غموض حول أسباب تدني مناعة الماشية
لجنة البواخر تتبرّأ من مسؤولية إرجاع الصادر
محجر سواكن يعاني الإهمال
(150) ألف جنيه مصروفات يومية و(25) ألفاً لتانكر الماء
رجوع (60) ألف رأس من الماشية خلال أسبوع واحد
بورتسودان- جمعة عبد الله
طوال الأشهر الماضية تكررت ظاهرة إرجاع بواخر صادر الماشية من المملكة العربية السعودية، ورغم علم الجهات المختصة وكل أطراف الصادر بأسباب الإرجاع “نقص المناعة”، إلا أن تفسير سبب تدني المناعة المفاجئ بين سواكن وجدة ظل لغزاً غامضًا لم يستطع أحد معرفته، حتى المصدرين وأصحاب الشحنات الراجعة لم يجدوا جواباً مقنعاً.
ظاهرة متكررة
وعقب تكرر الظاهرة أعلنت وزارة الثروة الحيوانية عن تشكيل لجنة تحقيق لتقصي أسباب تدني مناعة الماشية بعد وصولها إلى ميناء جدة بالسعودية إلى أقل من (25%) في حين أن المناعة تكون فوق الـ(70%) قبل شحنها على ظهر الباخرة.
وقبل استعراض خلاصات هذا التحقيق يجدر بنا الإشارة إلى الأطراف الرئيسية ذات الصلة بالصادر، وهي وزارة الثروة الحيوانية ممثلة في إدارة المحاجر، والمصدرين أنفسهم، ووكلاء البواخر، مع أطراف أخرى لها دور رئيسي في الصادر لكنها ليست سبباً مباشراً في رجوع شحنات الماشية، وهي وزارة المالية بولاية البحر الأحمر وهيئة الموانئ البحرية وهيئة الجمارك.
محجر سواكن
في المحجر البيطري بسواكن، وهو المحطة النهائية للماشية قبل شحنها بالبواخر، تبدو الصورة قاتمة، حيث يفتقر المحجر للخدمات كلياً، مع قلة الحظائر التي لا تتناسب مع كمية الماشية الموجودة في انتظار التصدير، وتمكث الخراف التي لم يحظ أصحابها بحظائر تحت هجير الشمس الحارقة وتتحمل نسبة رطوبة عالية لا تناسب أجسام الماشية السودانية التي تصنف كصحراوية، أما الإجراءات فتلك قصة سنأتي إليها لاحقاً.
يقول مدير المحجر د. عبد الرحيم عبد الفتاح، إن المحجر جهة فنية تشرف على التفتيش فقط لكنهم لا يقومون بتحقين الماشية، ونوه إلى أنها تأتي إليهم جاهزة ومحقنة من المراكز، مما يجعلهم ليسوا ذوي صلة بنقص أو تدني المناعة، وحتى جهاز الكشف الوحيد لا يتوفر لهم بالمحجر بل يوجد بالخرطوم حيث يتم إرسال العينات وانتظار النتيجة.
أسباب غامضة
وعن الأسباب وراء تدني المناعة يقول د. عبد الرحيم، إن الأمر ما يزال غامضاً ولا يمكن تأكيده بشكل قاطع، بيد أنه إشار إلى عدة احتمالات منها اختلاف الكواشف التي تستخدم في فحص الماشية بين السودان والسعودية، وهو ما جعلهم يطلبون كاشف مناعة مماثلاً لما تستخدمه السلطات السعودية، وتوقع استلام الجهاز الأسبوع المقبل.
تصدير الماشية “فوب”
وفي خطوة للحد من إرجاع بواخر الصادر، أصدر وزير الثروة الحيوانية المكلف د. عادل فرح إدريس، قراراً بتسليم كل المستوردين السعوديين المواشي السودانية، تسليماً على ظهر الباخرة “فوب”، وأوضح القرار أن المستورد هو صاحب الماشية والباخرة.
فيما تخوف مصدرون من تأخر التسليم بسبب ظروف أخذ العينات العشوائية للفحص أو إجراءات المواصفات الشكلية أو غير ذلك، وأشاروا إلى عدم قدرة الأغنام على تحمل الانتظار في ظل ظروف ارتفاع الرطوبة العالي بالبحر الأحمر نسبة لأن الضان السوداني بطبيعة الحال صحراوي.
تهديد الصادر
وشكا مصدرو ماشية من صعوبات تهدد انسياب الصادر، وقالوا إن عدم معالجة معوقات الصادر قد يؤدي لتوقف المصدرين كلياً مما يفقد البلاد مبالغ طائلة عبارة عن حصائل صادر ورسوم يسددها المُصدرون.
ويقول المُصدّر سليمان محمد صالح، وهو صاحب آخر شحنة مرتجعة عبر الباخرة “بنياس”، إن خسائرهم لا يمكن تعويضها، وأوضح أن الحكومة ضالعة في مسألة رجوع الشحنات بإغفالها معالجة مواضع القصور.
وقال سليمان لـ(الصيحة)، إن الشحنة تبلغ (11.500) رأس من الضأن، تكلفة الشحن إلى جدة (5) دولارات للرأس الواحد، بإجمالي (55) ألف دولار لكامل الشحنة يتحملها المصدر قبل التصدير ومثلها عند الإرجاع، ولفت إلى أن المصدر هنا خسر (110) آلاف دولار في عملية صادر مكتملة الإجراءات ولكنها لم تتم لأسباب لا علاقة لهم كمصدرين بها.
ويواصل سليمان حديثه قائلاً: إن واقع الصادر لا يبشر بخير، نسبة لتعدد المعوقات التي أجملها في لجنة البواخر التي وصفها بأنها معيق حقيقي لانسياب شحنات الماشية بفرضها لنظام “الصف” وهو شحن البواخر بالترتيب دون إعطاء المصدرين حق اختيار الناقل الذي يناسبهم.
عقم وبطء
وقريباً منه يشكو المصدر جابر مفرح، من عقم وبطء إجراءات الصادر بمحجر سواكن، وقال إنها تكلف المصدرين أموالًا طائلة كتكلفة لشراء العلف والماء للقطيع، وأوضح أن تكلفة التانكر تبلغ (25) ألف جنيه تكفي لسقيا (3) آلاف رأس من الماشية لمدة يوم واحد أي تحتاج الشحنة كاملة إلى (4) تناكر ماء يومياً بقيمة (100) ألف جنيه، وعلف بقيمة عالية لأن سعر ربطة البرسيم الواحدة وصل إلى ألف جنيه.
ويصف مفرح بيئة محجر سواكن بأنها “في الحضيض” حيث يفتقر المحجر للماء ولا توجد به كافتيريا لوجبات المصدرين والعمال ولا توجد استراحات ولا أي شكل من أشكال الخدمات، وقال إنهم يعملون تحت أشعة الشمس الحارقة ووسط نسبة رطوبة عالية، وكشف عن وفاة أحد العمال في شهر رمضان المنصرم بسبب عدم وجود الطعام حيث أفطر العامل بمشروب عصير فقط وبات ليلته صائماً حتى اليوم التالي ومع إنهاك العمل ووطأة الجوع تعرض للمرض قبل إسعافه لكنه فارق الحياة خلال ساعات.
رسوم وتكاليف عالية
ويشير المصدر الفاضل إسماعيل، إلى أن الخسائر التي يتعرض لها المصدرون جعلت البعض يفكر في إرجاع ماشيته لمناطق الإنتاج والتوقف عن التصدير لجهة تحملهم منصرفات طائلة يومياً ، وكشف عن تكدس المحجر البيطري في سواكن بأكثر من (150) ألف رأس من الضأن في انتظار التصدير بعضها أكمل شهراً كاملاً.
وقال الفاضل لـ(الصيحة)، إن لديه ماشية بالمحجر مكتملة الإجراءات منذ أسبوعين ولم يتم شحنها حتى الآن، وأضاف بأن التأخير يكلفه يومياً (150) ألف جنيه للماء والعلف فقط، غير أجرة العمالة التي تبلغ (2) ألف جنيه للعامل يومياً، ودق ناقوس الخطر بسبب نقص الفاكسينات للتطعيم وقال “الفاكسينات نبحث عنها كالمخدرات”.
وتتمثل التكاليف للصادر في التكلفة اليومية للعلف والماء وهي تبلغ في المتوسط (150) ألف جنيه، بالإضافة إلى أجرة العمال التي تبلغ (2) ألف جنيه لكل عامل، أما تكلفة شحن الماشية في الباخرة فتحسب بالدولار بحساب (5) دولارات للرأس الواحد، فيما تحصل الشركة الصينية التي تعمل بالميناء على (80) جنيهاً عن كل رأس صادر.
ويقول مصدرون إن هذه الشركة لا تقدم أي خدمات نظير هذا المبلغ وهم لا يعلمون ما هي طبيعة عملها، مع ملاحظة أن تكلفة الشحن تتضاعف في حالة إرجاع الشحنة حيث يلزم المصدر بسداد نفس المبلغ (5) دولارات للرأس لإعادتها، ويبدأ الصرف من جديد على كمية هائلة من الماشية.
وصوب المصدرون انتقادات لاذعة إلى لجنة تنظيم البواخر التي تفرض عليهم بواخر بعينها مع عدم إعطاء المصدر حرية اختيار الناقل المناسب، بالإضافة إلى حصولها على (20) سنتاً عن كل رأس ماشية من تكلفة الشحن البالغة (5) دولارات للرأس.
اللجنة تنفي
ولكن اللجنة تنفي الاتهامات الموجهة لها، وقال مقرر لجنة تنظيم صادر الماشية كابتن سيف الدين محمد أبو بكر وهو نائب رئيس غرفة التوكيلات الملاحية، إن نظام الصف أمر لا بد منه لتنظيم عمل البواخر، وأضاف: لا يمكن ترك الشحن يتم بعشوائية ودون ترتيب حيث يتم منح الأولوية في الشحن للبواخر حسب الأسبقية.
وعن الاتهام بأخذ أموال من البواخر، قال إن النسبة تبلغ (50) سنتا من الـ(5) دولارات، يأخذ منها الوكيل البحري (30) سنتاً، فيما تذهب الـ(20) سنتاً لوزارة المالية بالولاية، ونفى حصول لجنة تنظيم البواخر على المبلغ.
وكشفت جمارك البحر الأحمر، عن رجوع (60) ألف رأس من الماشية خلال الفترة من 27 يوليو حتى 2 أغسطس مع نفوق (97) رأسًا.
وقال المدير العام للهيئة بالإنابة العميد شرطة محمد يوسف محمد، إن الهيئة تمنح مصدري الماشية الراجعة شهادة وارد توضح الكمية حتى لا يطالبه بنك السودان المركزي بحصائل صادر.
فيما أشار العقيد شرطة عبد الغفار محمد حمد، إلى أن الصادر بما فيه الماشية معفى من الرسوم، وقال إن مهمتهم توفير المستندات اللازمة للصادر والتأكد من مستندات التخليص وشهادات المحجر البيطري واستمارة الصادر من بنك السودان المركزي.
نواصل…