الخرطوم ــ تل أبيب.. براحات التطبيع العربي
ترجمة ــ إنصاف العوض
لم يكن إعلان وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين، بأن تل أبيب باتت قريبة جداً من إبرام اتفاقية سلام مع السُّودان بعد توصلها إلى اتفاق التطبيع مع الإمارات مفاجئاً، إذ تكهنت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية أن يكون السودان ضمن ثلاث دول عربية وإسلامية ستقوم بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، مسمية البحرين وعمان تحت رعاية أمريكية.
وقال كوهين بحسب صحيفة (جورسليم بوست) الإسرائيلية، إن تل أبيب والخرطوم بصدد توقيع اتفاق سلام، ومن المتوقع أن تتم هذه الخطوة التاريخية، قبل نهاية العام الجاري، وإن الاتصالات بين حكومتي إسرائيل والسودان مستمرة، فيما تواصل بعثات من كلا الطرفين استعداداتها على قدم وساق للتوصل إلى الاتفاق.
انقلاب دبلوماسي
وأعرب كوهين عن قناعته بأن اتفاق التطبيع مع الإمارات ستعقبه اتفاقيات أخرى مع المزيد من دول الخليج والدول الإسلامية في أفريقيا.
وقال “أعتقد أن البحرين وسلطنة عُمان على جدول الأعمال بالتأكيد، بالإضافة إلى ذلك، فهناك في تقديري فرصة بالفعل في العام المقبل للتوصل إلى اتفاق سلام مع دول أخرى في أفريقيا وعلى رأسها السودان”.
وتتفق تصريحات كوهين مع الصحيفة الأمريكية التي قالت إن مسؤولاً رفيعاً بالبيت الأبيض، كشف أن كبير مستشاري الرئيس دونالد ترامب جاريد كوشنير ومبعوث الشرق الأوسط آفي بيركويتز كانا على اتصال بالعديد من الدول في المنطقة لمعرفة ما إذا سيتم تنفيذ المزيد من الاتفاقيات، وأضاف “هناك العديد من الدول التي كنا على اتصال بها حرفيًا، ونحن على اتصال بمسؤولين من عدة دول عربية وإسلامية في الشرق الأوسط وأفريقيا. وأضافت “تركزت التكهنات حول دولتين خليجيتين هما البحرين وعمان وكلاهما رحبا بالاتفاق على التطبيع بين الإمارات وأسرائيل كما أن السودان أيضاً موقع تكهنات”.
وتمضي الصحيفة “اقترب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من الميكروفون، مبتهجاً بانقلابه الدبلوماسي، وقال مخاطباً الإسرائيليين في مؤتمر صحفي ناجح الخميس قلت لكم بأنني سأفعلها”، وبالتأكيد فعلها.
وتضيف “على الأقل منذ عام 2009م، كان نتنياهو يصر، ضد الحكمة التقليدية، على أن إسرائيل يمكنها بناء علاقات دبلوماسية وتجارية كاملة مع الدول العربية في الشرق الأوسط دون تسوية الصراع الفلسطيني أولاً في كل فرصة ممكنة، حث ملوك الخليج الفارسي على إظهار تعاونهم غير السري مع إسرائيل إلى العلن ومراراً وتكراراً أبدوا اعتراضهم، وقالوا لنتحدث عن حل النزاع مع الفلسطينيين أولاً إلا أن إصرار نتنياهو جعل إصرارهم يبدو منفصلاً وغير مترابط”.
تقاعس أمريكي
وعندما أُبرمت صفقة لتطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة هذا الأسبوع، لم يكن ذلك لأنه أصبح فجأة أكثر إقناعًا، وقال محللون ومساعدون سابقون لنتنياهو إن ما تغير هو ديناميكيات المنطقة والعالم، لقد أظهرت انتفاضات الربيع العربي لملوك الخليج أن الغضب الشعبي من القمع والفساد كان تهديدًا أكبر لحكمهم من أي رد فعل عكسي لفشلهم في الحفاظ على التضامن مع الفلسطينيين، وغيرت أحداث أخرى حساباتهم الأمنية، فمثلاً وقفت واشنطن مكتوفة الأيدي كحليف قوي للرئيس المصري حسني مبارك، الذي أطيح به في انتفاضة شعبية، وفشلت في الرد عسكريًا عندما قامت سوريا بقصف شعبها وألقي باللوم على إيران في هجوم على منشآت نفطية سعودية، وأصبح من الواضح بشكل متزايد لدول الخليج أن الحلفاء الغربيين الذين اعتمدوا عليهم لعقود لإنقاذهم قد لا يكونون متوافرين عند الحاجة.
وأخيرًا، مع ازدياد قوة القوات الوكيلة التي ترعاها إيران في جميع أنحاء المنطقة- في لبنان وسوريا والعراق واليمن- رأت دول الخليج بشكل متزايد أن إيران تمثل أكبر تهديد لها. وأقنعهم الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015م بأن واشنطن ليست ملتزمة بتدمير طموحات إيران النووية أو إبقاء إيران مقيدة بالعقوبات.
قطاف الخلاص
على النقيض من ذلك، كانت إسرائيل ثابتة في حملتها ضد إيران، ووفقًا لمستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو يعقوب عميدرور، فإن دول الخليج كانت تسمع من مصر والأردن عن مساعدة إسرائيل وموثوقيتها في الأمور الحيوية المتعلقة بالأمن القومي، كما أعادت التغييرات الديموغرافية في دول الخليج ترتيب أولوياتها، مما فرض التركيز على خلق فرص عمل لشبابها أكثر من الدفاع عن الفلسطينيين. فضلاً عن إعجاب قادة الخليج بالاقتصاد الإسرائيلي وقطاع التكنولوجيا، وعليه فإن توقيع الاتفاقية مع الإمارات، سيكون أول قطاف للخلاص الذي وعد نتنياهو الإسرائيليين به منذ (11) عاماً.
ويأمل الإسرائيليون أن تحذو الدول الأخرى حذو الإمارات، ويوم الجمعة قال جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس ترامب، إن تطبيع العلاقات مع السعودية أمر حتمي، وتوقع وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين يوم السبت، أن يفتح السودان علاقات كاملة مع إسرائيل بحلول نهاية العام، غير أن محللين يتساءلون عما إذا كان العديد من الدول العربية التسع عشرة التي ليست لها علاقات مع إسرائيل ستتبع خطى الإمارات.
على الرغم من أن الشغف بالقضية الفلسطينية لم يعد يوحد العرب في جميع أنحاء المنطقة بالطريقة التي اعتادوا عليها، إلا أن إسرائيل لا تزال غير محبوبة بشدة في العالم العربي، حيث يرى الكثيرون أنها مغتصبة للأراضي العربية التي تحتل الضفة الغربية بشكل غير قانوني.
تعاون سري
ويقول مستشار السياسة الخارجية لنتنياهو في التسعينيات عوزي أراد، إن نتنياهو قد ورث تقليدًا ثريًا لرؤساء الوزراء الإسرائيليين الذين يسعون إلى اتفاقات مع الخصوم العرب ففي الستينيات، ألقت إسرائيل أسلحة من الجو على اليمن لمساعدة السعودية التي كانت تدعم النظام الملكي هناك ضد الجمهوريين الثوريين المدعومين من مصر.
وحافظت إسرائيل على روابط سرية مع عمان منذ السبعينيات، وفي عام 1996م بعد اتفاقيات أوسلو فتحت إسرائيل مكاتب مصالح دبلوماسية في قطر وعمان والمغرب وتونس، أغلقت في وقت لاحق بعد اشتباكات عنيفة بين إسرائيل والفلسطينيين.
من بعض النواحي، تمتلك دول الخليج إمكانات لإسرائيل أكثر من “سلامها البارد” مع مصر والأردن، الدول التي خاضت معها حروبًا.
ويرى أراد أن غياب المصلحة بين الإسرائيليين ودول الخليج السبب وراء تأخر التطبيع وليس الولاء للقضية الفلسطينية فحسب، قائلاً: لم يكونوا محاربين في الصراع العربي الإسرائيلي”. لقد انحازوا، لكن لم يكن هناك بسبب صلة الدم كانوا أكثر بعداً وكانوا أغنياء بالنفط ولديهم فرص عمل ومصالح اقتصادية.
وكثفت إسرائيل اتصالاتها السرية في العالم العربي، ووجدت أنه على الرغم من الإدانات العلنية للقادة العرب لإسرائيل- ومبادرة السلام السعودية التي جعلت حل الصراع الفلسطيني مطلبًا للتطبيع- إلا أن الكثيرين كانوا في السر متعاونين وعمليين.
تقاطع المصالح
وقال مائير داغان رئيس الموساد الإسرائيلي من 2002م إلى 2011م في مقابلة قبل وفاته في 2016م “هناك تقاطع في المصالح، وليس تقاطعًا محدوداً، بيننا وبين العديد من الدول العربية، فمصالح معظم تلك الدول- الأردن ومصر والسعودية وإمارات الخليج والمغرب وما إلى ذلك- لم تتوافق مع مصالح الثوار الشيعة الراديكاليين أو حلفائهم في دمشق، ناهيك عن الميليشيات المسلحة بالوكالة عنهم، كانت تلك الدول العربية تخشى في الغالب فكرة امتلاك إيران لسلاح نووي، وربما أكثر من إسرائيل.
أدى هذا التعاون إلى إنجازات كبيرة من قبل المخابرات الإسرائيلية، بما في ذلك القدرة على تحديد ومراقبة وضرب المسلحين في لبنان وسوريا، وتحديد السفارات الإيرانية التي كانت ترسل عملاء في جميع أنحاء العالم ونشر المعلومات حول مشروع إيران النووى.
ويقول الدبلوماسي المخضرم ومستشار نتنياهو دوري غولد، إن نتنياهو لطالما كان مولعاً بالعالم العربي، مستشهدًا بدخول نتنياهو غرفة مليئة بالصحفيين العرب في مؤتمر مدريد للسلام، وقال “لقد تحدث إليهم ليس بصفته شخصًا معاديًا، ولكن على العكس من ذلك، كشخص يريد العمل معهم 1991م.
وكرئيس للوزراء، سعى نتنياهو إلى صفقات صغيرة وتسويات مع القادة الذين كان يتودد إليهم.
في خطوة مبكرة، قال غولد، ضغط دبلوماسيون نتنياهو من أجل إنشاء مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة الجديدة في الإمارات، وهي نعمة لسعي الإماراتيين للحصول على مكانة دولية، شريطة أن يقوم الدبلوماسيون الإسرائيليون بذلك.
شبكة إسرائيلية
في عام 2015م، فتحت إسرائيل بعثة دائمة للوكالة، وهي أول مركز دبلوماسي لها في الإمارات، وقال أراد “هذه هي الطريقة التي بُنيت بها الأشياء، خطوة بخطوة أو حجر تلو الحجر، لإنشاء شبكة كاملة من التعاون، وفي الوقت نفسه، أدى خفض الرئيس أوباما اهتمام واشنطن للشرق الأوسط في السياسة الخارجية الأمريكية، متبوعًا بالسيد ترامب للانسحاب من المنطقة ورده المتردد على العدوان المنسوب لإيران في عام 2019م، إلى تكثيف جاذبية دول الخليج لإسرائيل.
في بعض الأحيان، توترت تلك العلاقات، أدى اغتيال الموساد عام 2010م لأحد قادة حماس البارزين في دبي، دون حتى تنبيه للاستخبارات المحلية، ومحاولة فاشلة للتكفير عن طريق بيع طائرات إسرائيلية بدون طيار للإماراتيين إلى انتكاسة عمل إسرائيل مع الإمارات، ومع ذلك لم يتوان نتنياهو عن جهوده لإقناع القادة العرب بإفشاء علاقاتهم.
كثيراً ما انحرفت تلك المناقشات عن الفلسطينيين، وأشار عميدرور إلى حدث في واشنطن حث فيه دبلوماسي سعودي إسرائيل على حل الصراع الفلسطيني حتى يزدهر التعاون الإقليمي.
وعلى مدى سنوات، منع المراقبون العسكريون الإسرائيليون التقارير عن التعاون العربي الإسرائيلي، خوفًا من أن تؤدي إلى اندلاع مظاهرات ضد الحكومات المتعاونة، ولكن عندما خفف نتنياهو من الرقابة، لم تتحقق الاحتجاجات، اتضح أن الجمهور العربي كان غير مبال إلى حد كبير لدعم القضية الفلسطينية.