الدولار.. صعود بلا رقيب
الخرطوم ــ سارة إبراهيم
مازال الموقف ضبابياً والمستقبل مجهولًا بشأن سعر صرف الدولار الأمريكي والعملات الأخرى أمام العملة الوطنية في سوق العملات الموازي، حيث شهد سعره ارتفاعاً كبيراً تراوح ما بين (168) جنيهاً إلى (175) جنيهاً في اليومين الماضيين، أما سعر الريال السعودي فتراوح ما بين (42) جنيهاً إلى (44) جنيهاً كسعر بيع وشراء، فيما وصل اليورو إلى (185) جنيهاً والاسترليني (200) جنيه، وتوقع تاجر عملات ــ فضل حجب اسمه لـ(الصيحة) أن تشهد الأيام المقبلة مزيداً من الارتفاع، وأكد ضعف القوة الشرائية.
ويرى مراقبون للوضع الاقتصادي، أن عدم وضوح السياسات الحكومية سيمكن السوق الموازي من التمدد وفرض سعر يتحكم فيه تجار العملات، فيما يرى آخرون أن إجراء إصلاحات ولو مرحلية سيمكن الحكومة من السيطرة على سعر الصرف الذي شهد مؤخراً انفلاتًا واضحاً وسط عجز كبير للآليات الرسمية لكبح جماح الدولار.
والناظر إلى الوضع الحالي يرى أن أسعار الصرف في السودان لم تعد “واقعية” حتى في الظروف العادية، لكونها تعتمد على عدة مؤشرات لا علاقة لها بالاقتصاد، وهو ما يجعلها ترتفع وتنخفض ثم تعاود الارتفاع مجدداً، كما تعتبر المضاربات ونشاطات الوسطاء أحد أسباب ارتفاع أسعار الصرف، وفي المقابل تُشكل التدابير الحكومية ولو كانت صورية من دون تنفيذ، سبباً لانخفاضها، كما تتسع الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي بأكثر من (70%) من قيمة العملة الحقيقية، وهو ما يجعل تحديد سعر واقعي للعملات أمراً بعيداً عن المعطيات.
وأرجع مراقبون عدم استقرار العملات إلى أن العملاء في السوق الموازي يشعرون أن الدولة حتى الآن لا تمتلك احتياطيًا مقدرًا يمكنها من تحقيق استقرار سعر الصرف، إضافة إلى أن الاقتصاد السوداني مازال يعتمد على المعلومات والشائعات أحياناً سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة ويتأثر بها.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي د. حسين جبريل خلال حديثه لـ(الصيحة)، إن الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع الدولار من وقت لآخر هي عدم وجود سوق منظم للتعامل بالنقد الأجنبي، لذلك هنالك جهات بعينها تتسبب من وقت لآخر في الارتفاع.
وأضاف جبريل بأن ذلك يتم في غياب سلطات البنك المركزي الأمر الذي أثر سلباً على الوضع الاقتصادي في البلاد دون أن يجد الرقابة أو الدراسات المناسبة للوقوف على الأسباب الحقيقية للتأثير على الأسعار ومن ثم اتخاذ الإجراءات المناسبة، ولفت إلى اتجاه بعض الجهات إلى إخراج مواردها إلى خارج البلاد بمختلف الطرق أو عن طريق تسييل الأصول الثابتة والأرصدة بالبنوك وغيرها والتي تسهم بدورها في ارتفاع الأسعار.
وأشار جبريل إلى أن المعالجات التي يجب أن تضعها الدولة تتمثل في تفعيل قانون التعامل مع النقد الأجنبي ومحاربة تجار العملة، بالإضافة للتهريب خاصة السلع الصادرة والواردة للبلاد. وقال: “يمكن الاستفادة من تجربة الدعم السريع في محاربة التهريب عبر الحدود”.
ويعتبر ارتفاع الدولار أحد الأسباب وراء ارتفاع الأسعار الأمر الذي أدى إلى حدوث ضائقة معيشية طاحنة استعصى معها توفير أبسط معينات المعيشة خاصة لذوي الدخل المحدود، فقضية تراجع العملات الوطنية مشكلة ممتدة منذ فترة طويلة لم تفلح معها كافة المعالجات من قبل القائمين على الأمر في الحكومة السابقة والحالية.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي، إن الكثير من أصحاب الشأن يشعرون بأن الحكومة لا تمتلك احتياطي عملات حرة يمكنها من تحقيق استقرار سعر الصرف، وأن الاقتصاد السوداني ما زال يعتمد على المعلومات و”الإشاعات” أحياناً سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة ويتأثر بها، وفي الفترة السابقة كان سعر الصرف يتحسن عندما تحدثت اللجنة الاقتصادية عن عقوبات للمتعاملين بالنقد الأجنبي وإقرار بعض السياسات والإجراءات لتصدير الذهب.
وأضاف د. هيثم لـ(الصيحة)، بأن ميزان المدفوعات يعاني من خلل كبير، حيث نجد أن فاتورة الاستيراد أكثر من عائدات الصادرات، وذلك يشكل ضغطًا مستمرًا على الجنيه السوداني، وكذلك الدولة تلجأ للتمويل عبر العجز والاستدانة من النظام المصرفي وطباعة النقود لتحملها أعباء توفير مبالغ ضخمة تذهب في دعم الوقود والمحروقات والكهرباء، وهذا يضاعف من التضخم مما أوصله لنسبة فاقت الـ(140%) وكل ذلك يسبب ارتفاعًا مستمرًا للدولار مقابل الجنيه، ونوه إلى أن الطلب على الدولار يتزايد يومياً حيث أن المواطنين يشترون الدولار كمخزن للقيمة لأنهم يرون أن الجنيه السوداني في تدهور مستمر، بجانب التراجع المتواصل لأداء القطاعات الحقيقية الرئيسية الزراعة والصناعة، ما أدى إلى ظهور اختناقات في الإنتاج المحلي، وشدد على أهمية إصلاح الدعم بالانتقال من دعم الاستهلاك إلى دعم الإنتاج، وقال إن الإصلاح الاقتصادي يجب أن يكون حزمة واحدة بعيداً عن الحلول الجزئية وإعادة النظر بصورة جادة في السياسات.