عبد الرحمن حلاوي يكتب :
معرفتي به لم تك وأنا طالب بكلية الدراسات العليا جامعة الخرطوم ونادي الأساتذة فحسب بل صلة رحم ومعرفة الأسرة الممتدة، حيث أن شقيق زوجتي الشيخ عبد الباقي محيسي هو زوج الشول بت الشيخ عبد الباقي شقيقة مهدية والدة هذا العالم بقامة الوطن.. كنا في رفاعة مدينة العلم والنور يضمنا الحوش الكبير أي حوش الشيخ إبراهيم محيسي مؤسس الطريقة القادرية في رفاعة وعشنا ردحاً من الزمن ما بين رفاعة وطيبة الشيخ عبد الباقي والسجادة القادرية العركية بالسودان وشيخ أبوعاقلة عليه رحمة الله وخليفته الشيخ عبد الله أزرق طيبة. وسط هذا الجو المشحون بالذكر والذاكرين وإيقاعات النوبة والطار والهمهمات والدندنات والأصوات الندية الخشع الركع السجود.. وسط هذه السجادة القادرية العركية ولد هذا العالم الشاطر النابة النابغ في الثاني من أكتوبر1941م.. من أبناء طيبة الشيخ عبد الباقي بالجزيرة والده من الخولاب وأمه مهدية بت الشيخ عبد الباقي(تبكيك الجوامع اللنبنت ضانقيل).. درس وتلقى تعليمه الأولي والمتوسط بالجزيرة ثم حنتوب الثانوية على مستوى السودان (حنتوب وخورطقت ووادي سيدنا) لا يدخلها إلا النوابغ وأذكى أذكياء الطلاب.. ومن ثم دخل جامعة الخرطوم كلية العلوم قسم الرياضيات ومن أوسع الأبواب ليظهر تفوقه ونبوغه على كل أترابه من الطلاب وذلك في منتصف الستينات رغم تفوقه في السنة الأولى بقي في كلية العلوم بدلاً من الالتحاق بأحد أقسام كلية الهندسة وذلك بإصرار من معلميه في كلية العلوم.. هذا وبعد حصوله على الشهادة المتوسطة التي تمنحها الكلية للناجحين في نهاية السنة الثانية بعثته إلى بريطانيا لنيل درجة البكلاريوس والدكتوراه.. وفي عام1969م نال درجة الماجستير من جامعة أكسفورد، ومن ثم نال درجة الدكتوراه بامتياز.. وبعد سبع سنوات عاد هذ العالم بقامة الوطن الى البلاد ليعمل محاضراً في جامعة الخرطوم.
وفي عام 2006م ألف كتاباً بعنوان:
Higher education in Sudan towards anew vision for anew era.أي التعليم العالي في السودان رؤية حديثة لحقبة جديدة أي التعليم العالي لمدة خمسة عشر عاماً للأمام في الفترة من ألفين وستة وحتى ألفين وإحدى وعشرين، حيث وضع فيه تصورًا شاملاً للتعليم.. والتصور المقترح مبني على فرضية أن السودان مقبل علي نظام ديموقراطي علماني. وعلى حسب الدراسة، فإن نظام التعليم العالي المقترح تحكمه بعض المبادئ والقيم ممثلة في إدارة ديموقراطية واستقلال ذاتي وحرية أكاديمية ورقابة جماهيرية وطلابية ونظام للقبول عادل والامتياز كشرط للاختيار إلى جانب الامتياز في الخدمات والبحوث.. كما أوضح في هذا الكتاب أن التعليم العالي بوضعه الراهن غير قادر على تقديم المرجو منه لبلد مثل السودان، ويرى أن نظام التعليم في دولة النظام السابق صُمّم خصيصاً لخدمة نظام شمولي.
ولاحقاً تولى أمر تأسيس مدرسة الرياضيات school of manأي أسكول أوف مان أوأسكول كما يحلو لخريجيها أن يقولوا ككلية منفصلة عن العلوم.. في عهد نميري تعرض هذا العالم بقامة الوطن إلى المضايقات والاعتقالات المستمرة بسبب معارضته للنظام.. وفي عام1990م ابتدرت الإنقاذ مشروعها الحضاري في التعليم بفصل أساتذة الجامعات دون تمييز ولم يك بروفسر محمد الأمين التوم استثناءً حيث تم فصله من جامعة الخرطوم..و من ثم عاد هذا العالم بتواضعه الجم إلى بريطانيا محاضرًا جامعيًا حيث تجول في العديد من الدول الإفريقية كخبير ومستشار في شئون التربية والتعليم.. ومؤخرًا عاد إلى السودان وتولى منصب العمادة في جامعة خاصة، لكنه استقال من منصبه بسبب زيادة الرسوم الدراسية بعد أن كان المالك قد تعهد بتقديم مستوى متقدم من التعليم برسوم تكون في متناول أيدي ذوي الطلاب.. بعدها قامت الجامعة باختياره ومعه عالم سويدي آخر بتأسيس معهد الرياضيات الأفريقي ومقره العاصمة التنزانية دارالسلام..
في مارس2014م دعت جامعة أوبسال السويدية البروفسور محمد الأمين التوم كواحد من أفضل عشرة علماء رياضيات على مستوى العالم لحضور توزيع جوائز نوبل لذلك العام مما يُعد مفخرة ووساماً فاخرًا على صدر هذا العالم القامة بقامة الوطن وشرفاً باذخاً للسودان في المحافل الإقليمية والدولية.. البروفسور محمد الأمين التوم العالم القامة بقامة الوطن ليس عالماً عالمياً في الرياضيات فحسب، بل هو خبير تعليمي تربوي مرموق وحجة في المناهج الأكاديمية، وقد قدم كثيرًا من الأوراق العلمية النافذة للتعليم في السودان وأصدر كتاباً مرجعياً طرح فيه رؤيته للتعليم العام كحق أساسي لكل أطفال السودان من الجنسين وضرورة ترقيته وإلحاقه بمستوى الدول المتقدمة نافياً حجة عجز الدولة عن القيام بهذا الواجب الأصيل تجاه شعبها وأبنائه . البروفسر محمد الأمين التوم هذا العالم العلامة بقامة الوطن نأمل في عهده وهو يتولى زمام أمر وزارة التربية والتعليم الاتحادية (نعم الاختيار الذي صادف أهله) أن يضع خطة سعافية لإزالة التشوهات التي لحقت بالمناهج التعليمية في التعليم العام والحشو الذي لا يسمن ولا يغني من جوع،
مع عودة التعليم لسيرته الأولى وإلغاء الرسوم الباهظة التي أثقلت كاهل أولياء الأمور وترقية البيئة المدرسية والعودة لأيام المذاكرة في الفصول والجمعيات الأدبية والإذاعات المدرسية على أن يكون التعليم العام حقاً أساسياً لكل أطفال السودان من الجنسين مع ترقيته وإلحاقه بركب الدول المتقدمة .
قم للمعلم وفّه التبحيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا..
حدق العيون ليك يا وطن.. أصبح مقر وأصبح سكن.. إنت الملاذ ساعة المحن.. إنت الشموس عبر الزمن.. سودانا يا أجمل وطن.