الذهب.. مصادمات ومضاربات!
الخرطوم: رشا التوم
حديث رئيس الوزراء عن وجود جهات حكومية تقوم بشراء الذهب بأكثر من سعره بعشرة أضعاف مما قاد لارتفاع سعر الذهب والدولار مقابل الجنيه، هذا الحديث قطعاً يمهد لطرح سوال عن ماهية تلك الجهات التي ذكرها رئيس الوزراء؟ ولماذا لم يفصح عنها علانية للرأي العام وتحفظ على أسمائها؟ في زمن ثورة ديسمبر المجيدة ورفع شعار (زمن الغتغته والدسديس انتهى) . وفي الوقت نفسه يواجه قطاع الذهب والعاملون فيه مشكلات تتعلق بزيادات جنونية في سعر الجرام ومضاربات واحتكار لكميات كبيرة من المعدن الأصفر وحدوث ممارسات غريبة ومريبة تحدث لأول مرة كما وصفها التجار مما ينذر بأن القادم أسوأ في ظل وجود جهات لا زالت تواصل تهريب الذهب رغم تحذيرات الحكومة الأخيرة، ورهن ضبط صادر الذهب بوقف نزيف التهريب والتحكم في الصادر لضمان إعادة حصائل الصادر للخزينة العامة
مضاربات وتزوير
وأقر رئيس اللجنة التمهيدية للصاغة والمعدنين محمد إبراهيم تبيدي بحدوث ارتفاع غير مسبوق في أسعار الذهب على المستوى الداخلي، وقال في حديثه أمس لـ(الصيحة): نملك معلومات خاصة بأن الذهب يباع بأعلى من سعره المحدد في المركز بشرق البلاد في مناطق البحر الأحمر وبورتسودان وكسلا، ويتم الشراء من أشخاص محددين، وكشف عن امتلاكهم معلومات مؤكدة عن عمليات تجري لطباعة عملة سودانية مزيفة في إحدى دول الجوار وفي الداخل، ويتم إدخالها السوق لشراء سلع استراتيجية مثل الوقود والذهب وهي أموال مزورة ومضروبة مما يعد تخريباً كبيراً للاقتصاد الوطني.
ولفت إلى ظاهرة دخول تجار العملة للمضاربة في السوق وبدء تحركاتهم منذ أكثر من شهر بغرض شراء كميات كبيرة من الذهب والمضاربة مما يخلق زيادة مضطردة في الأسعار ولم يسمّ جهة بعينها، وقال: هناك مناديب وأشخاص لا نعلم وجهتهم يشترون من التجار بأعلى سعر وبدورهم يسعى التجار لتحقيق مكاسب والبحث عن الفائدة ولن يلتفتوا إلى من هم هولاء الأشخاص أو من أين اتوا؟ وليس من اختصاصهم البحث عن هويتهم.
مشيراً إلى أن الجهات الرسمية منوط بها معرفتهم ولمصلحة من يعملون، وأوضح أن هناك آلية سابقة لحصر ومتابعة الذهب في مناطق الإنتاج وتسجيل كمياته عبر إيصالات رسمية توضح الجهات المشترية والبائعة في عمارة الذهب وطالب بإجراءات احترازية وتقنين عملية بيع الذهب، مبيناً الحاجة الى عمليات فنية وخطة حكومية واضحة وسياسات إصلاحية تتزامن مع الوضع الراهن، علاوة على تدابير حكومية لتحجيم التهريب ووقف الجهات الهلامية التي تضارب في السوق.
من ناحيته قال رئيس شعبة مصدري الذهب السابق عبد المنعم الصديق بأن لا حديث يعقب حديث رئيس الوزراء بأن هناك جهات حكومية تضارب في الذهب والدولار بغرض رفع الأسعار، وأكد لـ( الصيحة) تلك الجهات معلومة ومرصودة ولكنهم (شياطين) يملكون وكلاء ومناديب بالإنابة عنهم لشراء كميات مقدرة من الذهب بأسعار عالية جداً وهي شركات تتبع لجهات نظامية وأمنية ولا تتدخل في عملية الشراء بنفسها، وقطع بأن هناك جهات تعمل على إجهاض عمليات الإصلاح الحكومية، وواجب على الحكومة مجابهتها ومنع الممارسات السالبة في قطاع الذهب والتي أضرت بالاقتصاد الوطني.
وشكا التاجر بسوق سعد قشرة معتز حسين في حديثه أمس لـ(الصيحة) من ركود شديد إثر الارتفاع المتزايد في جرام الذهب بالأسواق وقال إن الجرام من الذهب البحريني والتركي بواقع 13 ألف جنيه، والسعودي والمحلي بواقع 12 ألف جنيه والمسبوك بـ 10.100 جنيه، وأوضح أن التعاملات التي تجري في السوق بمعدلات عادية وخاصة بالنساء في غالبيتها ووصف حركة البيع والشراء بالضعيفة إثر الغلاء والزيادات في سعر الجرام يومياً.
من جانبه قال الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي في تصريح سابق بأن الذهب بالنسبة للاقتصاد السوداني هو سلعة استراتيجية ذات أهمية خاصة ويقوم مقام النفط بالنسبة للدول النفطية، موضحاً أن تلك الدول بالأخص في المحيط العربي على رأسها المملكة العربية السعودية لم نر أنها وضعت المرفق الهام في أيدي القطاع الخاص بل ظلت الحكومة تحتكره لأهميتة الاستراتيجية وما أكثر البيوتات التجارية في المملكة العربية السعودية والأثرياء من التجار ورجال الأعمال الذين لديهم القدرة أن يلجوا المجال ولكن ظلت الحكومة تحتكره لأهميته الخاصة، وبالتالي يعتبر الذهب ذا أهمية للبلاد، حيث يبلغ تصديره من الإنتاج الأهلي فقط دون الذي منح للشركة باعتبارها من القطاع الخاص رغم عدم خبرتها السابقة في هذا المجال حوالي 200 طن من الذهب في العام، حيث تبلغ قيمتها بالعملات الأجنبية ما لا يقل عن 8 مليارات دولار سنويا وهذا يساوي ضعف ما يصدره السودان من كافة المنتجات من ثروة حيوانية ومنتجات زراعية كصمغ عربي وخلافه، فكل هذه مجتمعة حصيلتها دون الـ4 مليارات دولار سنوياً، بينما المنتج من الذهب عبر التعدين الأهلي فقط إذا تم إحكام منافذ التهريب فيصل العائد إلى 8 مليارات دولار، مشيراً أن الدولة لا تنفق عليه جنيها واحداً بل تقدر عليه وتمنع عنه كثيراً من الأشياء فهذا له دور أساسي وحيوي فكل واردات البلاد تجيء عبر المنتج، لافتاً لأهمية قفل منافذ التهريب حتى لا يأتي عبر المضاربين بالعملات الأجنبية والدولار فيساهم في ارتفاع أسعار السلع بصورة مضاعفة مشيرًا لضرورة أن تضع الدولة يدها على الإنتاج عبر الإشراف على شرائه بطريقة منصفة، وبالتالي دخول العائد لخزينة الدولة فقد تكون قد غيرت من وضع السودان الاقتصادي، وقال: ينبغي على الدولة أن تنشط فوراً في الاهتمام بتشجيع المرفق والعاملين في التعدين الأهلي عبر الإشراف عليه وبيعه بأسعار مجزية بجانب توفير ما تحتاجه من جازولين وكافة المعينات في مناطق الإنتاج كالرعاية الصحية والأمنية.
ووصف مراقبون ما يحدث في قطاع الذهب بأنه إهدار موارد البلاد ودعوا لضرورة الاهتمام من قبل الجهات المختصة بقيام بورصة لشراء الذهب بالخرطوم بدل شرائه من بعض الدول منها دبي وغيرها، فلابد أن تتخذ الدولة الإجراءات الصحيحة والسليمة والابتعاد عن العشوائية والتخبط في اتخاذ القرارات بجانب الاهتمام والاستفادة من عائدات البلاد بصورة صحيحة.