقتصادية، واضاف الجانب السوداني بضرورة تعزيز سبل تطلعات الشعبين للسلام والتنمية وتنشيط كل الآليات الثنائية بترقية التعاون، ومن جانبه أطلع الجانب السوداني الجانب الأثيوبي بسير عملية التفاوض الدائرة في جوبا وجهود الحكومة الانتقالية في مجابهة التحديات الماثلة التي يسببها النظام البائد بينما أطلع الجانب الأثيوبي نظيره السوداني على الارتقاء بمستوى معيشة الشعب الأثيوبي، وجدد الجانب الإثيوبي دعمه للسودان في إزالة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب وعدد من القضايا الأمنية الأخرى، فضلًا عن المساعدة في استقرار السلام في المنطقة الأفريقية.
وأشار الجانب الأثيوبي أن مفاوضات سد النهضة ستكون مرضية لكل الأطراف في ظل إشرافها تحت قيادة الاتحاد الأفريقي موضحاً أن سد النهضة سيكون أداة للتكامل الإقليمي بين جميع الأطراف.