الخرطوم- الدوحة.. المسافة لم تعُد بعيدة!!
الخرطوم- محمد جادين
على نحوٍ غير مُعلنٍ، وصل الخرطوم أمس الأحد، مبعوث دولة قطر لمكافحة الإرهاب والوساطة وتسوية النزاعات، مطلق بن ماجد القحطاني، وانخرط فور وصوله البلاد في مُباحثات مع رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك في إطار دفع جُهُود عملية السلام بعد أن حَطّ رحاله أولاً بجوبا عاصمة دولة جنوب السودان للوقوف على عملية التفاوُض الجارية حالياً بين الأطراف السودانية ولقائه قادة حركات الكفاح المُسلّح ووفد الحكومة الانتقالية.
ارتياحٌ للمُفاوضات
والتقى رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك بمكتبه بمجلس الوزراء أمس، المبعوث القطري مطلق بن ماجد القحطاني، بحضور وزير شؤون مجلس الوزراء السفير عمر بشير مانيس ووزير الخارجية المكلف د. عمر قمر الدين.
ونقل مبعوث دولة قطر لرئيس الوزراء، تحايا القيادة القطرية واطلعه على سير المباحثات التي تستضيفها جوبا، وأعرب المبعوث القحطاني عن ارتياحه لسير المُفاوضات، وقال إنها ستؤدي إلى اتفاق سلام في القريب العاجل.
من جانبه، أعرب رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، عن شكره وتحاياه لدولة قطر، شَاكراً المبعوث القطري على الزيارة، وقال إنها من شأنها تعزيز أواصر الصداقة والإخاء بين البلدين.
محطة جوبا
وقبيل وصوله الخرطوم، زار المبعوث القطري، عاصمة دولة جنوب السودان جوبا، والتقى القحطاني نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، رئيس وفد الحكومة التفاوضي وذلك في إطار الوساطة القطرية لتسوية النِّزاع بين الأطراف السودانية.
وتبادل الطرفان، وجهات النظر بشأن سُبُل إحلال السلام في السودان، وأكّد القحطاني لـ(حميدتي)، دعم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عملية السلام في السودان.
من جهته، قال (حميدتي) في تغريدة له على (تويتر) “التقيت بالعاصمة الجنوب سودانية جوبا، المبعوث الخاص للحكومة القطرية، وتناول اللقاء بحُضُور الوسيط توت قلواك، سير مُحادثات السلام مع قِوى الكفاح المُسلّح، كما تطرّق أيضاً إلى اتفاقية الدوحة للسلام بدارفور”.
وعقد القحطاني، اجتماعاً مع رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت، والجبهة الثورية لبحث سُبُل الوصول إلى اتفاق سلام السودان في “أسرع وقتٍ”.
لِقَاء الوَسَاطَة
وبحث القحطاني مع رئيس لجنة وساطة السَّلام بين الأطراف السودانية بجوبا المستشار توت قلواك، سُبُل دعم عملية السلام، وتحقيق الاستقرار في السُّودان، وتعزيز المُبادرة التي تقُودها دولة جنوب السودان لإحلال السلام بين الأطراف السودانية.
وكان قد وصل مطلق القحطاني إلى جوبا في زيارة استغرقت يومين، للتشاوُر مع الوساطة والأطراف السودانية، ضمن مُهمّة قطر في الوَسَاطَة وفَضّ المُنازعات.
وَأَكّدَ القحطاني، استعداد قطر لمُساعدة السودان في تحقيق السلام والاستقرار والأمن، وقال إنّ بلاده تدعم المَساعي الداعية إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ووصف مُباحثاته مع المسؤولين السُّودانيين بأنّها بنّاءة ومُثمرة.
تفعيل أدوار
الحراك القطري يعود إلى واجهة الأحداث في السودان بعد نوعٍ من الفتور في العلاقات، والتي حدثت على أعقاب سُوء تفاهُم حَدَثَ في أبريل 2019م عندما رفضت السُّلطات السودانية، استقبال وفد قطري برئاسة وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والذي قفل عائداً للدوحة، وأوضحت الحكومة لاحقاً أنّ الأمر نَتَجَ عن عدم التّنسيق والاتفاق المُسبق قبل الزيارة والذي تتطلّبه الأعراف الدبلوماسية، لكن يبدو أنّ العلاقة الآن عادت طبيعية، وتمضي باتّجاه وقوف السودان على مَسافةٍ واحدةٍ وعلاقات خارجية مُتوازنة مع كُلِّ دول العالم.
وتأتي الجُهُود القطرية لدعم السلام في السودان، بالتزامُن مع جهد خليجي لمُساعدة الأطراف السودانية للوصول إلى السلام الشامل والانتقال إلى مرحلة التنمية ومُعالجة آثار الحرب.
وتسعى الدوحة إلى تفعيل دورها في دفع عملية السّلام بعد دورها المشهود في ملف سلام دارفور وتوقيع اتفاقية الدوحة خلال الفترة الماضية.
ووجدت زيارة مبعوث وزير خارجية دولة قطر لشؤون تسوية النزاع مطلق القحطاني للسودان، ردود فعل واسعة وترحيباً من قِبل الحركات المُسلّحة، للدور الذي يُمكن أن تلعبه قطر في تحقيق السلام بالسودان.
ورحّبت حركات الكفاح المُسلّح بالخطوة القطرية المتمثلة في استعدادها لدعم السَّلام. وقال رئيس حركة العدل والمُساواة د. جبريل إبراهيم في تصريحات نقلتها “الجزيرة مباشر” أمس الأول، إن قطر ساهمت في السنوات الماضية بمبالغ مالية لا يُستهان بها لإنهاء الحرب وتحقيق السلام، ورفع المُعاناة عن كاهل المواطنين، وأشار إلى أنّ هذه المشروعات كان لها مردودٌ كبيرٌ للشريكين، وأكّد أنّ قطر قادرة على المُساهمة في تحقيق السلام الشامل بالسودان رغم التقلبات السياسية.
بدوره، أوضح كبير مُفاوضي حركة العدل والمُساواة السُّودانية أحمد تقد لسان، أنّ القحطاني عقد سلسلة اجتماعات ولقاءات مع مسؤولي حكومة جنوب السودان وفريق التفاوُض وقيادات الحركات المُسلّحة السودانية، وأشار إلى أنّ الاجتماعات مع الأطراف السودانية المُتفاوضة مع القحطاني، بدأت منذ وصوله مدينة جوبا نهار الخميس الماضي.
والتقى القحطاني، المجلس الرئاسي للجبهة الثورية السودانية برئاسة الهادي إدريس وجبريل إبراهيم، بجانب لقائه محمد بشير مُمثل حركة تحرير السُّودان.
وقال القحطاني “إنّ الوفد القطري أجرى مُشاورات مع جميع الأطراف في عملية السَّلام وكيفية الوصول إلى اتفاق سلام نهائي في أسرع وَقتٍ”.
جهود قديمة
وكانت قطر دخلت على خط البحث عن السَّلام بالسُّودان في وقتٍ مُبكِّرٍ، إذ شهدت العاصمة القطرية الدوحة في فبراير 2010م توقيع اتفاق إطار ووقف إطلاق نار في دارفور بين مُمثلين عن الحكومة وحركة العدل والمُساواة برعاية أمير قطر وقتها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وكان يعول على الاتفاق الإطاري أن يُمهِّد لإجراء مُحادثات تنهي النزاع المُسلّح في الإقليم.
وواصلت قطر بعدها دعم تنفيذ الاتفاق، إلى جانب البدء في مشروعات إعادة التنمية والإعمار وإعادة توطين النازحين واللاجئين، ويبدو أنّ الدوحة تتّجه الآن إلى تقديم جُهُود أُخرى باتّجاه تحقيق السَّلام في دارفور والمنطقتين من خلال مبعوثها الذي نَشِطَ في تحرُّكات بين جوبا والخرطوم.