البحر الأحمر.. توقُّعات ما بعد الهدوء
بورتسودان- إيهاب محمد نصر
أصل الصراع
أحداث دامية شهدتها مدينة بورتسودان خلال الفترة القليلة الماضية راح ضحيتها أكثر من 30 شخصًا وعشرات الجرحى والمصابين الأمر الذي دعا حكومة الولاية لإعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال الشامل في مدينة بورتسودان. ويعود نشوب الصراع بين النوبة والبني عامر هذه المرة والذي يتجدد للمرة الخامسه خلال عام واحد إلى مسيرة سلمية صدقت بها حكومة الولاية لأبناء النوبة مطالبة بنبذ القبلية والعنصرية وسلمت والي البحر الأحمر مذكرة رفضت فيه تعيين مرشح حزب الأمه الدكتور حامد البشير والياً لجنوب كردفان دون أن يحدد مسار لخط المسيرة الأمر الذي جعل المسيرة تمر بأحياء البني عامر، حيث قوبلت من الطرف الآخر بالرفض ورميها بالحجارة مما أشعل الصراع، وكان للقوة العسكرية التي أتت من الخرطوم جيش وشرطة ودعم سريع دور كبير فى وقف الاقتتال وقد فرض استجلاب هذه القوة الكبيرة الكثير من التساؤلات إذ أن هذا السيناريو تكرر في كل مراحل الصراع الذي نشب في المدينة حسب ما ذكر لـ(الصيحة) خالد محمد نور الناشط السياسي، حيث قال: لقد تكرر السيناريو 5 مرات بالكربون، تفتعل مشكلة بين النوبة والبني عامر يبدأ الطرفين بالاحتشاد في الشارع الفاصل بين حيي دارالنعيم وفلب “لفة أزرق” تتدخل القوات الأمنية بدون تفريق المحتشدين ثم تنسحب بحجة عدم المقدرة على السيطرة على الموقف، ليحدث الاشتباك بين المواطنين وعمليات القتل والحرق تستمر غالبًا لثلاثة أيام يتخللها تدخل متقطع للقوات الأمنية في مناطق النزاع غالبًا ما يترافق تدخلها باتهامات بالانحياز لطرف ثم تستجلب قوات الدعم السريع للولاية لتنتشر وتفرض الأمن.
هذا هو السيناريو المعاد والمكرر،
أسئلة حائرة
وتساءل خالد نور عبر (الصيحة) كيف تعجز القوات الأمنية الكثيفة في بورتسودان عن السيطرة على نزاع واقتتال أهلي محدود في نطاق معين ـ شارع واحد ـ وبأعداد بسيطة خصوصاً عند بدايته؟
كيف تستطيع قوات محدودة من الدعم السريع ـ لا تتحاوز مائتي تاتشر ـ إنهاء الاقتتال الأهلي وفرض الأمن والنظام في حين تفشل القوات الموجودة ببورتسودان والتي تقدر بعشرات الآلاف ـ الفرقة ١٠١ مشاة لواء الدفاع الجوي وحامية بورتسودان وحامية جبيت وغيرها من القوات المتواجدة والمرتكزة بولاية البحرالأحمر؟
ما الداعي لاستجلاب قوات من خارج الولاية في وجود القوات المذكورة أعلاه؟ هل السبب هو عدم كفاءة هذه القوات أم هو الخوف من انحيازها لطرف من الأطراف المتصارعة؟ وهو ما يرجح فرضية صدق الاتهامات الموجهة لهذه القوات من أطراف الصراع؟
هذا كان فيما يخص الجانب الأمني، أما ما يتعلق بالجانب القانوني والسياسي فقد اعتبره خالد نور هو الأقل سوءاً عنه،
حيث أمر الوالي بتشكيل لجنة تقصي حقائق تتكون من قادة الأجهزة الأمنية وممثل للحرية والتغيير وممثل للجان المقاومة
مما يفرض عدة أسئلة حسب ما ذكر خالد تتمثل في أين تقارير اللجان السابقة؟ ماذا قالت ولمن حملت المسئولية في الأحداث؟ وهل تم القبض على الجناة والمحرضين والمقصرين؟
وكيف يكون أعضاء اللجنة الأمنية قادة الأمن والجيش والشرطة المتهمين بالتقصير، بل وفي بعض الحالات بالانحياز، أعضاء في لجنة تقصي الحقائق؟ أليس من المنطق أن يبحث التحقيق في سبل مواجهتهم للموقف ومدى كفاءتهم وعما إذا كانوا مقصرين في أداء واجباتهم خصوصاً أن الأحداث تكررت خمس مرات ومجموع ضحاياها يفوق المائة؟
كيف يمكن أن يصبحوا هم الخصم والحكم؟
مؤكدًا بأن ما نشاهده الآن هو إعادة لدوامة الفشل التي سيكون أثرها بلا شك إثارة الأحداث الدموية مرة أخرى في أقرب سانحة للفتنة.
ودعا نور إلى ضرورة أن تُشكل لجنة تحقيق مركزية محايدة من شخصيات قانونية وأمنية على مستوى عالٍ من الخبرة والكفاءة والاستقلالية لتحقق في الأحداث منذ بدايتها وحتى نهايتها ويحدد لها جدول زمني لتسليم تقريرها وتوصياتها.
البحث عن حلول
حيال هذا الصراع الذي تكرر وأصاب المدينة بالشلل التام أخذ الناس يتداعون من كل أطياف ومكونات الولاية لنقاش جذور المشكلة والبحث عن حلول لها يوقف نزيف الدم وما يخلفه من مرارات وأسى في النفوس، فتعددت المبادرات والهدف واحد حيث استفاض القيادى بحزب مؤتمر البجا الحرية والتغيير، عبد الله موسى فى وضع حلول الأزمة عبر مبادرة سلام، وقال لـ (الصيحه) (البكا يحررو اسيادو).
وقد حوى مقترحه ضرورة استنهاض كل مجتمع ولاية البحر الأحمر من أجل إقرار السلم الاجتماعي وإعلاء قيم التعايش بين مكوناته جميعاً. وإجراء حوار مجتمعي شفاف يؤكد على احترام تعدد مجتمعنا إثنيًا وثقافيًا ودينياً. ونشر التعليم والوعي السياسي عبر كافة الوسائل من محاضرات وفنون وغيرها.
العمل على تشجيع الشباب للانخراط في الأحزاب السياسية
.. ومنظمات المجتمع المدني .. نقابات… هيئات.. منظمات الخ
محاربة العنصرية والتعصب القبلي وردع دعاة الفتن وكشفهم وتقديمهم إلى القضاء العادل.
حظر وتجريم حمل السلاح الناري للمدنيين حظرًا تامًا وتشديد العقوبات على كل شخص مادي أو معنوي يحمل أو يخزن أو يحرض على استعمال السلاح الناري الذي سيكون حصريًا على الجيش والأجهزة الأمنية.
الوسائل
تفعيل القوانين وإصدار قوانين ولائية صارمة تشدد العقوبات على حاملي السلاح المدنيين بالسجن والغرامة والتغريب.
أما المهندس محمد المكي الناشط المجتمعي فقد وضع ثلاثة مسارات للحل أجملها لـ (الصيحة) في:
المسار الأمني
وهو توفير عدد مقدر من ضباط جهاز الأمن بالولاية (بعساكر ومعينات) متفرغة لمدة عام متواجدة في مناطق النزاعات ترفع تقارير يومية من مخبريها في القهاوي والأندية والأسواق هناك واعتقالات مباشرة لمثيري الفتنة.
نقاط ارتكاز مشتركة جيش، دعم سريع، شرطة، بميزانية واضحة لمدة عام وتعيينات دائمة وإنشاء نقاط بمسافات مدروسه داخل أحياء النزاعات.
قانون رادع لمثيري الفتن ومبتدريها في وسائل التواصل والقهاوي والأندية والمطاعم وقوانين رادعة لحاملي السلاح بكل أنواعه وتنفيذ أحكام سريعة بالسجن ليس فيها أعفاء أو استثناء.
المسار السياسي والاجتماعي
ويتمثل فى تكوين مفوضية البحر الأحمر للسلام المجتمعي (دائمة وبمقر وبقانون) من نظار وعُمد ومشايخ وشخصيات قومية ووطنية ووجهاء المجتمع والحادبين على مصالحه وموظفين حكوميين كبار سابقين ومعاشيين من القوات النظامية يكون لديها مقر ومتحركات ومرتبات ثابتة هدفها الأساسي مراقبة الأوضاع الأمنية بتقرير أسبوعي ومراقبة التفلتات وإصدار التوصيات للجنة الأمنية وعمل التوعية والبيانات التي تدعو للتعايش السلمي يتم التعامل معها كلجنة فنية وشبه أمنية في المشاورة في إصدار القرارات ذات الطابع العام والسياسي وحسب قانونها المنظم لعملها فإن قرارتها استشارية غير ملزمة وتوصياتها محل تقدير.
تفعيل لجان ترسيم الحدود وأي لجان أخرى تم الاتفاق عليها سابقاً وعمل لقاءات مكاشفة عامة بين الحكومة وكل مكون مجتمعي على حدة للاستماع للمشاكل والتحدث بحرية عن الإشكالات والنظر بعين الاعتبار لمخرجات هذه اللقاءات ومداخلتها.
المسار الشعبي
ويتمثل فى الاهتمام بالمبادرات الشعبية ومبادرات لجان المقاومة وعمل حملة دعم من مشاهير المجتمع الفني والرياضي لبث روح التعايش السلمي والتصافي وإعداد المقالات والتقارير التي تتحدث عن تاريخية الولاية وقصصها الكبيرة في التعايش والتحاور.
تشجيع كل مؤسسات الولاية على عمل المبادرات والقوافل التعويضية وقوافل التعزية وجبر الضرر تتحرك يومياً لمناطق الأحداث وإيصال التعازي والمساعدات الممكنة ولو بسيطة ورمزية لتضميد الجراح وتشجيع عمل البحوث العلمية والاقتراحات والأقوال الحكيمة من الجميع للمساهمة في تجويد أداء كل المسارات أعلاه.