مُفاوضات جوبا.. هل تعرقل “التجزئة” المسار؟!
الخرطوم- مريم أبشر
مساء الاثنين، وقعت الحكومة السودانية بالأحرف الأولى على اتفاق الترتيبات الأمنية في المنطقتين مع الحركة الشعبية- شمال قيادة “مالك عقار” كآخر الملفات المتفاوض عليها مع الحركة.
وفيما رحّبت بالتوقيع، الحكومة والأطراف الموقعة والوسيط واعتبرته بارقة أمل في مسار السلام، إلا أن كثيراً من المراقبين والخبراء انتقدوا الخطوة واعتبروها محاولة لإطالة أمد التفاوض وتجزئة الملفات وبالتالي زيادة المعاناة على المواطن وتضييق حلقات الضغط على الحكومة الانتقالية التي تواجه وضعاً اقتصادياً صعباً وهي تكمل عاماً منذ توقيع الوثيقة الدستورية ولا تزال معظم الملفات المهمة تراوح مكانها ومظاهرات التقويم وجرد الحساب من قبل الثوار تمثل نبض الشارع والرقيب الشرعي على ثورة ديسمبر المجيدة.
خُطىًّ واثقة
وقال بيان صدر بجوبا عقب التوقيع: (نسير بخطوات واثقة ومتينة نحو إنجاز اتفاق سلام شامل وقابل للاستدامة مع كافة القوى المنخرطة في التفاوض بمنبر جوبا، سلام يعالج مشكلات الحرب الأساسية ويضع حداً نهائياً للعنف والاختلال في إدارة السودان).
سنكون أقوى
وأعلنت الحكومة السودانية، موقفها المُعلن والثابت من الحل السلمي المتفاوض عليه مع جميع الشركاء في قوى الكفاح المسلح، وأن السلام مفتاح التنمية والاستقرار. مراسيم التوقيع تبارى اعضاء وفود التفاوض والوساطة بالإدلاء بكلمات عبرها، حيث أكد اللواء يس إبراهيم يس وزير الدفاع ورئيس الوفد الحكومي لمفاوضات الترتيبات الأمنية أن تحقيق السلام والاستقرار والأمن بالبلاد يمثل أولوية قصوى بالنسبة للحكومة الانتقالية. وأضاف: “إننا في هذه اللحظات التي نحتفل فيها بالتوقيع على اتفاق الترتيبات الأمنية مع الحركة الشعبية، نُحيِّي قواتنا المسلحة الباسلة وهي تحتفل بعيدها السادس والستين”، مُضيفاً أنّ القوات المسلحة ستظل مُتماسكة وبانضمام أفراد الجيش الشعبي – الحركة الشعبية شمال إليها ستكون أكثر تماسكاً وقُوةً وجَاهزيةً للتصدي لأي مهددات لأمن الوطن. وقال اللواء يس إن هذا الاتفاق يمثل الخطوة الأولى في مسيرة تحقيق السلام والاستقرار في السودان داعياً حركتي الكفاح المسلح بقيادة عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمدف نور للانضمام الى ركب السلام، مشيراً إلى ضرورة إحلال السلام وأن الوطن يسع الجميع. وأبان أن اتفاق الترتيبات الأمنية توافرت فيه كل المعطيات التي تحفز وتساعد الآخرين للانضمام لمسيرة السلام من أجل تنمية وبناء الوطن. وأضاف “إننا نهدي هذا الاتفاق إلى السادة رئيس وأعضاء مجلس السيادة الانتقالي ورئيس الوزراء وإلى جميع أبناء الشعب السوداني. وفي الختام قدم شكره وتقديره لفخامة الرئيس سلفا كير وحكومته وشعب جنوب السودان وإلى كل الشركاء الإقليميين والدوليين الذين ساهموا وساعدوا في الوصول لهذا الاتفاق.
خطوة مهمة
أما ياسر سعيد عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار، وصف الاتفاق بأنه تاريخي ومهم للغاية. مضيفاً أن هذا الاتفاق يستمد أهميته من الأحداث التي تشهدها المنطقة من حولنا. وأكد عرمان أنه بالتوصل إلى إتفاق السلام الشامل سوف يتم تطوير وتحديث السودان بما في ذلك القوات المسلحة السودانية وقال “سنشارك جميعاً في تطوير وإصلاح وبناء قوات مسلحة قوية وفاعلة تعكس التنوع الذي يتميز به السودان، وتكون لها عقيدة عسكرية جديدة بعيدة عن التسيس، وكذلك كافة القوات النظامية الأخرى. وقدم عرمان شكره لرئيس وحكومة وشعب دولة جنوب السودان لرعايتهم لهذه المفاوضات وحرصهم على تحقيق السلام والاستقرار في السودان”، مضيفاً أن هذا الاتفاق سيساهم في بناء جيش وطني يحمي كل السودانيين في جميع أنحاء البلاد. كما هنأ طرفي التفاوض بهذا الإنجاز وقدم شكره وتقديره للنائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي ولكل أعضاء فريق التفاوض لما بذلوه من جهود من أجل التوصل لهذا الاتفاق تمهيداً للوصول الى اتفاق السلام الشامل. وأعرب عرمان عن شكره وامتنانه لممثلي دولتي تشاد والإمارات العربية المتحدة الذين ساهموا وساعدوا في إبرام هذا الاتفاق.
اقتراب السلام الشامل
أكد مستشار الرئيس الجنوب سوداني للشؤون الامنية الفريق توت قلواك، أكد فى كلمته عزم وتصميم بلاده على تحقيق السلام والاستقرار في السودان، مشيراً إلى أن السلام في السودان يمثل تحقيق السلام في جنوب السودان، وأن الأمن القومي مشترك في الدولتين. وقال “إننا شعبٌ واحدٌ في دولتين”. وأضاف توت أن التفاوض حول ملف الترتيبات الأمنية، وأعلن عن بدء التفاوض فى المسار الامني لدارفور، وأكد رئيس لجنة الوساطة الجنوبية مجدداً أن التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق السلام الشامل سيكون في الثامن والعشرين من شهر أغسطس الحالي. وقدم توت التهنئة للأطراف المُتفاوضة بمُناسبة التوصُّل لهذا الاتفاق، مُضيفاً أنّ المُفاوضات مع الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز آدم الحلو سوف تبدأ في غضون اليومين المقبلين، مبشراً الشعب السوداني بقرب تحقيق السلام الشامل.
قوة دفع
التوقيع بالاحرف الاولى وإن كان جزئياً، إلا أن وجود النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو، رئيس الوفد الحكومي لمفاوضات السلام، الذي وصل جوبا الاثنين، منح التفاوض قوة الدفع المطلوبة، خاصةً وأن هنالك توقعات بأن التوقيع على اتفاق السلام الشامل بالأحرف الأولى سيكون فى الثامن والعشرين من اغسطس الجاري.
(حميدتي) عقب وصوله، انخرط في لقاءات مع الأطراف، حيث التقى برئيس حكومة جنوب السودان الفريق سلفا كير ومبعوث السلام اسماعيل وايس، وبحث سبل دفع المفاضات وصولاً للنهايات، كما التقى بفندق بريميد بمدينة جوبا، قيادات الجبهة الثورية بحضور فريق الوساطة الجنوبية برئاسة السيد توت قلواك.
وأوضح د. ضيو مطوك عضو فريق الوساطة الجنوبية أنّ لجنة الوساطة وضعت جدولاً زمنياً محكماً لاستكمال التفاوض بشأن القضايا التي لم تكتمل بعد وعلى رأسها مسألة الترتيبات الأمنية في مسار دارفور ومُراجعة بعض الأوراق فيما يتعلق بالملفات السياسية والقضايا القومية في مساري دارفور والمنطقتين، مشيراً إلى أنّ رئيس لجنة الوساطة كان قد أعلن صباح اليوم أن التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق السلام الشامل سيكون في الثامن والعشرين من شهر أغسطس الحالي. وأضاف أنّ التفاوض مع الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز آدم الحلو سيُستأنف خلال اليومين المقبلين، وستبدأ جلسات التفاوض بالتداوُل حول ملفات إعلان المبادئ ووقف العدائيات والمساعدات الإنسانية، كاشفاً أن جلسات التفاوض ستتواصل خلال الأيام المقبلة في الصباح والمساء حتى يتم استكمال كافة الملفات المُتبقية تمهيداً للتوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق السلام.
مؤتمرٌ جامعٌ
بعض المراقبين أبدوا عدم تفائلهم بالاتفاقات المجزأة فى مسار السلام.. ووصف البروفيسور عبده مختار، التوقيع على اتفاق الترتيبات الأمنية مع جناح عقار بغير المُفيد، ودعا لتجميد التفاوض والدعوة لمؤتمر قومي لمناقشة كل قضايا الوطن وأن تجمع فيه كل المكونات السودانية على صعيدٍ واحدٍ من أجل وضع أسس جديدة لكيف يحكم السودان، وتأسيس دولة العدالة والقانون، وقال إن المؤتمر سيعمل بشكل تلقائي على حسم وإزالة كل الأسباب التي أدّت للتمرد ووضع الحُلُول الجذرية لها، واعتبر تجزئة السلام وتقسيمه لمسارات لا يخدم قضية السودان، وقال لـ(الصيحة): يجب بأسرع ما يكون الدعوة للمؤتمر، واصفاً الوضع الحالي بالتوهان، وانتقد الحكومة وقال إنّها في حالة ضعف وليست لها خُطة، لافتاً إلى أن المؤتمر ينبغي أن يضع خارطة طريق للفترة الانتقالية ووضع خُطط للتنمية بالتركيز على المناطق المُهمّشة ومناطق الحروب لمنحها ميزةً إيجابيةً للتنمية وليس المناصب، ويرى أنّ المؤتمر يجب أن يقوم بالداخل ونحن لا نحتاج لمنابر خارجية، وأكد انه لا يوجد مبرر للتفاوض، خَاصّةً وأن النظام الذي تعارضه حركات الكفاح قد ذهب والسودان الآن مفتوح، لكل أبنائه لإزالة التظلمات ما لم تكن هنالك أجندة أخرى، معتبراً ان قيام المؤتمر والمشاركة فيه يمثل المحك التاريخي والضمير الوطني لإنقاذ البلاد من الراهن الذي تعيشه.
“قحت” مُخترقة
البروفيسور صلاح الدومة الأكاديمي والقيادي بقوى الحرية والتغيير، كشف عن اختراق لقيادات قِوى الحُرية والتّغيير من قبل الأجهزة للنظام السابق والدولة العميقة، وقال لـ(الصيحة): (جزء كبير من مجلس السيادة وقيادات قوى الحرية عبارة عن عُملاء للدولة العميقة)، وأوضح أن تقسم المسارات يمثل أحد أشكال الضغط للوصول الى تفاهُمات حول ملفات أخرى كالمحاكمات، وأضاف بأن الدولة العميقة تنتهج نفس سياسات النظام البائد، التقدم ثم الرجوع للوراء من خلال التقسيم لعدة مسارات، ويعتقد أن أي اتفاقات مُجزأة لن تؤدي لأي نتيجة، ويرى أن الحل يكمن في المقترح الأمريكي بأن يسلم الملف برمته للاتحاد الأفريقي للإشراف على كل ملفات السلام في السودان.
السلام واحد
بذات روح عدم التفاؤل، بدأ السفير الطريفي كرمنو، تقييمه للتوقيع بالأحرف الأولى لاتفاق الترتيبات الأمنية مع الحركة الشعبية جناح عقار، ويرى أان اتفاقات السلام في كل تاريخ الحروب في العالم ومنذ الحرب العالمية الأولى واحدة وحتى في السودان كل الاتفاقيات التي وقعت واحدة، وقال لـ(الصيحة): لا يُمكن أن يأتي سلام بالتجزئة. وانتقد قيادات الكفاح المسلح التي تتخذ من العواصم الأوروبية مقراً لها، ويرى الطريفي في حديثه لـ(الصيحة) ان التهميش الذي تعيشه دارفور ومناطق النزاع سببه الحرب، وقال إن دارفور التي أنهكتها الحروب تُعد من أجمل الأماكن في الدنيا، ودعا الجميع للاصطفاف حول وحدة السودان والعمل من أجل التوصل لاتفاق سلام واحد يضع الأساس لحل كل مشاكل السُّودان.