السودان والقاهرة .. الخُرُوج من نفق الصراعات
تقرير- نجدة بشارة
ظلّت العلاقة بين الخرطوم والقاهرة تشوبها الكثير من الشد والجذب، والمد والجزر على مدار الحقب الماضية نسبةً لأزلية العلاقة بين البلدين، حيث شهدت الفترات المتعاقبة خلال كل السنوات، تعاوناً ووفاقاً حقيقياً في بعض الأوقات، وكانت هناك خلافات في أوقات أخرى، ولعله مؤخراً بدأت العلاقة تأخذ طابعتً وبعداً آخر بين البلدين، خَاصّةً بعد تَوحُّد الرؤى فيما يتعلق بأزمة سد النهضة الإثيوبي، والتحركات المصرية والسودانية بعد إعلان أديس أبابا ملء السد بشكل أحادي (المصائب تجمع المصابينا).
واستقبلت الخرطوم خلال هذه الفترة، وفدين رفيعين من الجانب المصري، آخرها زيارة رئيس الوزراء المصري، وكان قد سبقتها زيارة رئيس المخابرات المصرية عباس كامل في زيارة مفاجئة، وبالمقابل ارتفعت موجة التفاؤل بين البلدين على خلفية الزيارتين بتحسُّن علاقات التعاون بينهما وعودة المياه إلى مجاريها… ويبرز التساؤل العريض هنا، هل هذه هي البداية للخروج من نفق الصراعات بين البلدين؟!
وراء الحدث
وكان مكتب رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك قد رحّب بزيارة رئيس وزراء جمهورية مصر العربية للسودان، وقال مدير مكتب حمدوك د. أمجد فريد، إن زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي للبلاد اليوم ستكون فاتحة خير لعلاقة جديدة بين الخرطوم والقاهرة، وامتداداً للتاريخ الطويل الذي يجمع الشعبين، وأكد فريد في تصريح أن الزيارة تمثل طيّاً لصفحة سوداء من العلاقات المُتوتِّرة التي كان يصنعها النظام البائد مع جمهورية مصر وإزالة كل الشوائب نحو علاقات التكامل والتعاون بين البلدين.
واستبقت زيارة مدبولي، زيارة مُفاجئة لرئيس المُخابرات المصرية عباس كامل، للخرطوم الأسبوع المنصرم واستغرقت يوماً واحداً، لم يفصح أي من الجانبين عن أجندتها.
رعاية مصالح
ويقول المحلل الاستراتيجي د. عبد الرحمن أبو خريس في حديثه لـ(الصيحة) إن الأنظمة في البلدين “مصر والسودان”، تواجه الآن أزمات حقيقية.. فبينما تُواجه القاهرة، أزمة شُح المياه مُستقبلاً، تغرق الخرطوم في أزماتها السِّياسيَّة والاقتصاديَّة، أضف إلى ذلك ملف سد النهضة، حيث تسعى مصر لتحالف ثنائي مع السودان لترجّح به كفتها وتكسب به التأييد والدعم الدولي في هذا التوقيت حتى إذا ما خسروا صراعهم مع الجانب الإثيوبي يُمكن أن يسعوا للاستفادة من الفائض من مياه السودان، ووصف أبو خريس مصر بأنها الآن في أضعف حالاتها، لذلك تسعى حكومتها لرعاية مصالحها.
القشة القاصمة
وأشار إلى أن العلاقات بين الجانبين يُمكن أن تتحسّن الفترة القادمة بصورة كبيرة في حال التزم الطرفان بتطويرها، إلا أنه عاد وحذّر من قضية حلايب وشلاتين، حيث وصفها بانها ستظل القشة القاصمة في ظهر العلاقة، وقال إن مصر أمامها فرصة لإبداء حُسن النوايا تجاه السودان وكسب ودِّه بتسوية هذا الملف، وطالب الجانب المصري بالشفافية والوضوح في تعاطيها مع السودان.
التعامل بالمثل
من جانبه، نَبّه المحلل السياسي د. عبده مختار إلى ضرورة أن يتعامل السودان مع مصر بالمثل من حيث تبادل المنافع والمصالح. وقال لـ(الصيحة): إذا أرادت مصر أن ترعى مصالحها عليها أن تحترم مصالح السودان، وبالمُقابل نلاحظ أن القاهرة نشطت مُؤخّراً لأجل تحسين علاقتها مع السودان، وبالتالي يمكن أن ننظر لزيارة المسؤولين المصريين مؤخراً على حاجة كلٍّ من البلدين للآخر، وربما استشعرت مصر أهمية السودان بعد التّوتُّرات التي شهدها البلدين مُؤخراً من خلال ملف سد النهضة من جهةٍ، وقضية حلايب وشلاتين من جهةٍ أخرى، لكل هذه الأسباب تتطلب من الجانبين المُكاشفة والمُصارحة لإيجاد مُعالجات جدية.