عام على الوثيقة.. جرد حساب برائحة (البمبان)
الخرطوم: محمد جادين – فاطمة علي
بذات قُوة الدفع التي وسمت ثورة ديسمبر 2018م، تداعت جموع الثوار إلى موعدها المضروب بالواحدة ظهراً بتوقيت الثورة أمس، لتخرج في مواكب ضخمة، تمّت الدعوة لها من تجمُّع المهنيين السودانيين وتنسيقيات لجان المُقاومة تحت عنوان (جرد الحساب) لتصحيح مسار الثورة، غير أن مجريات الأحداث قادت في النهاية لوقوع المحظور عندما جرى كر وفر بين الثوار والشرطة، وأطلق الغاز المسيل للدموع وعبقت رائحة (البمبان) في سماء الخرطوم، بينما أبدى تجمع المهنيين عدم رضائه للطريقة التي تعامل بها مجلس الوزراء مع الثوار وموكبهم.
حمدوك يستبق المواكب
قبل الموعد المضروب للموكب، أصدر رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، بياناً بمناسبة مُرور عامٍ على توقيع الوثيقة الدستورية، أكد فيه أهمية تحقيق العدالة الانتقالية وإحداث التغييرات الجذرية التي نادت بها ثورة ديسمبر المجيدة، والعمل من أجل إحداث التغيير وإنجاز مهام البناء والتّعمير، ودَعَا لأهمية الدعم السِّياسي والشَّعبي والعمل بروح الوحدة لإنجاز المهام وإنتاج نُموذج سُوداني يفتح الأبواب للمستقبل ويعبد الدروب للانتقال، وقال إن مهام إدارة الدولة المحملة بإرث الحكم غير الرشيد والقوانين المُقيّدة للإبداع والحريّات ليس بالأمر السهل، بل طريق متعرج بين صعود وهبوط، وأقر بأن جهاز الدولة يحتاج لإعادة بناء، وتركة التمكين تحتاج إلى تفكيك، والخدمة المدنية تحتاج لتحديث وتطوير ليصبح محايداً بين المواطنات والمواطنين وخدمياً وفاعلاً، وقال “هذه المهمة تحتاج إلى كل الدعم السياسي والشعبي الممكن، وأن نعمل بروح الوحدة”.
المواكب في المجلس
ووصلت مواكب (جرد الحساب) إلى رئاسة مجلس الوزراء من عدة اتجاهات وفق مسارات حدّدتها لجان المقاومة بالعاصمة، فيما خرجت في ذات الوقت عدة ولايات لذات الغرض.
وحملت جماهير الخرطوم مذكرة مطالب شملت قيام المجلس التشريعي، قيام مؤتمر اقتصادي لوضع سياسات للاقتصاد، تشكيل المفوضيات، كما طالبت بأن يصبح مجلس السيادة تشريفياً، وإصلاح المنظومة الأمنية والعدلية، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م، وإعادة هيكلة القوات الأمنية.
ورفع الموكب، شعارات الثورة “حرية.. سلام عدالة”، وردّد المُتظاهرين هتافات تُطالب بتحقيق العدالة “الشعب يريد قصاص الشهيد.. الدم قصاد الدم ما بنقبل الدية.. حقنا كامل ما بنجامل.. وينو السلام؟ جيبوا السلام جيبو”، وذلك بحضور أسر شهداء الثورة وكندّاكات وثُوّار من شرق النيل وجبل أولياء وأم درمان وبحري وبري والديم والصحافة.
وعبّر المُشاركون عن أنّ المطالب التي حوتها المُذكرة أساسية لتصحيح مسار الثورة، ولوّحوا بأنه حال تقاعست الحكومة في إنجازها أو أبطأت في تنفيذها، فربما تتّجه لجان المقاومة إلى المطالبة برحيل الحكومة.
ازدحامٌ وغازٌ مُسيلٌ للدموع
وشهد يوم أمس، إغلاقاً للشوارع المُؤدية إلى القيادة العامة وبعض الشوارع، كما تسبّب انطلاق المواكب في إغلاق الشوارع المؤدية إلى وسط الخرطوم، وخلق ازدحاماً كبيراً بشوارع الجمهورية والمك نمر والنيل وكوبري المك نمر، فيما انتشرت سَيّارات الجيش والشرطة بكل طرقات ومداخل الخرطوم.
وعقب وصول لجان المُقاومة والثُّوّار مقر رئاسة الوزراء لتسليم المذكرة، حدثت احتكاكات وكر وفر بين الثُّوّار والقوات الأمنية، وقامت الشرطة بإطلاق الغاز المُسيل للدموع لتفريق الموكب من أمام المجلس.
استنكارٌ وتصعيدٌ
من جانبه، استنكر تجمُّع المهنيين السُّودانيين، تعامُل رئاسة الوزراء مع مليونية (جرد الحساب)، ووصف استقبال أحد موظفي رئاسة المجلس للمواكب بالمسلك غير المقبول!
وقال التجمُّع في بيان أمس “في مسلكٍ غير مقبولٍ أرسلت رئاسة مجلس الوزراء أحد موظفيها لاستقبال مواكب جرد الحساب مُعتذراً بانشغال رئيس الوزراء، وحين عبّر الثُّوّار عن رفضهم للتّصرُّف، تدخّلت قوات من الشرطة والقوات النظامية باستخدام العُنف ومُحاولات تفريق المواكب”، وأضاف البيان “كان على رئيس الوزراء وطاقمه التحلِّي بفضيلة الاستماع لمن أتوا بهم إلى مواقع المسؤولية، ومُخاطبتهم بما يستجيب لمطالبهم”، ونوّه التّجمُّع إلى أنّ خيارات التصعيد مفتوحة ويجري تقييمها عبر تنسيقيات لجان المقاومة، وسيُعلن عنها فور الاتفاق على الخطوات.
استمرار المليونيات
وفي السِّياق، أكد عضو لجان المقاومة السودانية أحمد فضل، استمرار المليونيات للمُطالبة بتصحيح مسار الثورة حتى تنفيذ أهداف الثورة السودانية وشعاراتها. وأكد لـ(الصيحة)، أنّ الحراك المطلبي بغرض مُتابعة ما تم إنجازه من مسودة الوثيقة الدستورية، وما لم يُنجز, وأضاف بأنّ مليونية (جرد حساب) والتي تقودها تنسيقيات لجان المقاومة السودانية عبر مُذكِّرة واضحة تتضمّن تصحيح مسار الحكومة فيما أخفق، وتنفيذ المطالب الحقيقية.
إرادة الشعب
من جانبه، اعتبر عضو لجان مقاومة بحري محمد حسن الخير، أنّ ما يجري حالياً من الحكومة الانتقالية بشقّيها المدني والعسكري لحل الأزمات والمشاكل وما يحدث بشأن عملية السلام مع حركات الكفاح المُسلّح لا يمثل رغبة الشعب وإرادة المُواطن الذي خرج يوماً لتغيير النظام السابق، ونوّه لتردي الوضع المعيشي والصراعات، والفساد المالي، وأشار الى أن المواكب ستستمر إلى أن تُحقّق المطالب عبر حكومة ديمقراطية رشيدة، تحمل هَمّ الوطن والوطنية بعيداً عن المُحاصصات الحزبية والسياسية، وقال “الشارع لا يخون.. الترس صاحي”.
عدالة حقيقيّة
وقالت عضو لجنة أسر شهداء الثورة أم الحسن حسن لـ(الصيحة)، إنّهم لا يُريدون مُحاسبة من قتل أو عذّب أبناءهم، بل يُريدون عدالة حقيقية حتى لا يتكرّر ما حدث مَرّةً أخرى، وهم يعرفون جيداً مَن قتل وفَضّ اعتصام القيادة العامة، وواضح من خلال الصور والفيديوهات والتصريحات، وأضافت “نُطالب بدولة قانون لوضع قوانين رادعة حتى لا يفلت أحدٌ من العقاب، ويأتي ذلك بوجود إرادة عدلية لمُحاسبة الجُناة”.
إصابات
وانتقدت لجنة أطباء السودان المركزية، إطلاق قوات الشرطة عبوات الغاز المُسيّل للدموع، واستخدام العصي والهراوات والدروع، في قمع الثُّوّار السلميين في الموكب.
وذكرت في بيان، أنّ الشرطة استخدمت الرصاص المطاطي والعصي ونجم عن ذلك عددٌ من الإصابات المباشرة وأخرى جرّاء الاختناق تم نقل بعضهم إلى المستشفى وهم: “عشريني إصابة في الفخذ الأيسر والكاحل الأيسر (جرح قطعي) تمّت خياطة الجروح – الحالة مستقرة، ثلاثيني إصابة في الوجه (الخد الأيسر) جرح قطعي تمّت خياطة الجرح – الحالة مُستقرة، جرح وتهتك في أنسجة في الرجل اليمنى – الحالة مُستقرة، شاب كسر في الساعد الأيمن الحالة مستقرة، إصابة مباشرة في الصدر الحالة مستقرة، وحالات اختناق جراء الغاز المُسيّل للدموع”، وأكدت أنّ الحالات مُستقرّة.