د. وجدي كامل يكتب :
لا يمر يومٌ، أو تخرج شمس صباح جديد حتى تفور الدماء بالعقول وتعلو وتهبط عضلات الصدور والوجوه، وتنشط مفاتيح الكيبوردات في إدارة لعبة مُصارعة غير مُتكافئة وغير مأمونة العواقب، ترمي لدحر أحدهم عبر إسقاطه أرضاً بتلويث سُمعته، وتزييف صورته برسم البورتريه المُر، المُناقض، غير الحقيقي عنه وتوزيعه على الأقارب، والمحاسيب، والأصدقاء والتابعين، وذوي الأغراض وإعادة تدويره مرةً أخرى عبر السوشيال ميديا للنَّيل من شخصه وتعطيل فائدة عامة متوخاة من عمله ومُساهمته.
تعيين أو تبوؤ مثل تلك الشخصيات يفسد وبلا شك مصالح أفراد أو مجموعات مُتنفذة، ومُتخمة من الفساد أو التكسُّب من أوضاع قديمة بعينها، ويغلقها في مواضع أو صناديق لا يجوز فتحها أو إعادة مُحتوياتها إلى الحياة مَرّةً أخرى.
مدركٌ ومفهومٌ أن ليس من ابن آدم باستطاعته الخروج صائحاً على الناس، نافياً بلسانه الخاص منتجات الإساءة وتفاعلاتها الباطلة عنه، أو تعطيل ألغام تم دسّها تحت خطواته وطول مسيره. فالآلات المُخادعة والقاتلة سوف لن تتوقّف عن الأزيز والنفخ بأقبح الأصوات، وفي المُقابل سوف لن نتمكّن نحن من صفوف الحرص على المصلحة العامة، ومن منصة صناعة الثورة المُناداة بإخراج المواكب والمليونيات ضد الحسد والغِيرة، وضد والكراهية والعُنصرية.
تلك ظواهر مُدمِّرة بلا شك وبإمكاننا عمل شئٍ مُهمٍ للغاية بغرض تفكيكها بفضح ما يتم بالكتابة المُضادة، وفتح البلاغات الإعلامية الفورية بنشر الحقيقة والمعلومات الواقعية كما هي وتوسيع نطاقها، والمضي بالضرورة بالتوازي للحفاظ على عادة نظافة الذات بصقلها بأحسن الفضائل والخصائص من الخُلُق الأصيل، والأدب النفيس. فالثورة عمل دؤوب وحثيث أيضاً على النفس في منظوراتها ومخابئها بذات الدرجة التي هي فيها إنتاج مستمر لمكارم الأخلاق والتخلص من العيوب المؤذية للجمع والمجموع.
اسأل مُباشرةً: لماذا نشهرُ المسدسات، ونصوِّبُ البنادق والراجمات، ونطلقُ الأعيرة والقذائف تجاه الأشخاص الموهوبين، الأكفاء، النظيفين، الأمينين بمُجرّد أن يتبوأوا المناصب العامّة أو تُوكل إليهم المهام الرسمية اللائقة بهم وبسيرهم العلمية والعملية بما اكتسبوه من خبراتٍ محليةٍ، وإقليمية، عالمية ربما؟.
أذكر أنّ مئات الرسميين الذين عيّنتهم الإنقاذ على أيامها وكانت سيرهم تزكم الأنوف وأعمالهم لا تسر ولا ترضي قبل تعييناتهم. لقد كانوا بلا شهاداتٍ، بلا خبراتٍ، ومنهم من حَصَلَ على الألقاب العلمية بالرشوة، والشراء، والغش، والفهلوة، وجميعهم وبلا استثناءٍ مَرّ من دُون تعليق أو احتجاجات إسفيرية تقال، بل ثمة سبب إضافي وهو تضييق الحريات الصحفية ومحدودية الهامش المعطى للنشر.
أكتب عن ظاهرة ليست بالحميدة تنتجها عقلية أمنية تدرّبت على صياغة وصناعة الديباجات السّامّة عبر إدارات مُتخصِّصة لبث الشائعات، واغتيال الشخصيات معنوياً، وذات صلة وثيقة بالعمل الإعلامي ورموز الإعلام البائد الذين لا يزالون على قيد التنفس بالسموم في رئة الرأي العام.
إنّه لمن المُؤلم حقاً أن أغلب وغالبية ما تنتجه تلك الماكينات من حِيلٍ وتشوُّهات مُتعمِّدةٍ كتلك تعبر دون رفض أو مقاومة على أشد الناس علاقةً بالشخص ومعرفةً بتاريخه وحباً في التغيير وموضوعاته، دعك من أحباء الثورة ومُناصريها الكثر الذين لا ينبرون لإسكات ما تقوم من فتنة.
نعم ثمة أخطاء يتم ارتكابها أحياناً في مراكز صنع القرار بأن يتسرّب أُناسٌ ليسوا هم الأفضل على الإطلاق، أشخاص من ذوي تاريخ مُعادٍ للثورة والتغيير من السهل التعرف عليهم بأقصى سرعة وعبر أقصر الطرق.
نسف الشخصيات، ومُحاولة محوها بتأليف كل ما هو ضارٍ وتسويقه يُعدُ رجساً من شيطان السياسة ووسوسة المصالح، وعملاً من الشر المُمنهج الذي يستوجب المُكافحة صباح مساء دُون هوادة.
إنّ عدم القيام بذلك سيسهم في تغذية وتربية الذئب الذي سيلتهم الأشياء العزيزة إذا لم ننتبه جيداً لكيفية تسرُّب الفشل إلى التجارب العالية، الرفيعة، والتي منها هذه الثورة – ثورتنا التي تحفها الأخطار، وتحدق بها، ويَتحلّق فوقها ويتسرّب من بنيانها المضعضع الأشرار والأنذال دُون توقُّفٍ أو انقطاعٍ.