الخرطوم: رشا التوم – سارة إبراهيم
د. حسين القوني: على الحكومة ووزارة المالية تمليك المواطنين الحقائق
بروفيسور عصام الزين: المالية لا تملك سياسات لحل المشكل الاقتصادي
د. محمد الناير: خلل كبير في المالية وعدم مقدرة إدارة المؤسسات المستردة
إقرار حكومي
تمثل الشركات الحكومية وإيراداتها وخضوعها لسلطات وزارة المالية مثار جدل لم ينقطع حوله الحديث طوال الفترة الماضية، وبالامس كررها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بأن القوات المسلحة بسطت يدها لوزارة المالية لوضع يدها على مجموعة مقدرة من الشركات التابعة لها للاستفادة منها في تخفيف حدة الضائقة المعيشية، لكنها لم تستجب، وقال إن تلك الشركات تقف حجر عثرة وعائقاً للاستفادة من مواردها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ذهب الرئيس المناوب للجنة إزالة التمكين محمد الفكي في ذات المنحى مؤكداً وجود 120 موقعاً مستردًا في الفترة السابقة لم تقم الجهات المنوطة بتسلمها مما يجعل وزارة المالية في مرمى نيران الحكومة والرأي العام وتمت تعريتها في صورة واضحة لعدم مقدرة القائمين على أمرها بمهامهم الأساسية .
ويتعالى الجدل ويثار حول قضية الشركات الحكومية والأمنية التي يقال إنها عصية على المراجعة، وتحيط حساباتها بسياج من السرية، للحد الذي يشكو المراجع العام نفسه، من صعوبة مراجعتها، رغم إعطاء القانون وزارة العدل والمراجع العام سلطة مراجعة أي شركة حكومية، وحتى مؤسسات القطاع الخاص التي تبلغ أسهم الحكومة فيها “20%”. ورغم ما بذله الجيش ولجنة إزالة التمكين في تسهيل المهمة لوزارة المالية إلا أن الأخيرة تظل محلك سر ولم تحرك ساكناً وكأن الأمر لا يعنيها.
جدل مستمر
وكشف تقرير صدر عن المنظمة السودانية للشفافية في وقت سابق عن عدم تضمين 83% من الشركات الحكومية لإيراداتها في الموازنة العامة، فيما بلغ عدد الشركات غير المدرجة ضمن الشركات التي تمت مراجعتها من قبل المراجع العام “104” شركة حكومية حتى العام الماضي.
عدم تضمين الإيرادات
بيد أن المنظمة السودانية للشفافية، أكدت في تقارير سابقة أن الحكومة مدعوة لسد ثغرات الفساد، وأن 85% من حالات الاعتداء على المال العام لم تضبط، وكشفت عن عدم تضمين 83% من الشركات الحكومية لإيراداتها في الموازنة العامة..
معالجة الخلل
الثابت من خلال حديث مجلس السيادة ولجنة إزالة التمكين بأن لا حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى، لإزاحة ستار السرية الذي تنتهجه عدد من المؤسسات وليس عصياً على كل مراقب أن يستنتج غير واحدة من هذه المؤسسات التي ضربت حول نفسها طوقاً متيناً ليس من اليسير عبوره ومعرفة ما تخبئه في أضابيرها، ولا كيف تتعامل، وما هي حساباتها، وبنود صرفها، والأهم من ذلك ما فائدتها الحقيقية، وأهداف إنشائها، والواقع يقول إن كل هذه الأسئلة يصعب الوصول لإجابات قاطعة حاسمة حولها بغير جهات الاختصاص وهو هنا “اوزارة المالية”.
الحديث عن فشل وزارة المالية تقلد مهامها الأساسية بالإشراف والمتابعة والمراقبة لتلك الشركات والمؤسسات المستردة يعد خللاً يستدعي المعالجة الفورية، فعدد الشركات ليس قليلاً، وهو ما يعزز من فرضية أن من يرفض الخضوع للمراجعة لديه ما يستدعي إخفاءه وإبقاءه بعيدًا عن أعين الرقابة الرسمية، رغماً عن سلطات وزارة المالية والمراجع العام ووزارة العدل التي لا تستثني شركة أو مؤسسة من المراجعة طالما كانت حكومية أو للحكومة أسهم فيها بمقدار “20%” فأكثر.
وستكون وزير المالية المكلف د. هبة محمد علي، وهي أول سيدة تتولى حقيبة وزارة المالية في السودان في موقف عصيب وعصي على إيجاد الحلول العاجلة لمراجعة خطتها وخطواتها نحو ولاية وزارتها على المال العام.
بما أن تعيينها شكل مفاجأة للمراقبين لكون أنها لا تختلف كثيراً عن الوزير السابق في الرؤى والمفاهيم الاقتصادية، وهي من ذات المدرسة، ومع ذلك يبقى الحكم على جدوى ومقبولية تصرفها حيال الأمر متروك للمستقبل وما ستقوم به ..
ومطالبة في الوقت عينه بالإسراع لإحداث تغيير حقيقي في الوزارة وإصلاح جذري، حيث تمثل وزارة المالية مركز الثقل في تشكيلة حمدوك، وستكون أمامها مواجهة واقع صعب يتمثل في تراجع المالية العامة للدولة وتراجع الإنتاج المحلي في كافة القطاعات الاقتصادية مع عجز بائن في الميزان التجاري بما يقارب الـ 9 مليارات دولار.
ذات المدرسة
ورغم أنها المرة الأولى في تاريخ وزارة المالية تعتلي سدتها امرأة، إلا أن هبة لم تكن بعيدة كلياً عن الوزارة، حيث كانت تشغل منصب الأمين العام لهيئة للاستثمار وتنمية القطاع الخاص، وهي هيئة تتبع لوزارة المالية، كما أنها من ذات المدرسة التي يتبناها سلفها البدوي، وبينهما الكثير من المشتركات، حيث عملا في مؤسسات البنك الدولي، كما أنهما يشتركان في إيمانهما بفسلفة الإصلاح الإقتصادي عبر قوانين علم الاقتصاد، ويشتركان في وجوب التعامل مع المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية “صندوق النقد والبنك الدولي” وتبني وصفاتها الإصلاحية.
وتدرك الحكومة الانتقالية أهمية وتعقيد التحديات الاقتصادية، ذلك لأنها شكلت عصب الحراك الجماهيري الذي كلل بالتغيير، وكانت المطالب الاقتصادية والمعيشية هي السبب الرئيس في بروز وتنامي الأصوات الاحتجاجية، كما كان الاقتصاد هو المتأثر الأكبر بالإخفاقات التي حدثت طوال الفترة الماضية، ووصول الأزمة حدوداً عجزت فيها الحكومة عن معالجة قضايا شح السيولة التي ما تزال مستمرة، علاوة على تصاعد أسعار الصرف وما نتج عنه من تراجع احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي اللازم للاستيراد، وهي ذات المعضلات التي ما زالت عصية على الحل من قبل وزارة المالية، لأنها بكل وضوح غير قادرة على وضع حلول.
وأكدت الخبيرة الاقتصادية د. إيناس إبراهيم، في تصريح سابق أن المحك الحقيقي للوزيرة الجديدة هو ما ستطبقه من خطط وسياسات، ومدى إمكانية نجاحها وملاءمتها لوضع البلاد الحالي.
وقالت إيناس لـ “الصيحة”، إن مشكلة الاقتصاد لم تكن في الأشخاص بقدر ما هي مشكلة دولة كاملة بها سياسات معقدة وخطط رغم صحتها وجدواها إلا أنه من العسير تطبيقها نظرًا لوجود مشكلات هيكلية وعقبات لا حصر لها، قد تؤدي لإفشال أي جهود للإصلاح الجذري الشامل، وأشارت لوجود إمكانية تجاوز المأزق الاقتصادي الحالي بالاستغلال الأمثل للمتاح من موارد وتوظيفه بالصورة المثلى ليساعد في تجاوز المصاعب الاقتصادية الراهنة خاصة في القطاع الزراعي وصادرات الذهب والثروة الحيوانية، وقالت إن التدابير والخطط التي ستنتهجها وزارة المالية في عهدها الجديد هي التي ستحدد إمكانية الخروج من النفق المظلم من عدمه، لافتة إلى أن الإجراءات الإصلاحية واتباع سياسة تقشفية مقرونة مع تقليص طواقم المسؤولين وخفض الإنفاق الحكومي وتعديل بعض السياسات التي تعوق الإنتاج سيوفر للحكومة موارد مهمة يمكن استغلالها في تحسين الاقتصاد.
هرج ومرج
وفي ذات السياق، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة “المشرق” بروفيسور عصام الدين الزين، إن الفشل الاقتصادي في السودان بسبب السياسات المتبعة سواء سياسات مالية أو نقدية أو تجارية وعلى رأسها وزارة المالية والتجارة والبنك المركزي، وأضاف أن وزارة المالية لم تنتهج أي سياسات تعمل على حل المشكلة الاقتصادية، بل سارت على نفس الطريقة القديمة واتبعت سياسات مكررة وأثبتت فشلها كثيراً بدليل ما يحدث الآن من هرج ومرج في مؤسسات القطاع الاقتصادي، وقال إن وزارة المالية ليست لها ولاية على المال العام ومن المفترض أن لا تصدق لقيام تلك الشركات لأنها معتمدة على إدارة تسمى ادارة المؤسسات والشركات داخل الوزارة، وهذه الإدارة همها الأول والأخير أن تضع للمؤسسات برامج لتجني من ورائها الأموال وتجمعه من غير هيكلة ولا حوكمة والنتائج سياسات نقدية لا ترمي إلى الإصلاح الاقتصادي، وإنما مصالح شخصية، وأشار الزين في حديثه لـ (الصيحة) إلى أن الموازنة العامة للدولة والتي تم وضعها بواسطة خبراء من الخارج يتم التعاقد معهم وهؤلاء الأشخاص هدفهم الأرباح والحوافز الشخصية ووضعوا ميزانية حسب هواهم وهم ليسوا بحكماء أو علماء، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، وأبدى تساؤلاً عن الوضع القانوني لهذه المؤسسات والشركات التابعة لوزارة المالية والتي قام أغلبها نتيجة ضغوط معينة من نافذين في النظام البائد، وعاب على وزارة المالية عدم وجود خطط واضحة لإدارة الشركات التابعة لجهات ووزارات حكومية، وقال إن الفوضى تضرب بأطنابها وزارة المالية في التعاقد والهياكل يكفي أن زيادة المرتبات التي تمت بدون أي دراسة للأوضاع الاقتصادية وطباعة الأوراق النقدية والتي رفعت التضخم إلى أن وصل لأكثر من 130%، وهذا يؤكد أن وزارة المالية ليست الجهة التي يمكن أن تكون لها ولاية على المال العام في إشارة إلى الشركات الكبرى من الأمنية والجيش، وقال إنها المسيطرة على صادر الذهب وهم الجهة الوحيدة التي تأتي بعائد منه فأين الجهات الأخرى التي تعمل في مجال الصادرات، وقال إن هناك فوضى من وزارة المالية إلى وزارة التجارة مرورًا بالسجل التجاري والبنك المركزي، ولا توجد جهة تضع يدها على المال العام وتغطية الفشل في السياسات المتبعة .
تمليك الحقائق
وفي سياق متصل، طالب الخبير الاقتصادي د. حسين القوني الحكومة عامة ووزارة المالية خاصة بالشفافية وتمليك المواطنين للحقائق المالية كاملة وإصدار بيان خلال الأيام القادمة لتوضيح الحقائق ومصادر دعم الحكومة ومنصرفاتها خلال الفترة المقبلة وتوقعاتها للمستقبل القريب حتى يتمكن المواطن من الحكم عليها أو لها ويستطيع الحادبون على مصلحة الوطن تقديم المقترحات للنهوض بالبلاد، وقال لـ( الصيحة) إن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعد مقابلة احتياجات المواطن عبر وزارة المالية من الإيرادات الحكومية وبيع الأصول الحكومية ودعم اقتصاد السودان، والآن واضح أن هناك عجزاً كبيراً ولم يستطع الإيفاء بما وعد به.
ومن ناحيته أقر الخبير الاقتصادي د. محمد الناير بضعف كبير جداً من قبل وزارة المالية في الولاية على المال العام باعتبار أن عددا كبيراً من الشركات الحكومية والأمنية لا تملك المالية أي سلطة عليها ولا تستفيد من عائداتها وأرباحها، ولفت إلى استمرار الجدل حول المؤسسات الأمنية والتي من المفترض أن يتم إبقاء الصناعات ذات الطبيعة الاستراتيجية والعسكرية تحت سيطرة الأجهزة الأمنية وهذا من صميم عملهم ومهامهم، ولا يمكن أن تقوم جهة أخرى بها، أما فيما يخص العمل التجاري سواء كان استيرادا أو تصديراً أو القطاع الزراعي فمن المفترض أن تؤول المؤسسات إلى الدولة ولكن هناك مشكلة في مقدرة وزارة المالية على إدارة الشان الاقتصادي وخلل كبير في أدائها ظهر جلياً من خلال حديث لجنة إزالة التمكين واستراددها الكثير من المؤسسات وإحالتها للوزارة والتي بدورها لم تستطع الوزارة أو حكومة الفترة الانتقالية أن تديرها بصورة سليمة، وهي مشكلة كبيرة تواجه الاقتصاد الآن، وتكمن في عدم ترتيب الشأن الخاص بتلك المؤسسات مما يترتب عليه تأثير سالب على البلاد ودعا إلى الإسراع لتدارك الأمر.