أُم الشوائب..!!
الطاهر ساتي يكتب :
:: مع مُساعدات طبية وأغذية أطفال ومُستلزمات أُخرى تُقدّر بـ(20 طناً)، استقبلت الخرطوم – يوم أمس – رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ومَسؤولين آخرين.. أهلاً وسَهلاً ومَرحباً بالأشقاء.. وحسب تصريح سفير مصر بالخرطوم حسام عيسى، فمن المُتوقّع وصول فريق طبي من القاهرة لمُساعدة سلطاتنا الصحية في مُحاربة وباء كورونا.. ألف شُكر، وألف تقدير لمصر وحكومتها وشعبها، على هذا الدعم، وما سَبقَ..!!
:: وعلى هامش استقبال وفد الأشقاء، قال كبير موظفي مكتب رئيس الوزراء أمجد فريد: (الزيارة تمثل طيّاً لصفحة سوداء من العلاقات المُتوتِّرة التي كان يصنعها النظام البائد مع مصر)، وقد صدق، فالنظام كان يُفسد علاقة البلدين والشعبين بالمُغامرات الطائشة، والتي إحداها التورُّط في مُحاولة اغتيال الرئيس المصري مبارك.. ثم أضاف فريد: (وجود مدبولي في الخرطوم سيعمل على إزالة كل الشوائب نحو علاقات التكامُل بين البلدين الشقيقين)..!!
:: نأمل إزالة كل الشوائب، وفريد يعلم أنّ أُم الشوائب التي يجب إزالتها عاجلاً، بحيت تكون علاقة البلدين علاقة تكامُل وتعاوُن، هي قضية مثلث حلايب.. نعم، قضية حلايب هي التي يجب أن تظل في قائمة (الأولويات) عند أيِّ لقاءٍ سُوداني مصري، وليس الكمّامات والمُعقّمات والأغذية وغيرها من المُساعدات.. ومع مثلث حلايب، هُناك قضية أخرى أيضاً، مُهمّة للبلدين والشعبين، وهي اتفاقية الحريات الأربع، والتي بحاجةٍ إلى مُراجعة بغرض التطوير والتفعيل..!!
:: فالتنقُّل والإقامة والعمل والتملُّك، هي الحريات الأربع.. ومنذ التوقيع عليها، تُنفِّذ مصر ثلاث حريات، وهي الإقامة والعمل والتملُّك، ولكنها لم تُنفِّذ حُرية التنقُّل بالكامل.. إذ لا يزال السفر إلى مصر بلا تأشيرةٍ فقط للمرأة وما فوق الخمسين سنة من الرجال، ويُلزم الشباب بالتأشيرة.. وتأشيرة الشباب هذه هي الثغرة المصرية في (الاتفاقية).. وكذلك للسودان ثغرة، إذ لم يتم تنفيذ بند حرية التملُّك..!!
:: هل حكومة حمدوك مُستعدة لتعديل قانون الأرض، بحيث يكون للمصري حقّ الامتلاك كما تنص الاتفاقية؟.. فالإجابة هي الحقيقة التي كان يتهرّب منها النظام المخلوع، وعلى حكومة حمدوك مُواجهتها بشجاعة، بدلاً من إعادة إنتاج رومانسيات إبراهيم غندور في عهد النظام المخلوع.. بالتملُّك يُقيم الأجنبي ويعمل ويتنقّل في أرجاء القطر كأيِّ مُواطنٍ، وهذا هو حال الأُسر السُّودانية – سَكناً وعَملاً – في كل الدول التي تمنح الأجنبي حق التملُّك..!!
:: وبغير التملُّك، لا يقيم الإنسان ولا يعمل ولا يستقر في مَكانٍ، وهذا هو حال المُواطن المصري في السودان.. وعليه، عندما نُطالب الحكومة المصرية بإلغاء التأشيرة، يجب عدم غَضّ الطرف عن (قانون الأرض)، المُقيّد لأهم حُريات المُواطن المصري في السودان.. هكذا ثقوب الاتفاقية التي عَجِزَت الأنظمة المخلوعة – بالسودان ومصر – عن (سَدِّها)، وعلى الحكومتين سَدّ هذه الثقوب، إن كانت هُناك رغبة جادّة في ترسيخ علاقات بين البلدين..!!
:: ونرجع لأُمّ القضايا.. حلايب مُحتلة منذ عهد النظام المخلوع، ويجب أن تعود إلى حُضن الوطن.. والمُؤسف لم يتحدّث أمجد فريد – أو أيِّ مَسؤولٍ بحكومة وقِوى الحُرية والتّغيير – عن قضية حلايب، أو كما كانوا يفعلون عندما كانوا في المُعارضة.. وعليه، بالحوار الثُنائي، أو بالتحكيم الدولي، يجب طَي هذا (الملف السِّيادي).. ومَا لم تجد أزمة حلايب حَلاً عَادِلاً، فإنّ حديث أمجد عن إزالة الشوائب مُجرّد (ونسة وتخدير)، أو كما كان يفعل مصطفى عثمان إسماعيل..!!