موازنة 2020م.. ما بين الواقع والمأمول
الخرطوم : رشا التوم
أثارت موازنة 2020م نوعاً من الجدل الكثيف في الأوساط الاقتصادية كافة والمجتمع السوداني على وجه الخصوص، ما بين مؤيد ورافض لإجازتها متضمنة استكمال رفع الدعم عن الوقود والتعديل التدريجي لأسعار الصرف من 55 الى 120 جنيهاً والدولار الجمركي من 18 جنيهاً الى 55 جنيهاً. وقطعت الموازنة بالاستمرار في دعم الدقيق والأدوية وغاز الطبخ والكهرباء، فيا ترى هل تجد اليزانية عقب التعديل النهائي موافقة بالإجماع أم تظلل محل خلاف بين جميع المكونات، خاصة وأنها أول ميزانية تجاز عقب ثورة ديسمبر المجيدة، وأتت في مضمونها وشكلها مختلفة تماماً عن توقعات المواطن البسيط الذي كان يأمل في موازنة تحقق له متطلبات العيش الكريم.
اختلاف وجهات النظر
عددٌ من الخبراء في المجال الاقتصادي يعتقدون بأن الموازنة في شكلها النهائي لها تأثير مباشر على القطاعات الاقتصادية وهي موازنة لا تخدم الاقتصاد السودانى المنهار أصلاً وأن القرار الذي أعلنته الحكومة باستكمال رفع دعم المحروقات “جازولين وبنزين” والإبقاء على القمح وغاز الطهو والمرتبات بنسبة 100%.
وحال نظرنا إلى الجانب الآخر، نرى أن البعض أكد على أن الموازنة ستضاعف الصرف الفعلي على قطاع التعليم والصحة ومنع فرض رسوم من أية جهة في المدارس الحكومية والوجبة المدرسية، بالإضافة إلى مجانية العلاج فى المستشفيات الحكومية، وإزالة التشوهات في المرتبات والأجور وزيادة بند المرتبات بنسبة 100% مما يعتبر مكاسب حقيقية وإيجابية تصب في مصلحة كثير من المؤسسات الاقتصادية.
إيقاف الهدر
الخبير الاقتصادي دكتور الفاتح عثمان، وصف في إفادات سابقة قرار رفع الدعم عن المحروقات بالقرار الإيجابي، وقال إن إجراءات رفع الدعم عن المحروقات خاصة البنزين والجازولين تعتبر إجراءات ضرورية في الوقت الراهن للاقتصاد السوداني لأسباب كثيرة منها إيقاف الهدر وإصلاح موازنة الدولة وتوجيه الدعم للفئات التي تستحقه بشكل سليم بمعنى أن الوضع الحالي يجعل توفير الوقود في السودان شبه مجاني، وخاصة للمقتدرين، وهذا الأمر لا يوجد في العالم، وهي ممارسة غير سليمة، وبالتأكيد مثل هذا النوع من الإجراء له سلبيات وإيجابيات، ومن السلبيات للفئة التي كانت تستفيد سوف تواجه نوعاً من الصعوبات لكي تتأقلم على الإجراءات في ظل غياب الدعم الحكومي لهذه السلع، وعلى الدولة بدلًا من تقديم دعم نقدي أن تدعم المواصلات العامة والتعليم والصحة هو الأجدى وبالتالي لا يتأثر معظم المواطنين خاصة الأقل دخلاً، أما قرار رفع الدعم عن المحروقات من ناحية الإيجابيات فتتمثل في إيقاف تهريب الوقود إلى الخارج.
ثبات الأسعار
بعض التوقعات أشارت إلى أن واردات السودان سوف تشهد تحولاً غير مسبوق خاصة في جوانب الوقود والسيارات وقطع الغيار وكافة الأشياء المتعلقة بالسيارات وحتى نهاية العام 2020 سوف تنخفض تلك الواردات بنسبة تقدر بـ 1 ونصف مليار دولار، هذا إلى جانب انخفاض أسعار السيارات وخاصة التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود سوف تكون غير مرغوبة في الأسواق السودانية، وتلك الإجراءات تؤدي إلى سحب السيولة من الأسواق من المستفيدين وتثبيت سعر التضخم عند حد معقول، إضافة إلى ثبات الأسعار بشكل عام. والقرار اقتصادياً سليم جداً بل يمكن للحكومة في الفترة القادمة وضع ضريبة إضافية على البنزين وتوجيهه إلى دعم الصادرات وخاصة بناء المسالخ وتهيئة البيئة العلاجية والمستشفيات.
عدم مقدرة الدولة
فيما يرى عدد من خبراء الاقتصاد، أن رفع الدعم عن المحروقات لم يأت بجديد، والذين يتحدثون عنه هم نفس الأشخاص والعقلية للنظام البائد، فالوقود عالميًا تتناقص أسعاره، لكن في السودان في زيادة نتيجة خلل واحتكار في السوق وانعدام المنافسة الحقيقية، وحسب توجه النظام الرأسمالي أو التحرير الاقتصادي لضبط السوق، وهذه سياسة الدولة في النظام السابق، ولم تستطع التغلب عليه من أجل مصلحتها.
ولذلك الحديث عن رفع الدعم مجرد إعادة لما سبق، وقالوا إن النظام السابق تبنى اتجاه رفع الدعم عن المحروقات من أجل زيادة الأسعار فقط، والدولة ليست قادرة على ضبط الأسواق ونسبة كبيرة من الأسعار عبارة عن سماسرة ليس إلا، ولذلك أصلاً ليس هناك اي مبرر للحديث عن رفع الدعم ولا مبرر للدولة ترك السوق والأسعار دون رقابة، وعليها عدم السماح لاي شخص غير منتج الدخول الى الأسواق لرفع الأسعار وغيرها، أما الحديث عن تحسين الأجور وزيادة المرتبات وغيرها فهناك أموال كثيرة ظهرت أعلنت عنها لجنة إزالة التمكين تم استردادها إلى الخزينة العامة يمكن أن توجه نحو الإنتاج وتطوير الصادرات والنقد الأجنبي.
موازنة طموحة
هذا الرأي تبناه الخبراء الذين يرون أن الموازنة إيجابية تصب لصالح الفقراء ومحدودي الدخل لأنها أكدت على زيادة الأجور، فالعاملون في الدولة واجهوا صعوبة ومعاناة كبيرة سابقاً بسبب السياسات الخاطئة.
واتباع سياسة الدعم لم يشفع للفئات التي تستقل المواصلات بالتنقل بسعر زهيد.
مخاض عسير
تأتي الموازنة في ظروف استثنائية والبلاد تمر بمرحلة حكم انتقالية جديدة وتواجه بكثير من التحديات في سبيل تحقيق إصلاح سياسي واقتصادي شامل ومعالجة التشوهات التي أحدثها النظام السابق.
وتبلغ تقديرات الموازنة بـ611 مليار جنيه، قدرت بحوالي 11 ملياراً بسعر الصرف للدولار الجمركي 55 جنيهاً، والاعتماد الداخلي بحوالي 6 مليارات جنيه، وتعتمد على دعم خارجي 5 مليارات جنيه، واعتبر ذلك دعماً طموحاً وعلى أقل تقدير يمكن أن تحقق دعماً خارجياً 3 مليارات جنيه، وتوقع لها أن تحقق على أسوأ الفروض 80% من المبلغ الموضوع في الموازنة، وتعتبر موازنة لصالح الفقراء ومحدودو الدخل وتعمل على إعادة توزيع الدخول من الأغنياء للفقراء .فالموجهات العامة والهيكلة العامة للموازنة ليس بها خطأ.
وخطوة رفع الدعم عن الوقود يقال إنها تأخرت كثيراً مع العلم بأن آخر زيادة طرأت على الوقود العام 2013م، ودعم البنزين والوقود عامة ترتب عليه تمويل كبير جداً بالعجز، وتراكم للكتلة النقدية، وهو من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى التضخم الحالي، وعالمياً رفع الدعم عن الوقود سياسة متبعة وتركت آثاراً إيجابية في كثير من الدول التي اتبعتها.
رفض الشارع
من الطبيعي أن كل جديد يُواجَه بالرفض وعدم القبول في أوساط المجتمعات، والقرارت التي حوتها الموازنة أجمع الشارع العام على رفضها، وذهب معهم في الاتجاه عدد من الأحزاب الموالية للحكومة والمشاركة في قوى الحرية والتغيير أيضاً.
وشيء طبيعي فأي شعب أو مواطن يرفض زيادة سلعه خاصة وإن كانت هذه السلعة مهمة، ولنكن على الحياد تلك السياسة تتبعها بعض الدول النامية ولها آثار إيجابية خاصة على المواطنين أصحاب الدخل المحدود، لجهة أن يعمل على إعادة توزيع الدخول من الأغنياء للفقراء.
فمنذ نهاية ديسمبر 2017م وحتى ديسمبر 2019م، توجد ضريبة تضخم بلغت 200% على أصحاب الدخول المحدودة والفقراء وقضت على دخولهم بنسبة كبيرة جداً تصل إلى 70%.
بين نارين
هناك سؤال جوهري مطروح حول لمن تضوع الموازنة؟ والإجابة قطعاً للمواطن البسيط لتوفير السلع الأساسية والمعيشية ولكن المواطن بات مطحوناً بين مطرقة التضخم وسندان رفع الأسعار بواسطة الفئات الأخرى التي يتعامل معها، فرفع الدعم في المقام الأول انطباعه نفسي فأي شخص يتم إخباره برفع الدعم أو زيادة سعر سلعة يكون انطباعه الأول بان معاشه بات مهدداً وتحت رحمة التجار ويقوم برفض هذا الاتجاه.
إيجابية ولكن
في المقابل، تميزت الموازنة بنقاط أيجابية منها زيادة الأجور وهي من أولى البشريات التي أعلنها وزير المالية السابق د. إبراهيم البدوي، وهو أمر واجب لجهة ان أصحاب الدخل المحدود وعلى رأسهم أصحاب المرتبات تعرضوا لضريبة تضخمية بلغت 200% منذ نهاية ديسمبر 2018م وحتى العام الحالي نتيجة لعدم رفع الدعم، مما أدى إلى تراكم دخول العاملين بالدولة بنسبة كبيرة جدًا وفقدت 70-80% من قوتها الشرائية وأحالت حياتهم الى صعوبات كبيرة جداً لمواجهة متطلبات الحياة، فالمرتب بات لا يكفي لأكثر من أسبوع، فموازنة 2020 انتبهت إلى هذا الجانب الهام وتقرر مضاعفة هذه المرتبات بنسبة 100% وهذا شيء إيجابي لصالح الموازنة خاصة وأن العاملين بالدولة يصل عددهم إلى نحو 150 ألفاً للحكومة الاتحادية و450 الفاً للولايات، بجانب العاملين بأجهزة القوات النظامية.
رفض من الداخل
بعض المجموعات الاقتصادية في قوى الحرية والتغيير أعلنت رفضها للتعديلات التي أجريت على الموازنة بحجة أنها تؤثر على الفئات الفقيرة.
ورفع الدولار الجمركي سوف تكون له آثار اقتصادية سيئة جداً، وحدد بواقع 120 جنيهاً لسعر الصرف من 55 جنيهاً،
وكان الدولار الجمركي تم خفضه في حكومة إيلا إلى 15 جنيهاً.
وفي سياق موازٍ، أجمع عدد من المواطنين رفضهم التام لخيار رفع دعم المشتقات البترولية “البنزين والجازولين”، والأخير لأن كافة وسائل المواصلات العامة تعتمد عليه بشكل تام لنقل وترحيل السلع والبضائع.
وبالتالي سيؤثر في رفع أسعار وتكلفة الترحيل وزيادة أسعار السلع.
موافقة بشروط
بعض المتحدثين أكدوا أن الأمر برمته خارج اهتمامهم سواء تم رفع الدعم أو الابقاء عليه بقدر ما يهمهم ضمان تسهيل المعيشة وتوفير العلاج والتعليم بأقل تكاليف ممكنة.
وأشاروا إلى أنهم طحنوا بالغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة لمستويات غير مسبوقة رغم حديث الحكومة عن الدعم السلعي.
وقال بعض منهم إن موازنة 2020 جاءت أقل من الطموحات عقب عقد آمال كبيرة عليها خاصة وأنها أتت في ظل حكومة الثورة.
ودعا رأي اقتصادي آخر إلى اتخاذ بدائل وتبني برنامج إنتاجي ضخم لزيادة الصادرات وجلب عملات حرة تسهم في إعادة التوازن الاقتصادي وضبط صرف المحروقات عبر ضوابط مشددة ومحاربة التهريب بشدة مع إنزال عقوبات رادعة، وتحقيق مجانية العلاج والتعليم وضبط السوق والرقابة الصارمة من الجهات المختصة على السلع وأسعارها ومنع تجارة العملة بأي شكل من الأشكال، وضبط صادر الماشية والذهب والصمغ العربى والمحاصيل النقدية ذات القيمة العالية في الأسواق العالمية، وعدم تصديرها مواد خام وتشجيع الإنتاج المحلي لتغطية حاجة الاستهلاك داخلياً ورفع حجم الصادرات.