بقلم محيي الدين شجر
هذه القضية التي أنا بصددها في المساحة التالية تُعَد من القضايا المؤسفة لأنها تتعلق بالطب والمستشفيات الطبية ببلادنا التي أصبحت تئن وتئن لدرجة مخيفة، وحينما تموت أخلاق الطب تموت الإنسانية كلها ..
وإذا كنا في صفحاتنا السابقة بعنوان (بلاغ في الصيحة) نستعرض قضايا الناس فاسمحوا لي أن أحكي لكم قضية ساخنة عايشتُ فصولها لحظة بلحظة وتتعلق بمريض تعرض إلى جلطة تم تحويله من بورت سودان إلى مستوصف المودة وأمضى 8 أيام بمستشفى عثمان دقنة ببورت سودان، وتخطى مرحلة الخطر نتيجة للعناية الفائقة التي وجدها من أسرة المستشفى فلهم التحية، واستعاد وعيه، ولأن أسرته أرادت مزيداً من الاطمئنان عليه اجتهدت غاية الاجتهاد لنقله إلى الخرطوم إلى ذات الطبيب الذي عالجه في العام الماضي بمستشفى المودة بالخرطوم، ويدعى زرياب أخصائي الباطنية والروماتيزم ..
وصل الإسعاف في الساعات الأولى عند الواحدة من صباح السبت الماضي إلى مستوصف المودة وبعد عناء وجهود مضنية تم استقباله في حوادث المستشفى واطلع الطبيب المناوب على التقرير المحول به وأجريت له الفحوصات اللازمة، وطلب المستوصف إجراء فحوصات كثيرة وصور أشعة ورسم للقلب وتم الاتصال بالطبيب زرياب لمعاينته، وتم دفع مبلغ ألف وخمسمائة جنيه نظير معاينته للمريض، وحضر إليه بحوادث المستشفى وكنت حضوراً وقتها، وقرر تحويله إلى الغرفة وذكر أنه لا يحتاج إلى وضعه في غرفة العناية المركزة، كما تحدث بأن سبب الجلطة يعود إلى إيقافه لاستعمال دواء “التجريتول” وكتب الطبيب مزيداً من الفحوصات ثم قدمت المستشفى قائمة بالمطلوبات ووضع أمنية بقيمة 80 ألف جنيه وتفاصيل تتضمن 8 آلاف جنيه قيمة الغرفة في اليوم الواحد وبعض المصروفات زيارات وفايل ومقابلة طبيب وأشياء أخرى.
وتفاجأت أسرة المريض حينما علمت من استقبال مستوصف المودة أنه ألغى تعامله مع التأمين الصحي وأصبحت في موقف حرج وتدبير المبلغ في يوم السبت يحتاج إلى عناء وصعب بسبب عدم عمل المصارف، وقامت باستشارة الطبيب زرياب إذا كان يعمل في إحدى المستشفيات الحكومية ليتابع مريضه الذي قصده خصيصاً من بورت سودان التي تقع على بعد 900 كلم من الخرطوم، فقال إنه لا يعمل في مستشفى حكومي وقام بتحويله إلى مستشفى إبراهيم مالك بالصحافة وتوكلت أسرة المريض ونقلته إلى إبراهيم مالك عند الساعة الرابعة والنصف من مستوصف المودة وفي إبراهيم مالك لم تجد غرفة خاصة لوضعه فيها ..
عندها تحرك بعض المرافقين للمريض وقاموا بتوفير المبالغ التي طلبها مستوصف المودة ونصحتهم أنا شخصياً بالعودة إلى المودة ليحظى بمتابعة الطبيب الذي يعرف حالته مسبقاً وهو الطبيب زرياب..
ولكن كانت المفاجأة غير السارة أن الطبيب زرياب نفسه أمر مستشفى المودة بعدم استقباله بحجة أنه اشتباه بـ”كورونا” ..
وتحدث هاتفياً إلى ابنته وكنت حضوراً وقتها وذكر لها بأنه أخبرها بهذه المعلومة من قبل ولقد نفت ذلك بل أصيبت بصدمة هيستيرية ..
إن السؤال الذي نوجهه إلى الطبيب زرياب إذا كان مريضه مشتبهاً فعلاً بكورونا لماذا بقي بمستوصف المودة منذ الساعة الواحدة صباح السبت وحتى الرابعة والنصف عصراً، ولماذا لم تقم المودة بعمل الاحتياطات اللازمة والتعامل معه وكأنه مشتبه بكورونا منذ البداية، ولماذا قرر تحويله إلى إحدى الغرف بمستوصف المودة أم إن له رأي آخر ولا يريد علاجه ..
لماذا رفض مستوصف المودة استقباله مرة أخرى وهل للأمر علاقة بمسائل مالية ..
بعد ذلك ذهبت لتقديم شكوى للمدير الطبي بمستوصف أمبدة وطلب مني تحرير شكوى لمراجعة الطبيب بينما ذكر مالك المستوصف بعدم مسؤوليتهم لما حدث وأن القضية يفصل فيها الطب ..
إنه زمن الهوان بحياة الناس والاستهتار بأبسط مبادئ وأخلاق الطب، فكيف تتعامل مستشفى مع مريض مشتبه بكورونا كما قالت لأكثر من 14 ساعة ثم تقرر تحويله إلى الغرفة وتعود لتقول إنه مشتبه بكورونا .. وكيف تحوله إلى مستشفى آخر مكتظ بالناس إذا كان مشتبهاً بكورونا .. أين الأخلاق يا سادة ..
إن هذه القضية نحولها إلى المجلس الطبي للتحقيق فيها بشكل محايد علماً بأن المريض الآن بمنزل الأسرة وسطهم بلا كمامات ويثقون بأنه غير مشتبه بكورونا لأن مرضه معروف وقضى أكثر من 8 أيام بمستشفى عثمان دقنة ببورت سودان..
هذه القضية رغم أنها شخصية إلا أنها تخص كل المرضى في بلاد مستشفيات تهتم بجني الأموال على حساب صحة المرضى ..
لقد قررت أسرة المريض تقديم شكوى إلى المجلس الطبي ضد مستوصف المودة بالخرطوم استجابة لكلام مدير عام المستشفى والذي قال لي شخصياً (أعلى ما في خيلك أركبه) وسنركبه يا سيد يا محترم..